كشفت مصادر مسئولة داخل سجون الانقلاب عن بوادر “اللعبة القذرة” التي تلعبها مخابرات السيسي وأجهزته الأمنية تجاه عدد من المعتقلين البسطاء الذين تم اعتقالهم على خلفية الاشتباه بهم في قضايا ملفقة خلال التظاهرات التي كانت تخرج للتعبير عن رفضها للانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي.
وقالت المصادر -خلال تصريحات خاصة لـ”الحرية والعدالة”- إن أجهزة السيسي الأمنية قامت بإنتاج اللعبة اللقذرة التي كان ينتجها الرئيس خالد الهزائم جمال عبدالناصر تجاه المعتقلين، حتى مع الذين ينتمون لأفكاره من اليسار، موضحة ظان السيسي بلعب نفس اللعبة وهي استدعاء عدد من المعتقلين غير المحسوبين على أي تيار والذين تم الاشتباه فيهم واعتقالهم، ومقايضتهم من خلال استغلال ظروف محبسهم الصعبة بالتوقيع على وثيقة للتبرؤ من جماعة الإخوان المسلمين التي لا ينتمون إليها بصلة من الأساس، ثم وعد بالإفراج عنهم مباشرة تحت سجل التائبين من الجماعة، لترويج هذه التوقيعات إعلاميا، وأن هناك انشقاقات داخل السجون بين أعضاء جماعة الإخوان وقياداتها والمدافعين عن الشرعية.
وأكدت المصادر أن هذه اللعبة قديمة ويحاول إنتاجها نظام السيسي بين الحين والآخر لاستغلالها إعلاميا في الترويح لتفكك جماعة الإخوان، إلا أنها سريعا ما تبوء بالفشل، حتى وإن وجد نظام السيسي من يوافق على هذه المقايضة مستغلا ظروف محبسه وعدم انتمائه لأحد، مؤكدا أن السيسي لو كان يريد الإفراج عن أحد من المعتقلين لأفرج عن بعض الشباب الذي يلعقون بيادته من داخل المعتقل وساعده على الانقلاب مثل أحمد دومة وغيره، ولكنه لم يفرج عنهم رغم مهاجمتهم جماعة الإخوان المسلمين.
ولعل ما كشفته المصادر يتوافق مع التقرير الذي نشرته صحيفة “هافينجتون بوست” الأمريكية، موضحة أنه خلال إحدى جلسات محاكمة بعض المعتقلين خلال الأسبوع الحالي، هتف بعض المتهمين عند وصول المرشد العام للإخوان المسلمين لقاعة المحكمة بهتافات تؤيد السيسي، ليظهر من خلالها وكأن هناك انشقاق داخل جماعة الإخوان ومعارضين للدكتور محمد بديع، ما تسبب في كثير من التساؤلات حول الأسباب التي دفعتهم لهذا السلوك.
وكان متهمون بالقضية المعروفة باسم “العدوة” والتي وقعت أحداثها في المركز الذي يحمل اسم القضية ويتبع محافظة المنيا، قد هتفوا فور وصول مرشد الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع إلى قاعة المحكمة، الأحد 26 نوفمبر، ضده، وارتدوا “تيشيرتات” كتب عليها “تحيا مصر” و”السيسي رئيسي”.
ونقلت الصحيفة عن مصدر (طلب عدم ذكر اسمه)، أن ضباطاً بمباحث أمن الدولة ومصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية قاموا بزيارة المعتقلين على ذمة القضية في مقار احتجازهم بسجون مختلفة وعرضوا عليهم عفو السيسي والإفراج عنهم بعد أن يهتفوا ضد مرشد الإخوان في الجلسة وأمام عدسات الإعلام وسلموهم تيشيرتات مطبوعاً عليها “تحيا مصر” لارتدائها في أثناء الجلسة.
وأضاف المصدر أن 50 معتقلاً رفضوا، بشدة، هذا العرض مؤكدين اعتراضهم على الانقلاب العسكري الذي نفذه عبد الفتاح السيسي قائد الجيش في 3 يوليو 2013، وأنهم ليسوا مجرمين حتى يقبلوا بالعفو والإفراج المشروط عنهم فيما قبل نحو 25 منهم الاستجابه لمطلب السلطات.
