كشف “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” تفاصيل العلاقة “الاستثنائية” التي حصلت بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي، واستيلائه على السلطة منتصف عام 2014.
وفي مقابلة أجريت مع مدير برنامج السياسة العربية في المعهد، ديفيد شينكر، أوضح أن هذا التعاون كان في عدة مجالات، أبرزها الأمني والاقتصادي.
“التعاون الأمني”
وحول تعاون مصر وإسرائيل، لمواجهة ما يعتبرونه تهديدات إقليمية مشتركة، مثل تنظيم الدولة في سيناء، و”حماس”، في مجالات تبادل المعلومات الاستخباراتية، ومبيعات المعدات والتدريب، قال شينكر إن “السلام بين مصر وإسرائيل وصف بالبارد لعقود طويلة، لكن هذا تغير”.
وأوضح أن الدينامية بين مصر وإسرائيل تغيرت منذ الانقلاب، واستلام زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي للسلطة، حيث ساهم التعاون في سيناء إلى حد كبير في تحسين العلاقات بين البلدين.
وأوضح أن مصر وإسرائيل عملت بشكل وثيق على مكافحة التمرد الناشئ في شبه جزيرة سيناء، حيث سمحت إسرائيل، على أبسط المستويات، بإجراء تعديلات على الملحق الأمني لـ”اتفاقية كامب ديفيد” في حوالي عشرين مناسبة، ما سمح لمصر بنشر القوات والمعدات، بما فيها الطائرات، في سيناء بعد أن كان هذا الأمر محظورا في الاتفاقية.
كما أن التعاون الاستخباراتي بشأن التهديدات القائمة في سيناء قوي أيضا، حيث وصفه نائب رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، اللواء يائير جولان، في عام ،2016 بأنه “غير مسبوق”، بحسب ما نقل شينكر.
وأشار شينكر إلى تعاون مصر وإسرائيل بشكل وصفه بـ”الوثيق”، على الحدود وتحديدا في ما يخص اكتشاف الأنفاق وتدميرها، لتهريب الأسلحة والقوات؛ مؤكدا أن مصر منحت إسرائيل تفويضا مطلقا لنشر طائرات بدون طيار فوق سيناء، وأذنت لها باستهداف المقاتلين وفق استنسابها. ولأسباب واضحة، لا تُعلّق كل من إسرائيل ومصر علنا على هذا الترتيب، بحسب قوله.
“التعاون السياسي”
وعلى الرغم من عدم تطور السلام بين الشعبين المصري والإسرائيلي، إلا أن العلاقات بين رئيسَي الدولتين “تبدو ممتازة”، بحسب تعبير شينكر، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس السيسي على تواصل مستمر، حتى إن هناك بعض المقالات التي تشير إلى هذا الموضوع مرة واحدة على الأقل أسبوعيا. وفي عام 2016، أرسل السيسي وزير خارجيته، سامح شكري، إلى القدس، للقاء نتنياهو وهي أول زيارة من نوعها منذ تسع سنوات.
واعتبر شينكر أن ما يثبت العلاقة الشخصية “هو وجود مصلحة مشتركة واضحة حول بعض المسائل الجوهرية”، موضحا أنه “في ما يتعدى الإجماع على قمع التمرد في سيناء، فإنه يبدو أن نتنياهو والسيسي يعتبران حركة حماس مصدر تهديد”.
وأشار إلى تأييد “السيسي لمحادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بصورة تتطابق مع المصالح الإسرائيلية المتمثلة بعدم مشاركة وسطاء أوروبيين، مع استعداد نتنياهو لعقد اتفاق مع مصر لخفض الديون المترتبة عليها لصالح إسرائيل إلى النصف جراء نقض اتفاقية الغاز الطبيعي القائمة منذ مدة طويلة”، ولم يتوانَ نتنياهو عن الدفاع صراحةً عن مصر بعد استمرار تراجع شعبيتها في واشنطن، وليس من المستغرب أن يكون نتنياهو منفتح القلب عندما يتحدث عن السيسي.
وفي السنوات الأخيرة، كانت العلاقات اليومية تُدار من قبل رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، اللواء (احتياط) عاموس جلعاد. وهذه الدائرة مسؤولة عن العلاقات الأمنية مع الشركاء الإقليميين. وحين يتقاعد جلعاد، ونظرا للأهمية المخصصة لهذه العلاقة من قبل قادة البلديْن، فإنه ليس هناك شك في استمرار النوايا الحسنة، بحسب ما كشف شينكر.
