السكينة.. السكينة

لا تعني الدعوة إلى السكينة
في مواجهة الأحداث البرودَ والإهمال، كما يتوهم البعض،
بل إن السكينة تعني:
الثبات وزوال الرعب، وهي – كما قال ابن القيم في “مدارج السالكين” عند حديثه الجميل عن مرتبة السكينة -:
الطمأنينة والوقار والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدة الخوف فلا ينزعج بعد ذلك؛ لما يرد عليه ويوجب له زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات.
وتسألني صاحبتي: ما العمل في ظل هذه الظروف الحرجة؟
وما التصرف الصحيح حيال هذه الفتن المتلاطمة والتحديات الضخمة؟
وأقول لها : السكينة..السكينة! وأعني بها العمل الجاد، ولكن بالتأني والتعقل والثقة بالنصر والأخذ بالأسباب.. ففي أشد المواطن قلقاً وحيرة واضطراباً تأتي الوصية الربانية بالسكينة؛ في حُنين وفي الغار ووقت بيعة الرضوان والحديبية، في آيات عظيمات:
{ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِين} (التوبة26).
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}التوبة40.
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (الفتح4).
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح 18).
{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الفتح 26).
{وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (البقرة 248).
وكل سكينة في القرآن فهي طمأنينة، إلا التي في سورة البقرة، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.
وإن الأمر بالسكينة في الأوقات الصعبة يعزز الثقة بموعود الله مع الأخذ بالأسباب.
وقد ورد في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة: “إني باعث نبياً أمياً ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق.. أجعل السكينة لباسه والبر شعاره”.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة. وكان ابن القيم رحمه الله يقول: جربت قراءة آيات السكينة عند اضطراب القلب بما يرد عليه فرأيت لها تأثيراً عظيماً في سكونه وطمأنينته.
وإن من فوائد التخلق بخلق السكينة: الرضا الشرعي بما قسم الله فتمنع من الشطط والغلو.
ومن الفوائد: تثبيت قلوب المؤمنين وزيادة الخشوع.
كما أن من ثمراتها:اتصاف صاحبها بالوقار واللطف في معاملة الناس.
وفي هذا الزمن تشتد الحاجة إلى السكينة لتطمئن النفوس الحائرة وتثبت القلوب المضطربة فتتحول الهموم إلى أعمال كبيرة تنهض بها الأمة وتنجلي بسببها الكربات بدلاً من الاضطراب والقلق.
إننا نحتاج إلى السكينة في أحوالنا كلها.. وفي أحلك الظروف تكون الحاجة أكثر وأعظم نفعاً!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...