كيف ربى الرسول أصحابه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الاقتداء به فى تربية أصحابه :
نذكر فى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم كيف كان حريصاً على العلم والتعليم ، حيث جعله تبعة ومسئولية ، ولم يجعل العلم من الكماليات ، فأوجب على العالم أن ينشر علمه وان ييسره لغيره فقال صلى الله عليه وسلم :  ويل للعالم من الجاهل حيث لم يعلمه )) فلولا أن السعى بالعلم إلى مستحقيه من الواجبات ما كان الويل للعالم إن ترك التعليم ، فالمؤاخذة إنما تكون على ترك الواجب لا على إهمال التطوع .
ومن هنا كانت تبعة تربية الأولاد فى كل جوانب الحياة تقع أولاً على الآباء ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم :  وحق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية وألا يرزقه إلا طيباً )) ، وقوله :  ألزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم )) .
فبذل الجهد للتربية قصداً إلى إشباع الجوانب النفسية لدى الأولاد ونمائها حتى يشبوا على المودة وحسن المعاشرة ، والقدوة الحسنة فى التعامل أمر محمود بل مفروض ، وأولى من الانصراف عن هذه المهمة إلى جمع المال والممتلكات وتكديسها تركة زائلة إذا لم يحسن الأولاد استثمارها والانتفاع بها ، ذلك توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله :  ما نحل )) أعطى  والد ولدا أفضل من أدب حسن )) .
وهذا هو الرسول يعلم ابن زوجته أم سلمه ، وقد كان فى حجره وربيباً له حين جلس يؤاكله : يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك )) ، هكذا كان معلماً للسلوك والآداب فى كل شئ .
وليست تبعة تربية الأولاد مقصورة على الآباء ، فقد أوضح الرسول هذه التبعة ، بل التبعات بوجه عام فى قوله صلى الله عليه وسلم :  كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل فى أهله راع ومسئول عن رعيته ، والمرأة راعية فى بيتها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع فى مال سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته ))
لابد أن نعى هذه التبعات وأن نحملها عملياً ، وألا فالنذر التى أطلت علينا خطيرة تهدد مجتمعنا بالتحلل والانحلال وموات الروابط الأسرية التى عنى الإسلام بتوثيقها وحث على الاستمساك بها لابد أن يحمل كلٌ التبعة فى موقعه ، الآباء والأمهات والمدرسة والأطباء ورجال الدعوة والمهندسون … كل الناس .
إن تقويم الفرد المسلم وتأكيد انتمائه للإسلام انتماءً وعملاً وترسخ القدوة برسول الله أمر حتمى حتى تستقيم للأمة الحياة ويتأتى هذا بالاهتمام بالتربية الدينية وتقويم السلوك والممارسة واعتبار ذلك واجباً فى الأسرة وفى المدرسة وفى الشارع ولا ننسى الحرص على إعداد المعلم على السلوك والقدوة الحسنة مؤمنا بواجباته حريصا على أدائها .
4ـ الاهتداء به فى بناء مجتمع نظيف :
فى ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم نذكر أن من آداب الإسلام الحرص على ألا تشيع الفاحشة كل الفواحش فاحشة القول ، فاحشة الفعل ، فاحشة النقل كلما كان به التأثر وفيه التأثير على المجتمع كلما كان مؤذيا للشعور أو مدرسة للجريمة ، أليس هذا هو مقتضى قول الله عز وجل إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب اليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون  أليس هذا وعيداً لألئك الذين يشيعون وينشرون ما يقع من جرائم خلقية وغيرها بإذاعة تفاصيلها ونشرها على الملأ وما دروا أنهم يفتتحون بذلك مدارس للجريمة وطرق ارتكابها ، وما انتشر اليوم من مقاهى للإنترنت والدش المركزى يحتاج منَّا إلى وقفة جادة ومتابعة دقيقة لأولادنا خوفاً من هذا الخطر القادم وكيف يُستثمر فى الخير بدلاً من الشر . .
فى ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم أنصح وسائل الإعلام وعلى الأخص الصحف والمجلات التى بتداولها ويتناولها كل الناس ينساق وراء ما يقرأ أن يكفوا عن نشر الحوادث والجرائم الخلقية والجنائية بتفصيلاتها وإجراءات ارتكابها ووسائلها وان يستبدلوا بها موضوعات إرشادية للأفراد والمجتمع تنقذ الجميع من التردى فى المهالك والأضرار لأنفسهم ومجتمعاتهم فوق عصيانهم لربهم وجحودهم نعمه التى لا تعد ولا تحصى ، إنها نصيحة بفرضها قول صاحب الذكرىصلى الله عليه وسلم :  الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ ، قال : لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم ))
نعم إن من يقرأ الصحف والمجلات فى هذه الأيام الأخيرة وتتبعها لتفصيلات بعض الحوادث ومتابعتها لها قد يستقر فى نفسه أن المجتمع المصرى قد انفكت أواصره وانعدم فيه الوفاء والإخلاص وماتت فى أفراده وأسره تعاليم الإسلام وانفلت من كل الآداب والقيم وذلك أمر يشيع اليأس فى نفوس المصلحين والمربين ويشجع على التسيب والانفلات من القيم ، أكرر النصح لوسائل الإعلام أن تعنى بنشر وإذاعة أخبار المصلحين والمجدين والناجحين فى أعمالهم من طلاب وتجار وعلماء فى كل فروع العلم والعمل لتكون القدوة فيهم حسنة ونافعة للناس جميعاً فى الدين والدنيا وحافزاً لغيرهم على الالتزام بالفضائل ، إن حصائد الأقلام كحصائد الألسنة مؤاخذ عليها من الله ومن الناس ولابد من وقفة مع النفس نصحح بها مسار حياتنا بكل شجاعة وأقدام وألا نسئ إلى الحرية بالفهم الخاطئ أو نظن إنها الأثرة وإنكار الإحسان وطمس القدوة الحسنة فى المجتمع ، إن صاحب الذكرىصلى الله عليه وسلم قال : … وإياكم والفحش فان الله لا يحب الفاحش والمتفحش ))
ثم لا نسمع قول الله عز وجل لا يحب الله الجهر بالسوء من القول  ذلك لان إظهار الفاحش من القول أو الفعل فاحشة أخرى ومن أجل هذا قال صاحب الذكرى صلى الله عليه وسلم :  كل أمتى معافى إلا المجاهرون وان من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه )) ويبين الرسول صلى الله عليه وسلم ضرر إظهار الخطيئة والإعلان عنها فى قوله :  الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها وإن ظهرت ـ فلم تغير ـ ضرت العامة )) .