“التعاون الاقتصادي”
اقتصاديا، تأتي اتفاقية “المناطق الصناعية المؤهلة” في مصر في طليعة العلاقات الاقتصادية الثنائية بين إسرائيل ومصر، وتأذن هذه الاتفاقية ببيع المنتجات ذات المحتوى الإسرائيلي والمصري في الولايات المتحدة وهي معفاة من الرسوم الجمركية، حيث تعمل حاليا حوالي 700 شركة في هذه “المناطق” وتوظّف 280 ألف مصري. ووفقا لبعض التقارير، تشكّل عائدات هذه المناطق 45 في المائة من الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة، أو حوالي مليار دولار سنويا.
من جانب آخر، تراجعت تجارة الغاز الطبيعي بين البلدين، حيث كان الغاز الطبيعي، قبل ثورة عام 2011، من بين العلاقات الاقتصادية الأكثر أهمية بين الدولتين، فقد كانت إسرائيل تشتري ما يصل إلى سبعة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي من مصر كل عام، ولكن تدهور الوضع الأمني في سيناء أدى إلى قيام عمليات تخريب متكررة لخطوط الأنابيب، الأمر الذي أنهى هذا الترتيب.
ومع اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي قبالة الساحل الإسرائيلي، فإنه يدور نقاش حول استخدام المرافق المصرية لتسييل الغاز الطبيعي الإسرائيلي، إلا أن هذا الاحتمال لا يزال بعيد المنال.
وفي المقابل، تشكل السياحة قطاعا اقتصاديا يعود بالمنفعة الاقتصادية على كلا البلدين، ومع أنه لا يسافر الزوار المصريون عموما إلى إسرائيل، فإن ما يقرب من ربع مليون إسرائيلي كانوا قد زاروا مصر في عام 2010.
وبالأرقام المطلقة، لم يمثل السياح الإسرائليون في مصر بتاتا نسبة كبيرة من عدد السياح الإجمالي، ولكن الإرهاب في السنوات الأخيرة أدّى إلى انخفاض عدد السياح الإسرائيليين بأكثر من 50 في المائة.
“زيادة التعاون”
وأكد شينكر أن التعاون الإسرائيلي-المصري يعود بالمنفعة المتبادلة على كلا البلدين، إلا أن مظهر هذا التعاون أمام الرأي العام يضع على عاتق السيسي مسؤولية سياسية تجاه ناخبيه. وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر وتراجع شعبية السيسي في بلاده، فإنه سيكون من الصعب زيادة التعاون الظاهر مع إسرائيل، بيد أن التعاون الاستراتيجي في سيناء ليس جليا، فمن الممكن توقع استمراره وربما تحسينه أيضا.
وثمة مجال آخر يحتمل أن تمد فيه مصر يد المساعدة لإسرائيل، وهو الفلسطينيون.. فمع تراجع النفوذ المصري في المنطقة خلال السنوات الماضية، فإنه ليس هناك شك في أن القاهرة سترحّب بأي فرصة لإعادة انخراطها في عملية السلام من أجل تحسين صورتها الدولية، حيث أوضح شينكر أن “انخراط السيسي في هذا الشأن لا ينطوي على تأثيرات سلبية تُذكر في الداخل المصري. ونظرا إلى علاقة العمل التي تبدو جيدة بين السيسي ونتنياهو، فإن من المرجح ألا تعترض الحكومة الإسرائيلية على جهود الوساطة المصرية”، بحسب تعبيره.
ويشكل قطاعا الغاز والمياه أيضا ساحة خصبة للتعاون المحتمل بين البلدين، بحسب شينكر، فمصر تشهد للمرة الأولى في تاريخها تضاؤلا في حصتها من مياه النيل، وقد تعاني من نقص في المياه في نهاية المطاف، فالمشكلة الكبرى هنا هي هدر المياه، وهي مسألة تملك إسرائيل خبرة مكثفة في حلّها، كما أنها تملك تقنيات فائقة التطور لتحلية المياه كانت قد استخدمتها سابقا للتخفيف من حدة النقص في المياه الذي هي نفسها تعانيه.
وفي حين أنه من الصعب الحديث عن إنشاء محطات تحلية إسرائيلية في مصر، إلا أنه لا يزال من الممكن الاستعانة ببعض التقنيات الإسرائيلية الأقل شهرة لحفظ المياه وإعادة التدوير. أما بالنسبة للغاز، فتملك مصر قدرات فائقة في محطات الغاز الطبيعي المسال، والتي قد تجدها إسرائيل مفيدة. إن استعانة إسرائيل بهذه المنشآت قد يعود بالمنفعة المادية على كلا البلدين.