وقال المصدر: “حرص ضباط المباحث وأمن الدولة أن يتلطفوا مع المعتقلين قبل الجلسة، قائلين لهم نحن شعب واحد ويجب أن تنتهي هذه الوقيعة والانقسام بين فئات المجتمع حرصاً على الصالح العام، وأن القضاء والنيابة والداخلية ستقوم باللازم من أجل الإفراج عنهم بعد الجلسة مباشرة؛ لأنهم أبرياء ولم يقترفوا جريمة”.
وفي محاولة لطمأنة المحتجزين، قال ضباط أمن الدولة لهم –حسب المصدر ذاته- “النيابة والقضاء والداخلية كلها في جيبنا ونحركها كيفما نشاء، وحين نطلب منهم الإفراج عنكم فسُيفرج عنكم فوراً؛ لأنكم غير مذنبين”.
وبعد انتهاء الجلسة، فوجئ المعتقلون الموعودون بإطلاق سراحهم بترحيلهم مرة أخرى إلى مقار احتجازهم، وحينما اعترض بعضهم عوقبوا بالنقل لأماكن أكثر سوءاً، وتم عزلهم عن رفقائهم السابقين.
وتابع المصدر: “هذه الوعود الكاذبة كانت فقط من أجل إخراج مشهد الجلسة الأخيرة التي صورتها وسائل الإعلام الحكومية واحتفت بهتاف المعتقلين ضد مرشد الإخوان”.
وقالت “هافينغتون بوست عربي” إن هناك جلسات سميت “غسيل دماغ” معارضي السيسي في السجون المصرية بحضور مشايخ أزهريين مصريين وضباط قاموا بالتحقيق مع عدد من المعتقلين السياسيين لمعرفة مدى التغيير الذي طرأ على أفكار الحاضرين للجلسات من السجناء تمهيداً لما قالوا إنه سعي للإفراج والعفو عنهم بعد تخليهم عن الأفكار التي يحملونها.
وقال محمد سودان، أمين لجنة العلاقات الخارجية لحزب “الحرية والعدالة”، في تصريحات صحفية اليوم الخميس، إن العديد من هؤلاء المتهمين أصلاً ليسوا من الإخوان، مرجحًا أنه تم الضغط عليهم لعمل هذا الفيلم المكشوف للإساءة لفضية المرشد وللإخوان.
وأضاف، أن “عشرات الآلاف من المعتقلين من الإخوان تم الضغط عليهم بالسجون لتكرار سيناريو ما فعله جمال عبدالناصر في محنة 1954 و1965 للتوقيع على صك الرضا على عبدالناصر والتنصل من الإخوان”.
وأشار إلى أن “بعضهم ضعف تحت التعذيب الشديد ووقّع على تلك الوثيقة، ولكن هناك الآلاف الذين ثبتوا وصمدوا ولم يوقع على وثيقة الذل، منهم فضيلة المرشد د. محمد بديع وفضيلة المرشد السابق الأستاذ مهدي عاكف الذي حكم عليه عبدالناصر بالإعدام ونائب المرشد الأستاذ إبراهيم منير والأستاذ جمعة أمين رحمه الله عليه نائب المرشد السابق وغيرهم بالآلاف بقوا شامخي الرؤوس، رجال لا يقبلون الضيم في دينهم”.
وأردف: “لم يستطيع النظام الحالي مواجهة الرئيس الشرعي للبلاد ولا نظامه بالحجة وبالسياسة فواجهوه بالدبابة وبالقهر وبالتزوير، لأنهم يعلمون أنهم حتمًا سيفشلون أمامه إذا اختاروا حلبة المنافسة الشريفة والصندوق النزيه، فلجأوا إلى أحداث 3 يوليو، لو كان ما رأيناه بالمحكمة واقع، لرأيت الآلاف من المعتقلين خارج السجون بعد موافقتهم على التوقيع على وثيقة الاعتراف بالسيسي رئيسًا وبأن 30 يونيو ثورة وبإعلان الاستقالة من جماعة الإخوان المسلمين، ولكن حتى الآن لم نسمع عن حالة واحدة قد وقعت بين عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون النظام”.
وأكد: “هذه هي الحقيقة المؤلمة التي جعلت النظام يعاقب معتقلي سجن برج العرب وإلقاء قنابل مسيلة للدموع داخل الزنازين ثم تغريب المئات منهم غلى سجون المنيا ووادي النطرون وجمصة كما رأينا في الأسبوع الماضي”.