علمتنا الهجرة النبوية المؤاخاة

download

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
قال تعالى
{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال63
تلك القاعدة الصلبة التي انطلقت منها الجيوش الإسلامية من بعد، فدوَّخ الله بها الطغاة، ولم تكن هذه المؤاخاة لونًا من ألوان الزمالة التقليدية، ولم تكن العلاقة الرابطة بين أفراد فريق لكرة القدم ينفق النادي على أحدهم ملايين الدولارات من أجل كرة من الجلد تستقر في شبكة من الحبال!!.
وإنما هي المؤاخاة التي تذوب بها الفوارق حتى يقول أحدهم للآخر “يا أنا”!!.
أرأيتم إليه كيف آخى بين حمزة، وهو من سادات قريش وبين زيد بن حارثة المولى، خادم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟!.
وهو بهذا يلغي الطبقية؛ كراهةَ أن تكون سلالةٌ ارفعَ من سلالة؛ توخيًا لمجتمع كالبنيان المرصوص بشد بعضه بعضًا تقوم فيه إخوة الدين مقام أخوة النسب؛ كانت أخوَّة سلمان له رحمًا، ولم تكن بين نوح وابنه نسب.
وتأمل: كيف كان زيد بن حارثة- مولى الأمس- هو الصحابي الوحيد الذي صرَّح القرآن الكريم باسمه في آيات تتلى وإلى الأبد!!.
لقد تحققت بهذه الأخوة سليقةَ الانسجام بين أفراد الأمة، وبهذا الانسجام كان الالتحام ثم اقتحام المخاطر خارج حدود دولة الإسلام الذي سعدت به الأمم جميعًا.
7- علمتنا الهجرة النبوية: كيفية التعامل مع أعداء الإسلام
رصدت قريش الجوائز الكبرى لمَن يعثر على محمد- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- حيًّا أو ميتًا، وكان سراقة هذه البندقية المعروضة للإيجار!!، فخرج يطلب الرسول؛ طمعًا في الجائزة.
موقف الداعية
وصل سراقة فعلاً إلى حيث رأى الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وكان موقفه عليه الصلاة والسلام درسًا لأمة الإسلام في كيفية التعامل مع أعدائه إذا لم تكن على مستوى الأعداء عدة وعددًا.
فماذا فعل- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وقد رأى الخطر محدقًا به:
أولاً: استعان بالله- تعالى- فدعا على سراقة، فساخت قوائم فرسه في الأرض.
ثانيًا: فلما استنجد بالرسول أنجده، وكان من المصلحة الظاهرة أن يظل مقيَّدًا مع فرسه في مكانه، ولكنه- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- عامله بما يليق به كرسول.
ثالثًا: وعده بسوارَيْ كسرى يلبسهما بعد حينٍ من الدهر، ومعنى ذلك: لجوء الداعية إلى الله- تعالى- لحظة الخطر، ثم وفي نفس اللحظة تبدأ المبادرة البشرية بحسن التعامل مع العدو وبالعفو، ثم بمقابلته بالخير إن وُجد، أو على الأقل أن يعده به إذا لم يوجد.
وحقَّقت الحكمة النبوية أُكُلَها ونجاحها الكبير؛ فقد أثَّر جميل الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في نفسه على الفور، لقد قطع على نفسه عهدًا أن ينصرف ثم يخذل مَن يراه من أعدائه أو من طلاب الجائزة!!.
وكان من الممكن بعد عودته أن يخبر قريشًا بمكانه، ولكنه وفَّى بعهده، بل وأعلن إسلامه، وكان جزاؤه أن عاش ولبس سواري كسرى فعلاً، وتحقق ما كان مستحيلاً، وهذا ما أثمرته الحكمة النبوية.
8- علمتنا الهجرة النبوية: أن العدل أساس الملك
لما بركت ناقة رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في مكان يملكه غلامان من الأنصار، وفي حي بن النجار، أبدى الغلامان رغبتهما في أن تكون أرضهما هبةً، وأبى- عليه الصلاة والسلام- إلا أن تكون بالثمن، فاشتراها بعشرة دنانير، مؤكدًا بهذه المبادرة الكريمة ضرورةَ أن تشاد الدولة على ضمانة الاستقرار والاستمرار، وهي قاعدة “العدل هو أساس الملك”.
وإذا تنافس المتنافسون في التضحية بأعز ما يملك الإنسان، وإذا تمَّ ذلك هنا على مستوى الطفولة التي تتثبت عادة بما تملك، وإذا استجابت الدولة لهذا التنافس الشريف بالإنصاف إذا تم هذا قام الشعب والدولة معًا بما يجب عليهما؛ فهي الشهادة بأن أمة هذا شأنها جديرة بالبقاء.
9- علمتنا الهجرة النبوية:
أن التضحيات فوق ما نظن، لكن لا نقف أمام الأحداث جامدين وإن كان السير بطيئًا، وأن بلوغ المراد ليس مستحيلاً، ولكنه مجاهدًا على مستواه، وألا نذرف الدموع على نصرٍ تأخر، ولكن نواجه الخطر بعزيمة هي أخطر منه.
10- علمتنا الهجرة النبوية أن دعوة الحق والإصلاح لا تقف بموت أو قتل الداعية المصلح:
حين ييأس المبطلون من إيقاف دعوة الحق والإصلاح، وحين يفلت المؤمنون من أيديهم ويصبحون في منجى من عدوانهم، يلجئون آخر الأمر إلى قتل الداعية المصلح؛ ظنًا منهم أنهم إن قتلوه تخلصوا منه، وقضوا على دعوته، وهذا هو تفكير الأشرار أعداء الإصلاح في كل عصر، وقد شاهدناه ورأينا مثله في حياتنا.
هكذا أيها الأحبة.. تعلمنا هجرة النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الكثير والكثير من الدروس والعبر.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...