الدكتور / خالد فهمي أستاذ الاشارات اللغوية
كلية الآداب / جامعة المنوفية
(مدخل )
لا ينكر أحد من دارسي الحضارة العربية فى الميادين المختلفة ما أحدثه الإسلام من أثر جبار فى ترقية الحياة العقلية و العلمية التي ظهرت آثارها باللسان العربي .
وكان مما استقر فى باب الحقائق العلمية المتعلقة بدراسات الثروة اللفظية أن الإسلام أوجد تيارا كاملا مستقلا نما باللسان العربي فى جانب الألفاظ حتى عرف باسم فريد هو : الكلمات العربية الاسلامية .
و قد فطن القدامى من اللسانيين العرب ، فأفرد ابن فارس اللغوى (395هـ) بابا بعنوان الأسباب الإسلامية فى كتابه ( الصاحبى فى فقه اللغة ) ص 78-86 وهو ما زاده بسطا و تفصيلا السيوطي ( 911 هـ) فى كتابه المزهر فى علوم اللغة 1/298 .
وهو الأمر الذى فحص حديثا و ثبت حقيقة متواترة عند اللسانيين المعاصرين على اختلاف توجهاتهم و تنوع اهتماماتهم .
ومن هذه الحقيقة نستطيع أن نقرر أن للإسلام أثرا فى رقى النشاط العلمي فى باب التصنيف المعجمي عموما و المختص خصوصا ،حتى يصح – و لا يصح غيره – أن نقول إن المعاجم التي اهتمت ببيان المصطلحات الفقهية لم تكن لتوجد لولا شريعة الإسلام العظيمة .
و قد اتسع باب التصنيف فى المعاجم الفقهية فى التراث العلمي عند المسلمين قديما اتساعا ظاهرا و يمكن رصد العلامات التالية فى هذا السياق :
1- كانت العناية بالمصطلحات الفقهية فى التصنيف المعجمي المختص أمرا ثابتا مستقرا منذ القرن الرابع الهجري .
2- مثلت المعاجم الفقهية القديمة المذاهب أو المسالك الفقهية المختلفة التي عرفها التاريخ العلمي عند المسلمين فى هذا الباب .
فظهر من المعاجم الفقهية التي تشرح ألفاظ الفقه الحنفي : طلبة الطلبة فى الاصطلاحات الفقهية على ألفاظ كتب الحنفية ، للنسفى السمرقندى 537هـ و المغرب فى ترتيب المعرب ، للمطرزى 610هـ و الحدود الفقهية لمصنفك الحنفي 875هـ وحدود الفقه لابن نجيم المصري الحنفي 970هـ و أنيس الفقهاء للقونوى 978هـ.
كما ظهرت معاجم فقهية تشرح ألفاظ الفقه عند المالكية من مثل : لغات مختصر ابن الحاجب ، للأموي المالكي 806هـ و شرح حدود ابن عرفة للرصاع 894هـ و شرح غريب ألفاظ المدونة للجبي ، و غرر المقالة فى شرح غريب الرسالة ، للمغراوى.
كما ظهرت معاجم فقهية تعالجه من وجهة النظر الشافعي من مثل : الزاهر فى غريب ألفاظ الشافعي ، للأزهري 371هـ و حلية الفقهاء لابن فارس 395هـ و شرح ألفاظ المهذب لابن البرزى 560هـ و النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لابن بطال الركبى 630هـ و اللفظ المستغرب للقلعى 630هـ و المغنى فى الإنباء عن غريب المهذب لابن باطيش 655هـ و تهذيب الأسماء و اللغات للنووى676هـ و تحرير التنبيه للنووى676هـ أيضا و المصباح المنير للفيومي 770هـ
كما صنفت معاجم فقهية تشرح الألفاظ الفقهية عند الحنابلة من مثل : المطلع على أبواب المقنع للبعلى الحنبلي 709هـ .
وكل تلك المعاجم الفقهية التراثية مما وصل إلينا و اعتنى بها تحقيقا و درسا (1) تمتعت بكثير من أصول صناعة المعجم كما يقررها المعاصرون .
