تصريحات البابا حول تعديل الدستور.. لماذا تدعم الكنيسة الطغاة العرب؟

حضور إعلامي لافت للبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، خلال الأسبوع الماضي؛ حيث أجرى عدة حوارات صحفية ومتلفزة، مع صحيفة سعودية وفضائية موالية للعسكر؛ أبدى فيها رأيه في عدد من القضايا السياسية الشائكة في الداخل والخارج، في تضخم بارز للدور السياسي للكنيسة في عهده.

خلال هذه الحوارات واصل بابا الكنيسة الأرثوذوكسية دعمه للطغاة والمستبدين العرب، كاشفًا عن تماهي موقف الكنيسة مع هؤلاء الحكام المستبدين وإشادتها بهم رغم جرائمهم الوحشية بحق الشعب المسحوقة؛ حيث أكد البابا:

أولا: دعمه إجراء تعديلات دستورية تفضي إلى بقاء السيسي لفترة أطول في الحكم في تأكيدٍ أيضًا على رغبة الكنيسة في إزاحة العقبات الدستورية التي تحول دون بقاء الجنرال الطاغية حتى لو بقي حاكمًا حتى الممات.

ثانيا: أبدى البابا دعمه وتأييده بل إعحابه لولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتورط في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي الوحشية والذي تلاحقه الاتهامات بإصدار أوامر القتل المروع مثمنا موقف ولي العهد في السماح ببناء كنائس في بلاده وإقامة قداس “مسيحي” لأول مرة في بلاد الحرمين. بل وصف تواضروس ولي العهد السعودي بأنه “شخص مُنفتح الذهن ولديه رؤية حديثة للحياة”، مضيفًا “هذا شيء مفرح لنا»!. وأقيم قبل أيام في السعودية أول قداس مسيحي، برعاية بن سلمان. ويزور الأنبا مرقس مطران أبرشية شبرا الخيمة، السعودية بدعوة من ولي العهد السعودي، وتستمر زيارته حتى 17 من الشهر الجاري، وقد تم استقباله من قبل شخصيات دينية في السعودية، أبرزها أمين رابطة العالم الإسلامي، الشيخ محمد العيسى.

ثالثا: أبدى تواضروس رفضه للديمقراطية عبر انتقاد الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر القديم والحديث زاعما أن العام الذي حكم فيه كان أسود! رغم مظاهر الحريات الواسعة التي تمتع بها المصريون. في المقابل أشاد بعهد جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي الذي ارتكب أبشع المذابح الجماعية في تاريخ البلاد وقتل الآلاف واغتصب الحكم عبر انقلاب عسكري. مدعيا أن “مصر تشهد عملًا جادًا وإعلاء المواطنة وتأكيد الحقيقة ليس قولا بل فعلا أمر يأخذ مجراه الطبيعي بعد ركود عقود وعقود، ننظر له نظرة تقدير وإعزاز”!.

حملة دعاية!

فُهم من تصريحات البابا أنها تأتي جزءًا من تضخم الدور السياسي للكنيسة في سياق حملة دعاية لخدمة النظام من أجل تمرير تعديلات دستورية تفضي إلى بقاء السيسي في الحكم مدى الحياة عبر عدة سيناريوهات:

الأول: عبر النموذج الإيراني من خلال وضع مادة انتقالية في الدستور تنصّ على إنشاء ما يسمى بـ”المجلس الأعلى لحماية الدستور”، تكون له صلاحيات واسعة في الحفاظ على “هوية الدولة” وحماية الأمن القومي للبلاد في حالة تولي قيادة سياسية جديدة، على أن تتضمن المادة المقترحة تعيين السيسي رئيسًا لهذا المجلس مدى الحياة، سواء كان في السلطة أو تركها.

الثاني: تقليد السيناريو الروسي (بوتين/ ميدفيدف) باختيار “طرطور” جديد على غرار المستشار عدلي منصور يحكم صوريا لمدة واحدة ثم يعود السيسي من جديد ليحكم فترتين أخريين مدة كل فترة 6 سنوات ما يعني بقاء السيسي في الحكم حتى 2040!.

الثالث: وهو زيادة فترة الرئاسة إلى 6 سنوات وزيادة فترة ثالثة بدلا من فترتين ما يعني بقاء السيسي 8 سنوات إضافية بعد انتهاء مدته الثانية 2022م.

