تسريباتهم تكشف عقيدتهم.. كيف ينظر العسكر للدولة والشعب والإعلام؟



جاءت تسريبات قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي على مدار الخمس سنوات الماضية، لتكشف العالم الخفي في دولة العسكر، وكيف ينظر قيادات الجيش للعالم الخارجي من حولهم، الأمر الذي أظهر كيف ينظر العسكر لعلاقتهم بالشعب الذي يحكمونه وما هي أوجه المصلحة مع دول الجوار، ورؤيتهم لقضايا العالم العربي والإسلامي، وظهر التناقض في الخطاب الوارد بالتسريبات في عدد من الموضوعات أهمها رؤية الجيش للدولة وللإعلام وللمنهج الاقتصادي وللقضاء وللشعب ولدول الخليج.

كيف ينظرون للدولة؟

وكشف تحليل الخطاب النقدي للتسريبات التي وردت بشأن قائد الانقلاب ومعاونيه، نشره “المعهد المصري للدراسات” نظرة العسكر للدولة المصرية من خلال خطاباتهم المعلنة وغير المعلنة، التي عادة ما يزعمون فيها لجنودهم ودراويشهم أنهم يضحون من أجل الشعب ويعتبرون توليهم مقاليد الأمور في البلاد نوعا من التكليف المضطرين إلى قبوله لتحقيق المصلحة العامة، وهو ما يظهر في عبارات من قبيل: “لا والله ما حكم عسكر” و”ليس لنا طمع في حكم مصر” و”حماية الشعب أهم عندنا من حكم مصر”.

وعندما قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة ترشيح السيسي للرئاسة، قال في بيان 27-1-2014: “لم يكن في وسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا أن يتطلع باحترام وإجلال لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر العظيم في ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، وهي تعتبره تكليفا والتزاما”.

لكن في المقابل أظهرت التسريبات خطابا مختلفا تماما يشير إلى أن قادة الجيش ينظرون إلى الدولة ومواردها كنوع من الغنيمة أو طريقا لتحقيق الطموحات الشخصية، ففي فبراير 2015 بثت قناة “مكملين” تسريبا من داخل مكتب السيسي بوزارة الدفاع، قال فيه الأخير للواء عباس كامل عبارة لافتة وهي “حلال علينا البلد”.

السادات

وفي ديسمبر 2013 قال وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبد الفتاح السيسي في تسريب لحوار صوتي مع رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم ياسر رزق، إنه رأى الرئيس الأسبق أنور السادات في المنام ودار بينهما حوار تنبأ السيسي خلاله بأن يصبح رئيسا للبلاد، حيث قال السادات: أنا كنت عارف إني حاأبقى رئيس الجمهورية، فقلتلوا (السيسي) وأنا عارف إني هأبقى رئيس الجمهورية. وقال إنه حلم بأنه يُقال له “هنديك اللي مديناهوش لحد” (سنعطيك ما لم نعط أحدا من قبل)، وأضاف أنه حلم بأنه يحمل سيفا مكتوبا عليه لا إله إلا الله باللون الأحمر. وقال أيضا: “حلمت إني في إيدي ساعة ماركة أوميجا عليها نجمة خضراء ضخمة جدا، والناس بتسألني اشمعنى إنت اللي معاك الساعة دي، فقلت لهم الساعة دي بإسمي هي “أوميجا” (Omega ) وأنا “أبد الفتاح “(Abd ElFtah )، يعني رحت حاطط أوميغا مع العالمية مع عبد الفتاح”!!.

ويتناقض ما يزعمه قادة العسكر في خطابهم المعلن على أنهم “حماة الوطن”، وأنهم لن يفرطوا في شبر واحد من أرض مصر،مع ما كشفه تسريب بثته قناة “مكملين” في فبراير 2017 على العكس تماما، حيث كشف التسريب الذي كان لمكالمة هاتفية بين وزير الخارجية المصري سامح شكري والمحامي الشخصي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن تنسيق بين الطرفين بشأن جزيرتي تيران وصنافير. وفي التسجيل المسرب يراجع شكري مع المحامي الإسرائيلي إسحق مولخو اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي كان من أبرز بنودها أن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان، وهو ما يصب بشكل مباشر في خدمة إسرائيل.