1- اتجاهات التصنيف المعاصر فى معاجم المصطلحات الفقهية
و قد كان لثبات الشريعة و استمرارها وهما الخاصتان الملازمتان لها أثره فى استمرار التصنيف فى لغة الفقه فى العصر الحديث ، و بالإمكان تمييز ثلاثة اتجاهات أساسية حكمت مسارات التصنيف فى معاجم المصطلحات الفقهية المعاصرة هي كما يلي :
أ- معاجم فقهية خاصة بباب فقهي معين .
ب- معاجم فقهية خاصة بمصطلحات مذهب أو مسلك فقهي مفرد .
ج- معاجم فقهية جمعت المصطلحات الفقهية كلها ومن دون تقيد بمذهب أو مسلك فقهي بعينه ،أو بمجال فقهي معين .
و فيما يلي بيان بأشهر هذه المعجمات الفقهية موزعة على الترتيب الذى صنعناه :
( 1/أ) معاجم المصطلحات الفقهية الخاصة بباب أو مجال فقهي معين .
و قد عرف التصنيف المعجمي المعاصر عددا من المعجمات التي اعتنت ببيان مصطلحات بعض الأبواب الفقهية من دون غيرها لأغراض تعبدية مخصوصة أو لأغراض علمية ، من أمثلتها :
1- قاموس الحج و العمرة من حجة النبي و عمره ، لأحمد عبد الغفور عطار (طبعة دار العلم للملايين بيروت 1399هـ= 1979م)
2- قاموس المصطلحات الاقتصادية فى الحضارة الاسلامية ، للدكتور محمد عمارة ( طبعة دار الشروق ، القاهرة ، بيروت سنة 1413هـ= 1993م)
3- معجم المصطلحات الاقتصادية فى لغة الفقهاء للدكتور نزيه حماد ( طبعة المعهد العالمى للفكر الإسلامى ، هيرندن / فيرجينيا سنة 1414هـ =1993م )
4- مصطلحات الفقه المالي المعاصر : معاملات السوق ، تحرير و إشراف يوسف كمال محمد ( طبعة المعهد العالمى للفكر الإسلامى ، القاهرة 1418هـ = 1997م )
( ملاحظات على هذه القائمة )
يتضح من تأمل عنوانات هذه المعاجم الفقهية اقتصارها على العناية بمصطلحات أجزاء معينة من لغة الفقهاء ، و قد كان هذا الاجتزاء محكوما باعتبارات معينة منها ما هو تعبدي بالمعنى الخاص للتعبد على ما يظهر فى مقدمة قاموس الحج والعمرة ، يقول مصنفه ص 8 ” و الذى حملني على تأليف هذا المعجم أنى رأيته أسرع فى الإجابة عن المناسك من الكتب المؤلفة فيها ، فهو – يجيب السائل عن مسألته وحدها ، أو عن المسائل التي يريدها فى إيجاز يغنيه عن الإسهاب … وجعلته متوسط الحجم ليسهل حمله فى اليد أو ليحمله المحرم فى عيبته ( أي فى الحقيبة الصغيرة التي يحملها و فيها احتياجاته الضرورية )”.
و هذا غرض نبيل لم يظهر فى الأغراض التي صنف من أجلها معاجم الفقه قديما .
ومن الاعتبارات التي أظهرت هذا القسم من معجمات مصطلحات الفقه أيضا الاعتبار العلمي أو المعرفي بمعنى أنها ظهرت تلبية لمطالب ضبط مفاهيم طائفة من المصطلحات التي تعرضت للتشويه أو الاتهام أو الانتقاص و لا سيما بعد أن اتسع استعمالها ، وشغب ضد كثير منها المنتمون للفكر الغربي ، فكان مثل قاموس المصطلحات الاقتصادية فى الحضارة الاسلامية يهدف إلى الانتصاف للفكرة الاسلامية من خلال المعجمية التي تجمع مصطلحات الاقتصاد فى هذه الحضارة المتميزة ؛ لتواجه مخاطر الافتنان بالفكرة غير الاسلامية التي يروج لها من خلال ما يترجم من معاجم للمصطلحات الاقتصادية !