الاهتداء به فى سُنته العملية :
فى ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغى أن نأخذ أنفسنا بسنته فى أمور الدين والدنيا فيقتدى به الحاكم فى مسئولياته والعامل فى عمله أياً كان نوعه ، فلقد كان يتفقد أحوال الناس ويعيش واقعهم ينصح المخطئ ويشجع المحسن ويدعو إلى العمل الدينى والدنيوى إخلاصاً لله وقياماً بالواجب وينزل إلى الأسواق فيرشد الناس إلى الأمانة وينهاهم عن الخداع والغش فى المعاملات ، ها هوصلى الله عليه وسلم يمر بالسوق فيجد كومة من الطعام فيضع يده فى داخلها فتخرج عليها بلل من ماء فيقول :  ما هذا يا صاحب الطعام ؟ ، فيرد التاجر : أصابه المطر يا رسول الله ، فيقول الرسول ناصحاً موجهاً : فهلا جعلت ذلك ظاهراً يراه الناس ؟ من غشنا فليس منا )) وها هو يسير بين نفر من أصحابه فيرى رجلا له نشاطه وقوته وإقباله على عمله فابدوا إعجابهم به وقالوا : لو كان جلد هذا وقوته فى سبيل الله ، فقال الرسول :  إن كان خرج يسعى لرزق ولده صغاراً فهو فى سبيل الله وان كان يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو فى سبيل الله وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو فى سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو فى سبيل الشيطان ))
ألا يدلنا هذا القول الكريم على أن العمل عبادة ؟ ، العمل الطيب المباح الذى يكسب به العامل رزقا طيبا ينفع به نفسه ويرفع شان أمته .
هديه صلى الله عليه وسلم فى الاهتمام بالأمور المفيدة :
فى ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم نذكر أنه كان يعلم الناس أن يسألوا عن المفيد فى حياتهم ودينهم ، فها هو رجل يسأله : متى الساعة ـ يوم القيامة ـ فيقول له : ماذا أعددت لها ؟ )) جواب يوجه إلى العمل والى إحسانه لينال مثوبة ربه ويصرف عن الاسترسال فى التساؤل عن أمر استأثر الله بعلمه فلا محل لإضاعة الوقت والجهد فى البحث عنه ، ولقد أُثر عن الإمام مالك قوله :  طلب العلم حسنٌ جميل ، ولكن انظر إلى الذى يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسى فالزمه )) .
فى ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم نذكر أنه حذر من علمٍ لا ينفع ومن كسب حرام ، فقد ثبت أنه استعاذ من علم لا ينفع ، وها نحن فى هذا العصر قد استبحنا الكثير من المحرمات بإطلاق أسماء واستعمال أساليب حتى وقعنا فى نطاق قول الرسول صلى الله عليه وسلم  يأتى على الناس زمان يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها )) .
وقوله :  يأتى على الناس زمان لا يبقى فيه أحد إلا أكل الربا ، فمن لم يأكله أصابه من غباره)) .
فى ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغى أن نستمع إلى قوله :  لكلٍ دعامة ، ودعامة المؤمن عقله ، فبقدر عقله تكون عبادته أما سمعتم قول الفجار فى النار :  لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير  وحين سأله أصحابه : كيف يزداد عقلاً ويزداد من ربه قرباً ؟ ، قال : اجتنب محارم الله تعالى وأد فرائضه سبحانه تكن عاقلاً ، واعمل بالصالحات من الأعمال تزدد فى عاجل الدنيا رفعة وكرامة وتنل فى آجل العقبى بها من ربك  القرب والعز )) .
فى ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن تأخذ أمة الإسلام نفسها بكتاب الله وسنته وقد قال :
تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ، كتاب الله وسنتى ، وألا تأخذ ببعض الكتاب وتعرض عن بعض فان هذه الأمة لا تصلح إلا بما صلح به أولها القرآن والسنة فاستمسكوا بالذى هو خير لتكونوا فى المكان والمكانة اللائقة بكم وبدينكم بين أمم الأرض ولا تكونوا عالة على غيركم فى علم وعمل وجدوا واجتهدوا واصبروا وصابروا وثابروا واعتصموا بحبل الله جميعا لعلكم تفلحون  الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور  .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...