ومن آثار العقيدة الإسلامية على المجتمع المسلم: دعوته إلى الرقي والتقدم في كل مجالات الحياة، فليست العقيدة الإسلامية داعية إلى الرهبنة أو الدروشة، وليست داعية إلى التعبد المزيف المغشوش الذي يكتفي صاحبه بأوراد وأذكار، وإنما هي عقيدة فاعلة تدعي إلى العلم والرقي والتقدم، وقد جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: “اللهم اصلح لي ديني”، ولهذا كان طالب العلم عبداً قد أراد الله به خيراً، وفي الحديث: “من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين”.
وهو في طلبه هذا استحق أن “أن تضع الملائكة له أجنحتها…”، ومن هنا فإن القرآن لم يسو بين العالم والجاهل، فقال سبحانه: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)(الزمر: 9).
بل اعتبر العلماء أكثر الناس خشية لله تعالى فقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )(فاطر: 28)، وجعل العلم دليلاً وبرهاناً على الإيمان فقال: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ )(الحج: 54).
ومن هنا اعتبر ابن مسعود صاحب العلم أعلى مرتبة من الشهيد في سبيل الله، وقال: “والذي نفسي بيده ليؤدّنَّ رجال قتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء، لما يرون من كرامتهم”.
ولم يكن من الغريب أن تكون أول آية في القرآن هي قوله تعالى: “اقرأ”.
ولم يكن مستغربا أن يؤسس النبي صلى الله عليه وسلم دولته من البداية على العلم، وهل يكون رقي أو تكون حضارة بغير علم وتعلم؟!
ولهذا اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الخبرة في كل عمل، فالحباب بن المنذر يعترض على مكانه يوم بدر فيوافقه.
وسلمان يقترح الخندق يوم الأحزاب فيسارع إلى تنفيذه.
وعمرو بن العاص يسلم فيجعله قائداً في معركة ذات السلام، ولم يمض على إسلامه سوى بضعة أشهر، ويأمره على من؟ على أبي بكر وعمر وأبي عبيدة.
ويحتاج إلى ترجمان يترجم له ما يأتيه بالسريانية فيأمر زيد بن ثابت أن يتقنها، زيد بن ثابت قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : “تحسن السريانية إنها تأتيني كتب” قال: قلت: لا. قال:” فتعلمها” فتعلمتها في سبعة عشر يوما.
وتمر الأيام فيرى ازدياد عدد المسلمين فيأمر بإحصائهم، قائلا لهم:” أحصوا لى كم يلفظ الإسلام”.
ويدرك أن رفع الأمية هو السلاح الأول لكل ما سبق فيمنع إطلاق أسرى بدر حتى يعلم كل واحد منهم يتقن القراءة والكتابة عشرة من أبناء المسلمين.
ويأمر الشفاء بنت عبد الله وكانت تجيد الكتابة رضي الله عنها.
إن العقيدة الإسلامية تدفع بأصحابها إلى الأخذ بأسباب الرقي والتقدم، فتفرض عليهم طلب العلم، إذ “طلب العلم فريضة على كل مسلم”، ومن ترك علماً وهو قادر على أخذه ليم على ذلك، إذ “الحكمة ضالة المؤمن”.
ويوم أن أخذ المسلمون بأسباب العلم سادوا وقادوا، وقصدهم الناس من كل فج عميق، حتى كانت حواضرهم كعبة لطلاب العلم يعطرون أنفاسهم بعلمها، وينورون بصائرهم بهديها، ويوسعون مداركهم بكل صالح نافع.
وهكذا تصنع العقيدة بالمجتمع تنقله من الجهل إلى العلم، ومن الخرافة إلى الحقيقة، ومن إتباع الهدى إتباع الحق، ومن التقليد الأعمى إلى الاجتهاد المبصر، ومن الظن إلى اليقين.