يقول الدكتور محمد عمارة فى مقدمة قاموسه ص 16 ” إن الباحث فى الميدان الاقتصادي و كذلك القارئ فى هذا الميدان و الذى لا يجد لديه سوى قاموس عربي قد ترجم إلى العربية لابد و أن يرى كل قضايا هذا العلم الاقتصادي و تطبيقاته بعيون المذهبية الاقتصادية الغربية التي تتميز عنها المذهبية الاسلامية فى المنطلقات و المعايير و الغايات … وهنا تبرز الرسالة الفكرة و المهمة الحضارية لهذا القاموس ” الذى يتبنى الفكرة الاقتصادية المتلبسة بالإسلام . وهو ما يعود إلى تأكيده الدكتور طه جابر العلوانى أيضا فى تقديمه لمعجم الدكتور نزيه حماد .
ومن جانب كان ظهور هذا النوع من المعاجم الفقهية الجزئية تيسيرا على الاقتصاديين المتعاملين مع الفقه الإسلامى ، و الفقهاء المتعاملين مع قضايا الاقتصاد إلى فهمها و استيعابها .
و ربما تفسر كثرة المعاجم الفقهية فى الجانب الاقتصادي بسبب من هجمة المفاهيم الاقتصادية الواردة من الغرب وتبني الأنظمة العربية لفلسفات الغرب الاقتصادية مما استشعر معه علماء الإسلام المعاصرون حاجة الثقافة الاسلامية المعاصرة إلى هذه المعاجم الفقهية الجزئية المعاصرة لتقاوم بها ما يمكن أن يظهر من مخاطر هذا الهجوم للمفاهيم الغربية فى ميدان الاقتصاد فى البلدان الإسلامية .
(1/ب) معاجم فقهية خاصة بمصطلحات مذهب فقهي بعينه
مثلما رأينا فى مفتتح هذه المقالة – توزع المعاجم الفقهية التراثية على المذاهب الفقيهة المستقرة ، و إن تفاوتت أعدادها من مذهب فقهي إلى غيره ، انتصارا للمذهب الشافعي – فقد امتد هذا التيار التراثي حتى العصر الحديث ؛ إذ ظهرت معاجم تعنى بالمصطلحات الفقهية الخاصة بمذهب فقهي معين ، ومن أشهر أمثلة هذا النوع :
1- معجم فقه ابن حزم الظاهري ( من إصدار لجنة موسوعة الفقه الإسلامى ، بكلية الشريعة بجامعة دمشق ، دمشق سنة 1966م )للمنتصر الكتانى .
2- معجم الفقه الحنبلي ، للدكتور محمد رواس القلعه جى ( طبعة موسوعة الفقه الإسلامى ، بالكويت سنة 1393هـ) وهما يعنيان بالمصطلحات مع المسائل.
3- دليل السالك للمصطلحات و الأسماء فى فقه الإمام مالك ، للدكتور حمدي عبد المنعم شلبي ( طبعة مكتبة ابن سينا ، بالقاهرة ، سنة 1990م)
( ملاحظات على هذه القائمة )
يتضح من عنوانات أمثلة هذا القسم من المعاجم الفقهية المعاصرة توجهها نحو تحقيق غايتين متداخلتين معا هما :
أ- الغاية التعليمية التي تسعى إلى التسير على طالبي الفقه المذهبي ، فتأتى هذه لنوعية من المعاجم الفقهية لتعين على تحقيق هذه الغاية .
ب- الغاية العلمية التي تتوجه إلى خدمة التراث الفقهي المنتمى إلى مذهب بعينه إما لفتور العناية به كما نرى فى معجم فقه ابن حزم ، و إما لتيسير الإفادة من تراث معرفي تراكم و امتد خلال العصور ، ونتج عن هذا الامتداد تشعب معاني كثير من اصطلاحاته ، أو بسبب من الإقبال على طلب مذهب بعينه ؛ لأن نظاما معاصرا تبنى مقولاته الفقهية كما حدث مع المذهب الحنبلي .
