قتلت ميلشيات العسكر بالرصاص اثنين من الشباب الرافض للانقلاب داخل شقة سكنية بمدينة بدر شرقي القاهرة، وبرر المجرمون في وزارة الداخلية القتل في بيان معتاد من الأكاذيب بأن الشابين قتلا في “تبادل لإطلاق النار لدى مداهمة قوات الأمن شقة يختبئان بها في مدينة بدر بمحافظة القاهرة تمهيدا لتنفيذ عمليات عدائية تجاه الأهداف الهامة والحيوية بالبلاد”.
وأضاف البيان أن الشابين هما أحمد عبد العزيز خلف (24 عاما) ومحمود عنتبلى محمد (31 عاما) من محافظة أسيوط (جنوبي مصر) وأنهما مطلوبان على ذمة عدد من القضايا بتهمة “الانضمام لتنظيم إرهابي يستهدف تنفيذ عمليات عدائية بالبلاد”، وذكر ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي أن أحمد عبد العزيز خلف هو نجل عضو مجلس الشعب السابق عن جماعة الإخوان المسلمين.
وتتهم تقارير حقوقية سلطات الانقلاب بانتهاج سياسة القتل خارج القانون تجاه رافضي الانقلاب العسكري، وهو ما أودى بحياة العشرات منهم، وتشن قطعان وميلشيا الأمن حملة اعتقالات وتصفيات واسعة في صفوف أنصار الرئيس محمد مرسي منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 الذي قاده وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي.
القتل للجميع
أثارت جرائم تصفية المختفين قسرياً والمعتقلين التي ترتكبها ميلشيا الانقلاب العسكري، منظمات حقوق الإنسان التي أكدت أن العسكر يستهدفون كوادر جماعة الإخوان المسلمين، التي أكدت بدورها أنه “استمرار لنهج الانقلاب الدموي في التعامل مع المصريين”، وقرأت فيه العديد من الرسائل الداخلية والخارجية، مؤكدة أنها ستواصل الثورة حتى سقوط الانقلاب.
ورصد مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب 109 حالة قتل خلال شهر يناير 2017، موضحا أن العدد الأكبر منهم كان 26 جراء قصف المدفعية، و23 خلال حملات أمنية، و20 خلال المداهمات و 9 نتيجة التصفية، وتخشى بعض الأسر من التبليغ عن حالات الاختفاء القسري بحق أبنائها خشية تعرضهم للتصفية والقتل.
ويشرح التقرير كيف تفاقمت ظاهرة الاختفاء القسري بعد انقلاب 30 يونيو 2013، وكيف أصبحت جريمة تشكل تهديداً بالغاً للمجتمع و عصفا بسيادة الدستور و القانون، وكيف أعطى العسكر الضوء الأخضر لجلادي الأمن الوطني لممارسة التعذيب بحق الأشخاص دون محاسبة أو رقابة من الجهات القضائية.
فلم يفرق قطعان ميلشيا الأمن الوطني بين طفل وبنت وشاب وكهل، ولم يفرق أيضاً بين منتمي لحزب أو مجرد عابر سبيل، حيث تعرضت تلك الفئات المختلفة لجريمة الاختفاء القسري.
أنا أو القتل
ورأى الأمين العام للجماعة محمود حسين أن الاغتيالات والتصفية الجسدية التي يقوم بها العسكر تحمل العديد من الرسائل؛ أهمها أنه “لا خطوط حمراء في إجرام الانقلاب، والكل عرضة للاغتيال والتصفية”.
وأشار إلى أن من بين رسائل الاغتيال تخويف كل معارضي الانقلاب، لإجبارهم على التسليم بالأمر الواقع، مؤكدا أن سلطة الانقلاب ترفع شعار “أنا أو القتل”، لتؤكد من خلاله أنه لا مجال لأي أفق أو مشاركة سياسية.
كما عدّ الاغتيال “رسالة طمأنة من السيسي لإسرائيل والغرب، طمعا في إرضائهما بشأن سياسته تجاه عدوهم التاريخي الأكبر” لتثبيت أركان انقلابه، واصفا ذلك “بعمالة موغلة على حساب الوطن”.
وأكد حسين أن الإخوان سيواصلون رفض الانقلاب، والثورة عليه، ورفض التعاطي أو الحوار معه، مشيرا أنه لا تنازل عن حقوق الشهداء والجرحى والمعتقلين، ولا تفريط في الشرعية التي اختارها الشعب المصري.
من جانبها حذرت وزارة الخارجية البريطانية من أن القيود المفروضة على حقوق اﻹنسان في مصر خلال النصف الثاني من 2016 وصلت لمستويات مفزعة، بما في ذلك القيود المتزايدة على المجتمع المدني، والاعتقالات السياسية والتعذيب.
وجاء في التقرير الذي نشرته الوزارة على موقعها الإلكتروني، إن رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون انتقد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر عندما قابل رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي خلال اللقاء الذي جمع بينهما في سبتمبر 2016.
