في مثل هذا اليوم وقبل 38 عاما، وقع أنور السادات اتفاقية السلام مع الدولة الصهيونية، وبعدها بحوالي أسبوعين وافق مجلس الشعب (البرلمان) عليها بأغلبية شبه مطلقة واعترض 15 عضواً وامتنع عضو واحد.
حينئذ هتف المعارضون القلائل من نواب المجلس وبينهم الشيخ الراحل صلاح أبوإسماعيل بنشيد “والله زمان يا سلاحي” الذي كان النشيد الوطني القديم، وألغاه السادات لاحقا واستبدله بنشيد “بلادي بلادي” الذي أصبح الرسمي في طابور الصباح بالمدارس حتى الآن.
حين عرض السادات، اتفاقية السلام على البرلمان، بعد 15 يومًا من توقيعها في 26 مارس 1979، تصدى لها نواب الاحزاب الشهيرة في ذلك الحين: الوفد (الليبرالي) والتجمع (اليساري) وحزب العمل، وأبرزهم طلعت رسلان، والشيخ صلاح أبو إسماعيل والدكتور حلمي مراد وخالد محيي الدين وكمال أحمد، ومحمود زينهم، وممتاز نصار، وأبو العز الحريري، والمستشار محمود القاضي.
وأبدي النواب اعتراضهم الشديد على التصالح مع إسرائيل بمعاهدة السلام، ولم يعجب الأمر الرئيس السادات فأصدر قرارًا بحل المجلس في 11 أبريل 1979، ثم جرت مصادرة “جريدة الأهالي” التابعة لحزب التجمع اليساري، لمعارضتها الاتفاقية وانتقادها للسادات.
وجري النص في قانون الأحزاب الجديد الصادر لاحقا عام 1979 على أن “قبول اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية شرط للموافقة على أي حزب جديد”.
وانتهي الأمر، مع تزايد الرفض الشعبي للتطبيع مع إسرائيل، باعتقال السادات 1536 شخص من كافة التيارات في سبتمبر 1981، بتهمة تهديدهم لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
واستقبل العرب الاتفاقية، بحالة من الغضب، وعقدت الدول العربية مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر، واتخذت جامعة الدول العربية قرارًا بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجًا على الخطوة المصرية، وتم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 إلى عام 1989، لكونها لم تشر صراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصير.
كومبو السلام
هذا الاعتراض المبكر، دفع السادات لدمج حل مجلس الشعب ضمن الاستفتاء على اتفاقية السلام بحيث يجري عليهما استفتاء واحد في 19 إبريل 1979 سمي “إعادة تنظيم الدولة تدعيماً للديمقراطية”.
ووصف معارضون ما قدمه السادات في هذا الاستفتاء حينئذ بأنه “كومبو” أي وجبة واحدة شاملة مغرية على طريقة مطاعم الوجبات السريعة، بما يجعل حل المجلس يبدو مقبولا ويصوت عليه المصريون بـ”نعم”.
أبرز مفردات هذا “الكومبو”، كما يقول الصحفي محمد بصل مسئول الملف القضائي والدستوري بصحيفة “الشروق” كان تسعة مكونات هي: (إطلاق حرية تكوين الأحزاب -إعلان حقوق الإنسان المصري -الالتزام بالحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والاشتراكية الديمقراطية-شعار الدولة هو العلم والإيمان).
واضيف لهذا بنود اخري منها: (الالتزام بالسلوك الأخلاقي الذي ينبع من ديننا ومن القيم الأساسية لأرض مصر -إنشاء مجلس الشورى ليكون بمثابة مجلس العائلة لمصر ويضم ممثلين عن كل فئات الشعب وهيئاته-الالتزام بسيادة القانون-الالتزام بنسبة 50% عمال وفلاحين في كل التنظيمات-تقنين الصحافة كسلطة رابعة ضماناً لحريتها وتأكيداً على استقلالها).
وهذا بخلاف البندين الرئيسيين الذي جري التصويت عليهما وهما: معاهدة السلام وملحقاتها مع إسرائيل، واتفاقية الحكم الذاتي الكامل في الضفة الغربية وغزة، إضافة إلى حل مجلس الشعب.
وجاءت الأرقام الرسمية التي نشرتها الصحف المصرية حينئذ تؤكد مشاركة 10 ملايين مواطن، منهم 99.95% وافقوا على اتفاقية السلام مع إسرائيل، والوجبة الشاملة التي قدمها السادات في هذا الاستفتاء.
وجرى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في واشنطن 26 مارس 1979 بعد 16 شهرا من زيارة السادات لإسرائيل في عام 1977، وفي أعقاب اتفاقية كامب ديفيد لعام 1978.