(1/ج) معاجم فقهية جامعة
ويمثل هذا الاتجاه أقدم الاتجاهات الثلاثة التي رصدناها هنا إذ ظهرت منذ فترة سابقة على الاتجاهين السابقين . و أشهر أمثلة هذا الاتجاه ما يلي :
1-التعريفات الفقهية ، للمفتى محمد السيد عميم الإحسان المجددى البركتى ( طبعة مدينة دكة و كراتشي ، بباكستان الشرقية سنة 1379هـ= 1960 م )
2- القاموس الفقهي لغة و اصطلاحا ، لسعدي أبو جيب ( طبعة دار الفكر ، بدمشق ، سنة 1397هـ= 1977م
3-معجم لغة الفقهاء محمد رواس قلعه جى و الدكتور حامد صادق قنيبى ( طبعة دار النفائس ، بيروت سنة 1405هـ= 1985م )
4- معجم المصطلحات و الألفاظ الفقهية ، للدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم ( دار الفضيلة ، بالقاهرة سنة 1419هـ= 1999م)
( ملاحظات على قائمة الاتجاه الثالث)
يلاحظ على قائمة هذا الاتجاه سعيها إلى تحقيق الاستيعاب على مستوى جمع المصطلحات الفقهية من دون النظر إلى المذهب الفقهي من جانب ، و على مستوى اعتبار التصانيف الفقهية فى العصور الإسلامية المختلفة .
كما يلاحظ على معاجم هذا الاتجاه التوسع فى ضم المصطلحات الفقهية التي تتعرض للمشغلة الأساسية لعلم الفقه باعتباره علما بالأحكام المالية أو الفرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية ، مع العناية بعدد من المصطلحات الأصولية و الدينية العامة ؛ بحيث نستطيع أن نقرر أن المعاجم الفقهية فى هذا الاتجاه سعت نحو تحقيق الصبغة الموسوعية .
2 -غلبة منهجية التيسير على مناهج
ترتيب المصطلحات فى المعاجم الفقهية المعاصرة .
المتأمل للمناهج التي اتبعها مصنفو المعاجم الفقهية المعاصرة فى اتجاهاتها الثلاثة يلاحظ توزعها على المدارس التصنيفية التالية :
أ- مدرسة الترتيب الهجائي الألفبائى وفق منطوق المصطلح فى الاستعمال .
ب- مدرسة الترتيب الهجائي الألفبائى الجذري .
ج- مدرسة الترتيب الموضوعي .
ونسبق فنقرر أن القراءة الإحصائية لنماذج المعاجم الفقهية المعاصرة التي عينها البحث هنا دالة على رجحان كفة استعمال المنهجية التيسيرية على المستعملين ، بمعنى انه إذا كانت المعاجم الفقهية الموزعة على الاتجاهات الثلاثة يبلغ مجموع عددها أحد عشر معجما ، فإن تسعة منها طبقت منهج الترتيب الألفبائى وفق منطوق المصطلح فى الاستعمال من دون تجريد أو رد إل الجذور أو الأصول ، على حين طبق معجمان اثنان فقط منهج الترتيب الموضوعي فى ترتيب المصطلحات أو الألفاظ الفقهية .
وكانت النسبة المئوية لتطبيق منهجية التيسير 27.7٪ تقريبا.
و النسبة المئوية لتطبيق منهجية الترتيب الموضوعي 18.2٪ تقريبا.
و النسبة المئوية لتطبيق الترتيب الألفبائى الجذري 1٪ تقريبا .
(2/أ)منهج الترتيب الألفبائى وفق شكل استعمال المصطلح الفقهي .
رتب أصحاب المعاجم الفقهية المعاصرة المصطلحات فيها وفق الترتيب الهجائي الألفبائى المشرقي : ( أ /ب /ت/ث/ج/ح…) على حسب الحرف الأول المكون للمصطلح من غير تجريد أور د للجذور أو الصول .
و قد سار على هذا المنهج من معاجم الاتجاه الأول :
1- قاموس الحج و العمرة ، لأحمد عبد الغفور عطار
2- قاموس المصطلحات الاقتصادية فى الحضارة الاسلامية ، للدكتور محمد عمارة .
3- قاموس المصطلحات الاقتصادية فى لغة الفقهاء ، للدكتور نزيه حماد .
وسار عليه من معاجم الاتجاه الثاني :
1- معجم فقه ابن حزم الظاهري .
2- معجم الفقه الحنبلي .
و سار عليه من معاجم الاتجاه الأخير :
1-( معجم ) التعريفات الفقهية ، للمجددى .