منظمات: السيسي قاتل
وقال التقرير -الذي رصد حقوق اﻹنسان في الفترة ما بين يوليو وديسمبر 2016:” إن القيود على المجتمع المدني تفاقمت بشكل ملحوظ، حيث تم حظر العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان، والمنظمات غير الحكومية من السفر أو جمدت أرصدتهم.
وفي سبتمبر الماضي جمدت السلطات أرصدة 3 منظمات حقوقية بارزة، و5 مدافعين عن حقوق الإنسان، وفي أغسطس، أعلن “معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” أنه سوف يلغي المدرسة الصيفية السنوية بعد 22 سنة من العمل بسبب المخاطر الأمنية.
وأشار التقرير إلى أن مشروع القانون الذي أقره برلمان العسكر في نوفمبر 2016، بشأن المنظمات غير الحكومية، يقيد بشكل كبير قدرة تلك المنظمات على العمل أو الحصول على التمويل بحرية.
وأوضح التقرير أن 60 منظمة محلية ودولية أصدرت بيانا مشتركا جاء فيه:” إن القانون سوف يعصف بالمجتمع المدني المستقل”، مشيرا إلى أن رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي في ديسمبر الماضي قال إنه سوف يرسل القانون مرة أخرى للبرلمان ﻹعادة النظر، لكن بنهاية 2016 لم توضح سلطات الانقلاب ما إذا كان مشروع القانون موجود حاليا لدى السيسي أم برلمان الدم.
وشدد تقرير الخارجية البريطانية على أن استمرار تلك الانتهاكات يعزز القلق تجاه القيود المفروضة على معارضي الانقلاب، و قدرة المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق اﻹنسان على العمل بحرية.
حصاد القهر
وقال مركز “النديم” الذي شمع الانقلاب أبوابه الأسبوع الماضي، خلال تقريره الصادر اليوم الخميس بعنوان “حصاد القهر في يناير”، أن هناك 16 حالة وفاة داخل مناطق الاحتجاز، 11 منهم نتيجة الإهمال الطبي وحالتين نتيجة التعذيب وحالتي انتحار.
وأشار التقرير إلى وقوع 49 حالة تعذيب من بينهم 32 حالة تعذيب فردي، و17 حالة تعذيب وتكدير جماعي في السجون والأقسام.وذكر التقرير أن هناك 25 حالة إهمال طبي في أماكن الاحتجاز، جاء ترتيبهم 4 حالات قلب، وحالتين سرطان وحالتي جلطة في المخ.
ورصد مركز النديم في تقريره وقوع 171 حالة اختفاء قسري، لفترات تراوحت بين 18 يوماً أو 3 سنوات، موضحًا أن هناك 58 حالة ظهرت بعد فترات اختفاء 46 منهم في النيابة العامة، 8 في نيابة أمن الدولة.
الموت في الحبس
وحول أوضاع المعتقلين المعارضين للانقلاب، قال التقرير إن عددا كبيرا من النشطاء والصحفيين مازالوا محتجزين والعديد منهم لفترات طويلة في الحبس الاحتياطي على ذمة القضايا، فيما يعد انتهاكا للحدود القانونية المصرية.
وأضاف: التقارير بشأن التعذيب والاختفاء القسري والموت في الحبس استمرت خلال النصف الثاني من 2016، مشيرا إلى أن مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف في مصر، جمع تقارير تثبت وقوع 190 حالة تعذيب و47 حالة وفاة في أماكن الاحتجاز خلال تلك الفترة.
كما قدرت المنظمات غير الحكومية أن هناك 106 آلاف شخص في السجون بما فيهم 60 ألف معتقل سياسي، وأشار التقرير إلى أن سلطات الانقلاب لا تنشر أرقام رسمية حول الاعتقالات لذلك من المستحيل التحقق من هذا الرقم.
واستمرت القيود المفروضة على حرية التعبير، وقال التقرير إن نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس النقابة حكم عليهم بالسجن عامين، في قضية ملفقة بزعم تسترهم على صحفيين مطلوبين من سلطات الانقلاب بتهمة نشر أخبار كاذبة.
الجدير بالذكر أن التقرير لم يتطرق لتفاصيل التهم التي تم توجيهها لبعض ضحايا الاختفاء بعد ظهورهم، و تناول التقرير أيضاً الآثار الناجمة عن جريمة التصفية الجسدية بعد الاختفاء القسري، حيث تعيش أسرة الشهيد أو المختفي بين حيرة وقلق دائم في حالة عدم معرفة مصيره وتحديداً إذا كان الشخص الذي تم اعتقاله هو عائل الأسرة فتتضاعف أعباء الأسرة وتلجأ الأم أو الزوجة إلى تحمل المسئولية وحدها من أجل تماسك قوام الأسرة.