توترت العلاقات السيساوية مع إثيوبيا مؤخرا على خلفية استدعاء أديس أبابا لسفير السيسي، واتهامها للقاهرة بدعم المعارضة وتسليحها وتدريبها لمقاومة السلطات الإثيوبية، وهي الاتهامات التي أسهمت في توتير العلاقات بصورة كبيرة.
وحسب مراقبين ومحللين مؤيدين للسيسي وسلطات الانقلاب، فإن إثيوبيا تستهدف ضرب عدة عصافير بحجر واحد من وراء هذه الإجراءات التصعيدية الأخيرة، سواء على المستوى المحلي باتهام المعارضة بالخيانة والعمالة للخارج كما يفعل السيسي تماما، أو على مستوى العلاقات المصرية الإثيوبية والتنصل من استحقاقات بناء السد والالتزام بعدم الإضرار بالجانب المصري.
والأربعاء الماضي، اتهم التلفزيون الإثيوبي مصر بدعم “جبهة تحرير الأورومو” المعارضة المسلحة، في خطوة غير مسبوقة، وهو ما نفته خارجية الانقلاب آنذاك.
وعرض التلفزيون الإثيوبي، في نشرته الإخبارية، مشاهد قال إنها لاجتماع معارضين من “جبهة تحرير الأورومو” التي تحظرها سلطات أديس أبابا عقد في مصر، وعمد التلفزيون إلى إعادة بث تلك المشاهد في نشرات لاحقة مع تعليق يحمل اتهامات للقاهرة بدعم “الأورومو” ومحاولة زعزعة الاستقرار بإثيوبيا.
وتشهد إثيوبيا استمرارا للاحتجاجات التي بدأتها منذ أشهر جماعتا “الأورومو” و”أمهرة” وهما أكبر المجموعات العرقية في البلاد، وتمثلان معا 80% من سكان إثيوبيا.
اتهام السيسي بتسليح المعارضة
ووجهت إثيوبيا أمس الاثنين اتهامات رسمية إلى سلطات الانقلاب في مصر والحكومة الإريترية بدعم احتجاجات المعارضة، لافتة إلى أنها “تملك أدلة واضحة” بهذا الخصوص، وذلك عقب أن أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالين أمس الأول 9 أكتوبر حالة الطوارئ في أنحاء البلاد لمدة ستة شهور.
ونقلت وكالة الأناضول عن المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية قوله -في مؤتمر صحفي عقده في أديس أبابا الإثنين- إن الحكومة “لديها أدلة واضحة تثبت تقديم مصر كافة أشكال الدعم المالي والتدريب للعناصر الإرهابية لنسف استقرار البلاد”.
وأول من أمس الأحد، أكدت وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب نبأ استدعاء السلطات الإثيوبية للسفير المصري لدى أديس أبابا، للاستفسار عما تردد بشأن دعم القاهرة لجبهة “الأورومو” المعارضة المسلحة.
ووفق بيان الخارجية، أكدت أن مصر “لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة، لاسيما الدول الشقيقة مثل إثيوبيا، وأن ما تم تداوله من مقاطع مصورة أو أخبار مرسلة لا تمت للواقع بصلة، وأنه لا يجب استبعاد وجود أطراف تسعى إلى زرع الفتنة والوقيعة بين مصر وإثيوبيا”.
مناورة إثيوبية وتنصل من التزاماتها
ويرى الدكتور خالد رفعت، رئيس مركز طيبة للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن استدعاء إثيوبيا للسفير المصرى فى «أديس أبابا»، وتوجيه اتهامات لسلطات الانقلاب في مصر بشأن دعم الاحتجاجات الإثيوبية هو محاولة منها لـ«ضرب عصفورين بحجر»، الأول هو تصوير المحتجين ضد الحكومة على كونهم «خونة»، ومن ثم توحيد كافة طوائف الشعب مع الحكومة، والآخر هو الفرار من التزاماتها مع مصر بشأن أزمة «سد النهضة».
رئيس «طيبة للدراسات الإستراتيجية» في تصريحات صحفية اليوم الإثنين 11 أكتوبر، أضاف أيضا أن ما أسماها المزاعم الإثيوبية مناورة لاتهام المتظاهرين بـ«الخيانة» والفرار من التزامات «سد النهضة».
وقال إن مسألة بناء سد النهضة بذاته لن تتأثر بمثل تلك الاحتجاجات، خاصة أنهم خاضوا شوطًا كبيرًا فى بنائه، وأوشك على الانتهاء.
ويستبعد مدير مركز طيبة أن تقوم سلطات الانقلاب برد قوي على الاتهامات الأثيوبية مفسرا ذلك بأن القاهرة تبغى التعاون مع كافة الدول الإفريقية، وسوف تكتفي القاهرة بتصريح رسمي وعدم السماح بتكرار ذلك مجددا.
بناء السد انتهى
ويستبعد مدير مركز طيبة أيضا أن يكون للاحتجاجات الداخلية في إثيوبيا تأثيرا على عمليات بناء سد النهضة مضيفا «لن يكون لها أثر، وسد النهضة أوشك على الانتهاء، ومن ثم سيكون أى حديث آخر غير ذلك هو أننا «بنضحك على نفسنا»؛ فهيكل السد انتهى، ويعملون حالياً على «الطلمبات» الخاصة بعمله».
من جانبه يتفق رضا فهمي رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشوري ما قبل انقلاب 3 يوليو مع مدير مركز طبيعة مستبعدا أن يكون لهذه الاحتجاجات تأثيرات على عمليات بناء سد النهضة لأن البناء اكتمل بالفعل.
وفي مداخلة هاتفية مع قناة مكملين أمس الإثنين أوضح فهمي أن الرئيس مرسي وحكومة الدكتور هشام قنديل كانت تنظر إلى سد النهضة باعتباره تهديدا لا يمكن السماح به في الوقت الذي كانت تلتف أثيوبيا حوله كمشروع قومي كما فعل عبدالناصر مع السد العالي.
وأضاف أن تشدد الجانبين المصري والإثيوبي في عهد الرئيس مرسي كان يسمح بالوصول إلى حل وسط، لافتا إلى أن السيسي كان يدلي بتصريحات وردية للمسئولين بأن الوضع تحت السيطرة وأنه يمكن التعامل مع السد عسكريا في أي لحظة.
وتابع أن السد الآن بات أمرا واقعا، والسيسي استولى على الحكم بانقلابه ورأينا منه خضوعا وخنوعا منح إثيوبيا موقفا قويا وشرعية؛ مستبعدا أن يكون للسيسي دور في احتجاجات المعارضة وأن إثيوبيا تجاوزت مرحلة الخطر في بناء السد وأن أي تعامل مع السد كان يجب أن يكون قبل ذلك.
واتهم فهمي السيسي بإهمال قضية السد حتى وصلت إلى مرحلة متقدمة يصعب معها التعاطي حاليا، مؤكدا أن تعامل السيسي مع الأزمة لن ينبني عليه وقف بناء السد أو حماية حقوق مصر المائية.
وتشتعل موجات من الغضب داخل جبهة “الأورومو” المعارضة ويدين أفرادها بالإسلام بعكس باقي القبائل، وقامت السلطات الإثيوبية بنزع أراضيهم لبناء السد عليها دون تعويضهم وقابلت احتجاجاتهم بوحشية وقتلت منهم العشرات وزجت بالمئات في السجون في ظل أوضاع قاسية وعمليات تعذيب ممنهجة تثير غضب الأورومو الذين يصرون على انتزاع حقوقهم المشروعة.