2-معجم لغة الفقهاء ، للدكتور محمد رواس قلعه جى و الدكتور حامد صادق قنيبى .
3- معجم المصطلحات و الألفاظ الفقهية ، للدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم .
و قد فطن أصحاب هذه المعاجم جميعا إلى ما يحققه تطبيق هذا المنهج الترتيبي من تيسير على المستعملين ، وعبروا عن هذا الوعي فى مقدمات هذه المعاجم المختلفة ، ومما يدل على ذلك قول أحمد عبد الغفور عطار ( ص 9 ) ” و رتبت كلمات المعجم حسب ترتيب حروف الهجاء ، و لم أجرد الكلمة من المزيد و لم أعدها إلى أصلها بل أبقيت الكلمة كما تنطق ؛ لأن تجريدها إلى الأصل … قد يعسران على أكثر القراء” وهو ما عبر عنه الدكتور محمد عمارة فى ( ص 21) حيث يقول :” فلقد آثرنا ترتيب مواده على النحو الذى ييسر الاستفادة منه والانتفاع به لأوسع جمهور “.
وهو ما نص عليه المجددى البركتى بقوله ص 147 :” و بعد فهذا معجم يشرح الألفاظ المصطلح عليها بين الفقهاء .. مرتبة على الحروف الهجائية ؛ ليسهل تناولها و تعاطيها ” .
وهو ما نص عليه الدكتور محمد رواس قلعه جى و الدكتور حامد صادق ( ص 6) و الدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم ( ص 10 )
( 2/ب) منهج الترتيب الألفبائى الجذري ( التجريدي )
رتب معجم واحد من المعاجم الفقهية المعاصرة التي رصدتها هذه المقالة – المصطلحات الفقهية التي جمعها وفق مراعاة الأصول بعد تجريدها من الزيادات و ردها إلى الأصول ، وهو معجم القاموس الفقهي ، لسعدي أبو جيب ؛ يقول ( ص 9 ) ” تتخلص خطة العمل فيما يأتي : تقديم الفعل الأصلي للكلمة …” . و لم يتضح السر وراء استعمال هذا المنهج ، و يبدو لنا أنه أراد ألا يشعث مشتقات الأصل الواحد فى مواضع متفرقة ؛ طلبا لاجتماعها فى حيز واحد ، وهو بعض ما يحققه هذا المنهج الترتيبي التجريدي ، بحيث نضمن اجتماع الكلمات التالية فى حيز واحد وهى ( أبر / أبر بالتشديد / التأبير ) و مثل ذلك فى ( أثم / و أثم بالتشديد / التأثيم / تأثم / أثام / الإثم / الأثيم / المأثم )
وعلى الرغم من اشتراط هذا المعجم – كما جاء فى خطة العمل ( ص 9 ) تقديم الأفعال على الأسماء فإن ثمة فرقا وقع فى تطبيق هذا المبدأ على ما نرى مثلا فى وضع مصطلح ( التأثيم ) قبل ( تأثم ) !
( 2/ج ) منهج الترتيب الموضوعي .
عرفنا فيما سبق أن ثمة معجمين طبقا ترتيب المصطلحات الفقهية الواردة فيهما وفق تجميع كل مجموعة يربطها رابط من معنى متحد فى حيز واحد ، وهو ما يسمى فى التصنيف المعجمي بمنهج الترتيب الموضوعي الذى يراعى وضع كل مجموعة من الألفاظ يجمعها حقل معنى واحد فى فصل مستقل ، وهذان المعجمان هما :
– دليل السالك للمصطلحات و الأسماء فى فقه الإمام مالك .
– مصطلحات الفقه المالي المعاصر : معاملات السوق
حيث رتب دليل السالك المصطلحات فى أقسام ثلاثة هي :
1-المصطلحات الفقهية و ضمن هذا القسم وزعت المصطلحات كما يلي ( المصطلحات العامة / مصطلحات الأبواب الفقهية / الألفاظ المتفقة المبنى المختلفة المعنى )
2-المؤلفات و ضمن هذا القسم وزعت المصطلحات كما يلي : ( الأمهات و الدواوين / المتون و المختصرات و شروطها / المؤلفات الأخرى )
3-الأعلام و ضمن هذا القسم توزعت مادته كما يلي : ( الأعلام التي تنطق مصحفة / الأسماء التي يخلط بينها / باقي الأعلام )
وواضح من هذا المنهج الترتيبي بروز غايتين أصليتين تقفان وراءه وهما الغاية التعليمية التي تتوخى خدمة طلاب الفقه المالكي و الغاية العلمية البحثية التي تسعى نحو إزالة كثير من صور الالتباس التي تحيط بعدد من المصطلحات .
