الكذب مهلكة

الكذب مهلكة
وكما أن الصدق يجلب العزة والكرامة،فإن الكذب يسبب الذلة والصغار لصاحبه.
بلغ المنصور الدوانيقي أن مبلغا ضخما من أموال بني أمية مودعة عند رجل،فأمر الربيع بإحضاره.
يقول الربيع:فأحضرت الرجل وأخذته إلى مجلس المنصور.فقال له المنصور:بلغني أن أموال بني أمية مودعة عندك،فيجب أن تسلمني إياها بأجمعها.
فقال له الرجل:هل الخليفة وراث الأمويين؟!  فأجاب:كلا.
فقال:هل الخليفة وصي الأمويين؟!  فأجاب:كلا.
فقال الرجل:فكيف تطالبني بأموال بني أمية؟!
فأطرق المنصور  برهة،ثم قال:إن الأمويين ظلموا المسلمين،وانتهكوا حقوقهم،وغصبوا أمـوالـهـم،وأنا الآن خـلـيـفة المـسـلمين ووليـهم،أريـد أن أسـترد أموال الـمسلمين،وأودعها في بـيـت المـال.
فقال الرجل:إن الأمويين امتلكوا أموالا كثيرة كانت خاصة بهم،وعلى الخليفة أن يقيم شاهدا عدلا على أن الأموال التي في يدي لبني أمية إنما هي من الأموال التي غصبوها وابتزوها من غير حق.
ففكر المنصور ساعة،ثم قال للربيع،إن الرجل يصدق،فابتسم بوجهه وقال:ألك حاجة؟!  قال الرجل:لي حاجتان.
الأولى:أن تأمر بإيصال هذه الرسالة إلى أهلي بأسرع وقت،حتى يهدأ اضطرابهم ويذهب روعهم..
والثانية:أن تأمر بإحضار من أبلغك بهذا الخبر،فوالله لا توجد عندي لبني أمية وديعة أصلا.وعندما أحضرت بين يدي الخليفة،وعلمت بالأمر تصورت أني لو تكلمت بهذه الصورة كان خلاصي أسهل.
فأمر المنصور الربيع بإحضار المخبر،وعندما حضر،نظر إليه الرجل نظرة،ثم قال:إنه عبدي سرق مني ثلاثة آلاف دينار وهرب.فأغلظ المنصور في الحديث مع الغلام،وأيد الغلام كلام سيده في أتم الخجل وقال:إني اختلقت هذه التهمة لأنجو من القبض علي.
هنا رق قلب المنصور لحال العبد وطلب من سيده أن يعفو عنه،فقال الرجل: عفوت عنه وسأعطيه ثلاثة آلاف أخرى.فتعجب المنصور من كرامة الرجل وعظمته،وكلما ذكر اسمه كان يقول:لم أر مثل هذا الرجل« (1).
ولما نصب معاوية ـ رضي الله عنه ـ ابنه يزيد لولاية العهد أقعده في قبة حمراء وجعل الناس يسلمون على معاوية،ثم يسلمون على يزيد،حتى جاء رجل ففعل ذلك،ثم رجع إلى معاوية فقال يا أمير المؤمنين اعلم أنك لو لم تول هذا أمور المسلمين لأضعتها،والأحنف ساكت.
فقال معاوية مالك لا تقول:يا أبا بحر.فقال:أخاف الله تعالى إن كذبت،وأخافكم إن صـدقت.فقال:جزاك الله خيرا عما تقول،ثم أمر له بألوف.
فلما خرج الأحنف،لقيه ذلك الرجل بالباب،فقال له:يا أبا بحر إني لأعلم أن هذا من شرار خلق الله تعالى،ولكنهم استوثقوا من الأموال بالأبواب والأقفال،فلسنا نطمع في إخراجها إلا بما سمعت.
فقال له الأحنف يا هذا أمسك،فإن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيها.
قال الشاعر:
لا يكذب المرء إلا من مهـانـته     أو فعله السوء أو من قلة الأدب
لبعض جيفة كلب خير رائحة      من كذبة المرء في جد وفي لعب
وقال محمود بن أبي الجنود:
لـي حـيـلة فـيـمـن يــنـم      وليس في الكذاب حيلة
من كان يخـلق مـا يـقــ    ــول فـحيـلتي فيه قليلة
وكان بفارس محتسب يعرف بجراب الكذب وكان يقول:إن منعت الكذب انشقت مرارتي،وإني والله لأجد به مع ما يلـحـقـني من عــاره مـن الـمـسرة،ما لا أجـده بالـصدق،مع ما يـنـالـنـي مـن نـفـعـه.
x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...