قتْل السفير الروسيِّ في تركيا.. في الميزان

1

د. إسماعيل علي :

بالأمس قام أحد الأشخاص بإطلاق الرصاص على السفير الروسيِّ في أنقرة، وبعاطفة لا شعورية فرح بهذا كثير مِن المسلمين وهللوا؛ تنفيسا عما وقع في حلب من مجازر، وشعورا بالانتقام من روسيا لدورها الخبيث فيما يتعرض له الشعب السوري مِن مظالم وانتهاكات وفظائع.

ولا غرابة أنْ تحدث هذه الحالة الشعورية في غمرة الأحداث والشعور بالظلم والخذلان.

ولكنّ البعض قد ذهب يبارك مثل هذه الأعمال، ويدعو إلى أن تكون منهجا وسياسة، ويضفي على هذا مشروعية دينية إسلامية.

والواقع أنّ هذا الحادث إذا وُزِن بميزان الشرع والمصلحة ـ بعيدا عن العاطفة ـ فإنه لا يمكن أنْ يكون عملا مقبولا.

إنّ الإسلام لا يُجيز قتلَ أيِّ شخصٍ أمَّنه مسلمٌ في أي مكان .. فجِوارُ المسلمِ وتأمينُه لأيّ شخصٍ غيرِ مسلم يجب أنْ يُحترَم.

ثم إننا إذا نظرنا إلى الحادث بمعيار المصالح والمفاسد، وفقه المآلات وجدْنا أنّ ضرره على القضية السورية أكبر مِن نفعه، وهذا ما يكاد يُجمِع عليه المراقبون والمختصون، ولن نتعرض له هنا.

وإذا كانت هناك عهود ومواثيق بين الدول تقضي بتأمين الدبلوماسيين وحمايتهم؛ فيجب احترام هذه العهود، وبالتالي لا يجوز إهدار دمِ أيِّ رسولٍ أو سفير في بلد مسلم، وإلا فهل نرضى أنْ يكون سفراءُ المسلمين في بلاد الكفار عُرضة لاستباحة دمائهم وحرماتهم؟

وإذا نظرنا في سنة الرسول ﷺ فسنجد التأكيد على هذه المفاهيم والقيم واضحا لا لَبْس فيه.

عن نُعَيم بن مسعود الأشجَعِيّ – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول لرسولي مسيلمة ـ حين قرأ كتاب مسيلمة ـ: «ما تقولان أنتما؟»، قالا: نقول كما قال، قال: «أما والله لولا أن الرسل لا تقتل؛ لضربت أعناقكما» (رواه أبو داود وأحمد والحاكم ـ وصححه ـ).

وعن أم هانئ بنت أبي طالب، قالت: ذهبت إلى رسول الله ﷺ عام الفتح … فقلت: يا رسول الله زعم ابن أمي عليٌّ أنه قاتلٌ رجلا قد أَجَرْتُه؛ فلان بن هبيرة، فقال رسول الله ﷺ: «قد أَجَرْنا مَن أَجَرْتِ يا أم هانئ» (رواه البخاريّ ومسلم). وفي رواية أبي داود والنسائيِّ: «وأَمَّنّا مَن أَمَّنْتِ».

ومعنى (أَجَرْتُه): أدخلتُه في جواري، وهو الأمان.

وعن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ». (رواه أبو داود، وصححه شعيب الأرنؤوط).

قال العلامة ” محمد شمس الحق العظيم آبادي” في (عون المعبود شرح سنن أبي داود):

وقوله ﷺ: (تَتَكَافَأ) أَيْ تَتَسَاوَى (دِمَاؤُهُمْ) أَيْ فِي الْقِصَاص وَالدِّيَات، لَا يُفَضَّل شَرِيف عَلَى وَضِيع كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة، (يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ): أَيْ بِأَمَانِهِمْ (أَدْنَاهُمْ): أَيْ عَدَدًا وَهُوَ الْوَاحِد، أَوْ مَنْزِلَةً، قَالَ فِي شَرْح السُّنَّة: أَيْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِذَا آمَنَ كَافِرًا حَرُمَ عَلَى عَامَّة الْمُسْلِمِينَ دَمُه وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُجِير أَدْنَاهُمْ فَلَا يُخْفَر ذِمَّته، (وَيُجِير عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ): قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ بَعْض الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ قَاصِي الدَّار إِذَا عَقَدَ لِلْكَافِرِ عَقْدًا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْقُضهُ وَإِنْ كَانَ أَقْرَب دَار مِنْ الْمَعْقُود لَهُ، (وَهُمْ يَد عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ): قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَيْ الْمُسْلِمُونَ لَا يَسَعهُمْ التَّخَاذُل بَلْ يُعَاوِن بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى جَمِيع الْأَدْيَان وَالْمِلَل، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى الْيَد الْمُظَاهَرَة وَالْمُعَاوَنَة إِذَا اِسْتُنْفِرُوا وَجَبَ عَلَيْهِمْ النَّفِير وَإِذَا اسْتُنْجِدُوا أَنْجَدُوا وَلَمْ يَتَخَلَّفُوا وَلَمْ يَتَخَاذَلُوا، وَفِي النِّهَايَة: أَيْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ لَا يَسَعهُمْ التَّخَاذُل بَلْ يُعَاوِن بَعْضهمْ بَعْضًا، كَأَنَّهُ جَعَلَ أَيْدِيهمْ يَدًا وَاحِدَة وَفِعْلهمْ فِعْلًا وَاحِدًا.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...