و قد أحسن الدكتور حمدي شلبي صانع هذا الدليل عندما صنع فهرسا هجائيا ألفبائيا غير تجريدي فى آخره للتيسير على المستعملين .
أما مصطلحات الفقه المالي المعاصر فقد حدد محرره الغاية من ترتيبه موضوعيا بغاية علمية معرفية معتبرة بقوله ( ص 15 ) : ” و خطتنا تعتمد فى البداية على : تقديم المصطلحات من خلال هيكل النظام الاقتصاى الإسلامى لأن ذلك يبين بوضوح مكانها كجزء من خلال كل ، فتظهر الصلة العضوية بينها و بين غيرها من المصطلحات ” ثم يقول ( ص 17 ) ” وهدفنا تقديم معجم لمصطلحات الاقتصاد الإسلامى مرتب حسب الموضوع ” .
وقد توزعت مصطلحات هذا المعجم على أربعة أقسام كما يلي :
1- مصطلحات المشكلة الاقتصادية ( الموارد / الحاجات )
2- مصطلحات الإعمار = الإنتاج ( المال / العمل )
3-مصطلحات الرزق = توزيع الدخل ( الرزق المكتسب ( التوزيع الوظيفي ) / الرزق الحسن ( التوزيع الشخصي)
4- مصطلحات السوق = نظرية القيمة .
و لم يغب عن ذهن محرر المعجم الغاية التيسيرية على المستعملين وهو ما تجلى فى صناعة فهرس ألفبائى غير تجريدي فى ختام المعجم ، وهو وعى برز من بداية المعجم حيث تقول المقدمة ( ص 17 ) :” ثم يرتب فى الفهرسة مع الترتيب الموضوعي على أساس الحروف الأبجدية ( الألفبائية ) ؛ فتيسر للباحث الحصول على المصطلح مباشرة فى صفحته ، و فى نفس الوقت يستطيع – إن أراد – أن يتبين صلته بالموضوع ككل ” .
و لا يخفى ما فى هذه الغايات جميعا من روح إسلامية أصيلة تسعى لتحقيق التيسير ، وهو أصل حاكم فى التصور الإسلامى ، وتسعى كذلك لبناء هيكل مفاهيمي منضبط يمكن صاحبه من خدمة الفكرة الاسلامية ومقاومة غيرها .
3 -امتداد يعرف قيمة التراث و يرعى تواصل الأمة
الحضاري و المعرفي .
من الملاحظات الأساسية على منهجيات ترتيب المصطلحات الفقهية فى المعاجم الفقهية المعاصرة أنها جاءت امتدادا للمنهجيات التي اتبعتها المعجمية العربية العامة و المختصة على السواء ، فاتجاه ترتيب المصطلحات وفق كل المصطلح من غير تجريد سبق استعماله و تطبيقه فى المعجمية المختصة التراثية على ما نجد أمثلة عليه فى التعريفات للجرجاني 816هـ و التعريفات والاصطلاحات لابن كمال باشا 960هـ . كما سبق استعماله فى المعاجم الفقهية القديمة على ما نجد مثالا له فى معجم لغات مختصر ابن الحاجب ، للأموي 806هـ .
صحيح أنه شاع استعماله حديثا بدرجة واضحة لاعتبارات العصر و لاعتبارات المبالغة فى التيسير .
من جانب ثان فقد عرفت المعجمية القديمة تطبيق المنهج الألفبائى التجريدي منذ زمن مبكر جدا إلى أواخر القرن الثاني و أوائل القرن الثالث الهجريين من أيام معجم الجيم لأبى عمرو الشيبانى 224هـ ثم تطويره على يد أبى عبيد الهروى صاحب الغريبين 401هـ و الزمخشرى فى أساس البلاغة 538هـ .