وكانت السمات الرئيسية للمعاهدة الاعتراف المتبادل، ووقف حالة الحرب التي كانت قائمة منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 وتطبيع العلاقات وسحب الصهاينة قواتهم ومستوطنيهم من شبه جزيرة سيناء بعد احتلالها في عام 1967.
ووافقت مصر علي ترك المنطقة منزوعة السلاح، وعلى حرية مرور السفن الإسرائيلية عبر قناة السويس والاعتراف بمضيق تيران وخليج العقبة كممرات مائية دولية.
ودخل التطبيع مع الصهاينة حيز التنفيذ في يناير 1980، وعلى إثره تبادل السفراء في فبراير، وألغي البرلمان قوانين مقاطعة اسرائيل.
وفي مارس 1980 تم افتتاح الرحلات الجوية العادية، كما بدأت مصر في تزويد إسرائيل بالنفط الخام.
السيسي يعطي الصهاينة أكثر من الاتفاق
رغم الاعتراف الصهيوني أن الاتفاق حقق لهم الامن بعدما أصبحوا دولة معترف بها، واعتبروه اهم من التطبيع الذي لا يزالون يطالبون به مع المؤسسات في ظل رفض الشعب لهذا التطبيع شعبيا، إلا أن السيسي أعطاهم منذ الانقلاب العسكري ما لم يحلموا به.
وفي أكثر من زلة لسان كشف العديد من المسئولين الصهاينة جوانب من هذا التعاون الامني الكثيف الذي وفره لهم السيسي والذي سمح لهم لا بقصف سيناء والعربدة فوق اجواءها وقتل مدنيين مصريين، ولكن السماح لفرق خاصة صهيونية بالتوغل في اراضي سيناء للقيام بعمليات أمنية.
وبعدما كان الملحق الأمني بين النظام في مصر والصهاينة يقتصر على التنسيق فيما يخص الحوادث الامنية الروتينية في سيناء على الحدود مثل انشطة المهربين أو غيرها، تحول الي أنماط واسعة من التعاون بين الجيشين في سيناء، وهناك تنسيق تعترف به الدولة الصهيونية بين الجيشين داخل سيناء وهجمات مشتركة، بما يمثل خرقا من جانب السيسي لاتفاقية السلام أعطى بموجبها الصهاينة أكثر مما أرادوا كي يساندوه لدي الإدارة الأمريكية ويدعموا نظامه عالميا.
ومن أشهر الخروقات لهذا الاتفاق لصالح الصهاينة التي تم كشفها ما يلي:
أولا: كشف وزير الطاقة الإسرائيلي “يوفال شتاينتس” عن إغراق مصر أنفاق قطاع غزة بناء على طلب من تل أبيب، وأغضب هذا نتنياهو والمنظومة الأمنية الإسرائيلية بحسب صحيفة هآرتس “نظرا لحساسية المعلومات المتعلقة بالتعاون بين الدولتين” التي كشفها الوزير الصهيوني.
وقال الوزير الصهيوني أيضا أن “بين إسرائيل ومصر تعاون أمنى وطيد، وأن عمليات مصر التي تستهدف الأنفاق وإغراقها تتم إلى حد كبير بناء على طلب إسرائيل”.
وبينت هذه الواقعة أن الرقابة الصهيونية تمنع وسائل الإعلام من تناول أخبار تعتمد على كشف تفاصيل التعاون الامني لنظام السيسي مع الصهاينة.
ثانيا: قالت وكالة «بلومبرج» الامريكية الإخبارية أن العلاقات مع الصهاينة في عهد قلئد الانقلاب عبد الفتاح السيسي “وصل التعاون الأمني إلى مستويات غير مسبوقة، ونقلت عن مسؤول إسرائيلي رفيع سابق كشفه إن إسرائيل نفذت غارات بواسطة طائرات دون طيار في شبه جزيرة سيناء “بمباركة من السيسي”.
وقال نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، يائير جولان، أن «مستوى التعاون بين مصر وإسرائيل لم نشهده من قبل».
ثالثا: بعد 38 عاما من تصريحات وزيارة السادات، طرح عبد الفتاح السيسي فكرة أخرى لما أسماه “بتوسيع دائرة السلام الدافئ مع إسرائيل”، هدفها توسيع التطبيع العربي مع الصهاينة ليشمل دول الخليج وتحول لعراف لهذا التطبيع.
رابعا: كشفت صحيفة هآرتس ان السيسي يتصل بنتنياهو هتافيا بشكل مستمر وأنه التقاه بعيدا عن اعين الشعب المصري في الاردن في لقاء رباعي حضره جون كيري والملك عبد الله، وهو تنازل كبير قدمه السيسي للصهاينة.