وكشفت التسريبات عن ممارسات تعتبر شائنة بالمقاييس المصرية، حتى أن اسم اللواء عباس كامل أصبح مقترنا بـ”الترامادول” ، عقب نشر تسريب له على قناة “مكملين” الفضائية خلال حديث له مع السيسي، قال فيه: “على فكرة، بنت خالتي امبارح بتسألني إيه الحبايتين دول، فقولتلها بصراحة يعني نظرا للتوتر اللي إحنا فيه، فاحنا كل واحد فينا كل يوم الواحد بياخد حباية ترامدول بيهدي نفسه بيها”!!.

وقال البحث إن العسكريين المصريين المسيطرين على مقاليد الحكم في البلاد ينظرون إلى الدولة ويتعاملون معها ليس باعتبارهم جزءا من مؤسساتها المعنية بالحفاظ عليها وتحقيق مصالحها، ولكن باعتبارها أداة للسيطرة على الموارد التي تضمها، وفرصة للتربح وفرض النفوذ، فتحولت الدولة إلى أداة للسيطرة والقمع بسبب انعدام آليات التداول الطبيعي للسلطة، واحتكار مراكز القيادة من نخب لا تتمتع في أغلبية الأحيان بالحد الأدنى من الأخلاق والكفاءة، والخلط الفاضح بين الدولة والحزب والقبيلة والطائفة، وتعميم إجراءات التعسف والتمييز المكشوف بين المواطنين والعقاب الجماعي.

كيف ينظرون للشعب؟

ويكشف البحث في هذا الجزء حالة اللامساواة بين السلطة والمجتمع بهدف مقاومتها، وتوضيح كيف أن النص ينتج هيمنة النظام على الشعب، رغم أن معظم الخطاب المعلن لقادة الجيش يؤكد أن القوات المسلحة مهمتها خدمة الشعب وحمايته، كما قال السيسي في خطاب بشهر أغسطس 2013: “نحن لا نخون ولا نطمع، ونحن أمناء على إرادة الشعب”، وكما أفاد بيان القوات المسلحة في 1 يوليو 2013: “نلتزم بحماية الشعب ورعاية مصالحه وأمنه”، إلا أن الخطاب في التسريبات يشير إلى العكس تماما.

في فبراير 2015 تساءل عباس كامل في تسريب صوتي عما إن كانت مستشفيات تبرعت بها دول الخليج مقدمة إلى جمهورية مصر العربية أم إلى القوات المسلحة، ورد عليه اللواء أحمد عبد الحليم مساعد رئيس الأركان للشؤون المعنوية بأن “الشعب المصري هو القوات المسلحة”!! وهو اختزال واضح للشعب في إحدى مؤسسات الدولة، حتى وإن كانت أهم تلك المؤسسات.

و كشف تسريب لمكملين في مارس 2015 عن استغلال قادة الجيش لموارد الدولة في الترويج للسيسي لدى الشعب، حيث كشف التسريب عن محادثات هاتفية بين عباس كامل والسيسي قال فيها الأول إن شخصا يدعى “حسن سميح” اتصل به وتمنى الإعلان عن مشروع المليون وحدة سكنية قبل أن يعلن السيسي عن ترشحه لانتخابات الرئاسة، بهدف زيادة شعبيته وليبدو أن القوات المسلحة هي التي تسعى لحل أزمة السكن في البلاد.

أولوية التوظيف

وفي يناير 2015 بثت قناة الشرق تسريبا صوتيا لوزير الداخلية وقتها اللواء محمد إبراهيم أشار فيه إلى أن أولوية التوظيف في الوزارة لأقارب ضباط الشرطة، وقال الوزير إنه من الممكن تجاوز متقدم يحمل مجموع علامات يصل إلى 90% وقبول ابن ضابط لا يتجاوز مجموع علاماته 65%. معتبرا أن الشيء الوحيد الذي لا يمكن تجاوزه هو انتماء أحد أفراد العائلة لجماعة الإخوان المسلمين.