ويبدو أن تصريحات بابا الأقباط جاءت لتستهل حملة إعلامية لتبرير تعديل الدستور، وبدء حشد الأقباط للموافقة على هذه التعديلات.كما حشدت من قبل من أجل استقبال الجنرال خلال مشاركاته خلال السنوات الماضية في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبحسب مصادر كنيسة مطلعة قالت لـ”الحرية والعدالة” إن الكنيسة تقنع الأقباط بالسيسي عبر استخدام فزاعة الإخوان وفوبيا الإسلاميين بالاعتراف أن السيسي شخصية سيئة وأن الوضع الاقتصادي تدهور في عهده بحدة أرهقت الجميع، لكن البديل هو الإخوان والإسلاميين والزعم أن الإسلاميين سيذبحون الأقباط لوقوفهم في مشهد 30 يونيو والمشاركة بقوة في الانقلاب وأن مصلحة الكنيسة والأقباط هو بقاء السيسي خوفا من السيناريو الأسوأ حال سقط الجنرال وتداعى نظامه.

 

لماذا تفضل الكنيسة الطغاة؟

وتفضل الكنيسة الحكام المستبدين على الديمقراطية لعدة أسباب:

أولا: لأنهم أكبر عامل تشويه للإسلام والمسلمين، كما أنهم يمثلون أكبر عقبة أمام تقدم الأمة الإسلامية وهو هدف إستراتيجي تتفق فيه الكنيسة الأرثوذوكسية مع الإمبريالية الغربية التي تستهدف بقاء الأمة العربية والإسلامية دائما في مربع التخلف والرجعية ودوام حالة الاستبداد ووأد أي محاولات تستهدف تمتع الشعوب العربية والإسلامية بحريتها واستقلالها وقدرتها على اختيار حكامهما عبر أدوات الديمقراطية الغربية فضلا عن مبدأ الشوري الإسلامي، وهو ما يفسر المشاركة الواسعة للكنيسة في مظاهرات 30 يونيو وانقلاب 03 يوليو 2013م.

ثانيا: هؤلاء الحكام يمكن عقد الصفقات معهم بما يضمن مصالح الكنيسة من خلال تحقيق هدفين: الأول استقلال الكنيسة ماليا وإداريا وعدم خضوعها لمؤسسات الرقابة داخل الدولة مقابل دعمها للبابا والكنيسة، في حين تتمثّل الثانية في احتكار الحق بالتحدّث باسم الأقباط. كما أن النظم المستبدة يمكن الضغط عليها والحصول على مكاسب تخالف الدستور والقانون كما حدث مع تسليم أجهزة أمن الدولة في عهد مبارك لوفاء قسطنطين التي أعلنت إسلامها وتم تسليمها للكنيسة ولا يعلم أحد عن أمرها شيئا حتى اليوم.

ثالثا: تستهدف الكنيسة تحقيق مكاسب سياسية طائفية على حساب الحالة المصرية عموما، وقد تباهي البابا خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة بأن الأقباط بات لهم 39 نائبا في البرلمان وليس 3 أو 5 معينين، وبات لهم 3 محافظين بينهم امرأة لأول مرة في تاريخ مصر.

كما ثمن البابا وقيادات كنسية مرارا إقرار قانون بناء الكنائس؛ حيث كشف المستشار جمال حليم، عضو لجنة إعداد قانون تقنين الكنائس، خلال مداخلة هاتفية مع حمدي رزق، ببرنامج «نظرة»، المذاع على قناة «صدى البلد»، أنه بعد نهاية الحصر التي تمت للكنائس في 26 سبتمبر 2017 أكثر من 5 آلاف كنيسة ودار خدمة يتم تقنينها على مستوى الجمهورية، وبدأت اللجنة في جمع المستندات الملكية والتقارير الهندسية عن الحالة الإنشائية، ثم يتم تشكيل لجان إلى كل محافظة حتى تعاين مباني الخدمة والكنائس، واصفًا إياه بأنه عمل شاق ويأخذ مجهود كبير في مسألة تقنين الكنائس. وكشف المستشار جمال حليم، عضو لجنة إعداد قانون تقنين الكنائس، أن اللجان الفرعية قاربت على الانتهاء من أعمالها من خلال تقنين أوضاع الكثير من الكنائس، ولن يتم غلق أي كنيسة من ضمن قانون تقنين الكنائس.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...