أما أخطر ما أظهرت التسريبات فيتمثل في اعتبار القيادات العسكرية أن الشعب عالة على الدولة – الجيش – وبالتالي فإن الجيش عليه أن ينفق على الشعب الذي لم يبلغ حد الرشد بعد.

في تسريب لقناة مكملين وصف اللواء عباس كامل في فبراير 2015 الشعب بأنه “جعان ومتنيل بنيلة، وظروفه أنيل”، وهو ما تكرر كثيرا في خطاب الجيش المعلن.

كيف ينظرون للإعلام؟

كان نيرون طاغية روما الشهير اول من سخر الإعلام في خدمته بهذا الشكل الذي يعمل به العسكر في مصر حاليا، فأسس نيرون مدرسة خاصة لتعليم أصول التصفيق، وكان يأمر نحو خمسة آلاف فارس وجندي من أفراد الجيش بحضور الحفلات الموسيقية التي كان يغني ويعزف فيها، ليصفقوا له بعد أن ينتهي!!.

وتضمن انقلاب الثالث من يوليو 2013 خارطة طريق من 6 بنود أحدها: “وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام”، كما أن خطابات السيسي لا تفتأ تؤكد على أهمية الإعلام ودوره في بناء البلاد. وفي المقابل كشفت محادثة هاتفية مسربة في يناير 2015 بين اللواء عباس كامل، والمتحدث العسكري الأسبق العقيد أحمد محمد علي، كشفت عن تلقين عباس للمتحدث العسكري خطة حملة إعلامية تهدف إلى “تهييج” الناس لمصلحة السيسي، حين كان مرشحا للرئاسة. وكيفية تلبيس الشعب “العمة” حسب قوله.

وخلال ندوة نظمها الجيش لوزير دفاعه وقتها عبد الفتاح السيسي قبيل الانقلاب، قال السيسي إن القوات المسلحة تعمل على تشكيل أذرع إعلامية، لكن الأمر يستغرق وقتا طويلا.

وفي يناير 2015 أذاعت قناة الشرق تسريبا منسوبا إلى وزير الداخلية محمد إبراهيم قال فيه إنه أوعز للإعلام بالتطاول على رئيس جامعة القاهرة جابر نصار، وذلك إبان اعتصامات طلاب الجامعة عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي. وقال الوزير في التسريب الذي تضمن حوارا مع مقدم في الشرطة إنه سينتظر إلى أن يصرخ طالبا المساعدة التي لن يقدمها له.

وفي يناير 2018 بثت قناة مكملين تسجيلات صوتية جديدة لمكالمات هاتفية بين ضابط مخابرات يوجه أحد الإعلامي عزمي مجاهد بشأن أساليب التعاطي الإعلامي مع دولة الكويت والأزمة الخليجية، يدعو فيه إلى العمل على الوقيعة بين الكويت وقطر.

النظام الحاكم

أما أبرز التسريبات التي كشفت احتقارا واسعا للإعلاميين أو من يطلق عليهم “الأذرع الإعلامية” فجاء على لسان اللواء عباس كامل مدير مكتب وزير الدافع سابقا عندما وصف الإعلاميين بأنهم “الإعلاميين بتوعنا” مرددا أسماء أحمد موسى ووائل الإبراشي وإبراهيم عيسى وعزة مصطفى وأسامة كمال ونائلة عمارة ومحمود مسلم …. إلخ، ووصف أحد المذيعين بـ “الواد يوسف الحسيني”.

ومع الوقت بدأ الخطاب المعلن يقترب من الخطاب الخفي، وأصبحت عملية السيطرة على الإعلان تأخذ شكلا أكثر وضوحا وصراحة، حتى وصل الأمر بالسيسي لأن يحذر في مارس وسائل الإعلام من السماح بـ “الإساءة للجيش”، معتبرا أن ذلك ليس “حرية رأي” وإنما يوازي “الخيانة العظمى”!!

ويؤمن نظام العسكر أن الإعلام يجب أن يخدم النظام الحاكم الذي يمثل الدولة في نظرهم، حتى أن السيسي نفسه حسد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمجرد أنه أسس لعصر الإعلام الواحد الذي يخدم السلطة فقط.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...