كما عرف تطبيقه فى المعجمية المختصة كذلك منذ زمن مبكر جدا .
ومن جانب أخير فإن منهج الترتيب الموضوعي سبق استعماله فى المعجمية المختصة قديما كما يظهر فى مفاتيح العلوم للخوارزمي 387هـ و فى المعاجم الفقهية التراثية كما عند الازهرى 370هـ فى الزاهر ، و ابن فارس 395هـ فى حلية الفقهاء ، و النسفى 370هـ وطلبة الطلبة ، و غيرهم كثيرون .
ونحن نرى فى هذا الامتداد أثرا مهما لتواصل الأمة الاسلامية معرفيا و حضاريا ، و لتراكم التاريخ العلمي فيها ، بسبب من خدمة الكتاب العزيز .
كما نرى فى انتشار منهجية الترتيب الهجائي غير التجريدي ميلا ظاهرا إلى الإنعام فى التيسير و المبالغة فيه ، وهو استثمار جيد لأصل إسلامي عريق ، نلمح آثار الصحوة الاسلامية فى تفشيه و انتشاره المعاصر فى الميدان العلمي عموما و المعجمي خصوصا .
4-امتداد العناية بالمصطلحات الفقهية فى غير المعاجم الفقهية فى العصر الحديث
و لم يقف أمر العناية بالمصطلحات الفقهية جمعا و ترتيبا و تعريفا عند حدود معاجم المصطلحات الفقهية المعاصرة باتجاهاتها المتنوعة ، و إنما ظهرت تجليات أخرى لهذه العناية فى ميدان قريب الصلة بالمعجمية ، و نقصد به ميدان الموسوعات الفقهية المعاصرة و سنمثل على هذه العناية بأشهر موسوعتين فى العصر الحديث وهما :
1- موسوعة الفقه الإسلامى ( التي يصدرها المجلس الأعلى للشئون الاسلامية ، بالقاهرة ، الذى بدأ فى إصدارها سنة 1381هـ = 1961م ) .
و قد رتبت مداخلها هجائيا ألفبائيا من غير تجريد و اعتنت فى مفتتح كل مدخل بتعريف المصطلح الفقهي عند المذاهب المختلفة .
ومن أمثلة ذلك تعريفها لمصطلح الآبق ( 1/3) بعد مدخل الآبد ، حيث عرفته لغويا ثم عرفته عند الحنفية بأنه ” انطلاق العبد تمردا ” أي خروجا عن الطاعة ، ثم و واصلت تعريفه عند المالكية و الشافعية و الحنابلة و الظاهرية و الشيعة و الزيدية و الإباضية ( 1/3-4) .
2- الموسوعة الفقهية ( التي أصدرتها وزارة الأوقاف و الشئون الاسلامية بالكويت سنة 1400هـ= 1980م )
و قد رتبت مداخلها على الشائع من مناهج الترتيب المعاصر كسابقتها ففي باب الهمزة مثلا تتوالى المصطلحات كما يلي : ( أئمة / آباء / آبار / آبد / آبق / آخر / آجن ، الخ ) و الموسوعة حريصة فى بداية كل مدخل على تعريف المصطلح لغة واصطلاحا ، ومن أمثلة ذلك تعريفها لمدخل ( الآجن ) ( 1/94) بقولها ” و المراد به فى الفقه ما تغير بعض أوصاف أو كلها ( تقصد الماء ) بسبب طول المكث ” .
إن هذه العناية بالاصطلاحات الفقهية فى المعاجم الخاصة بها أو فى غيرها من الموسوعات لتدل أكبر دلالة على ما يتمتع به علم الفقه من الأهمية التي تعكس حاجة المسلمين فى كل عصر إليه .ومقصودنا هنا بيان العناية بمعاجم المصطلحات الفقهية المعاصرة وتلبيتها للحاجات المعرفية الطارئة ، وهو المفهوم من العنوان السابق .
وتدل كذلك على نموه ، و الحاجة الماسة إلى تطويره ، و تطوير خدمة مصطلحاته ، وهو بعض ما تجلى فى هذه القراءة للمعاجم الفقهية المعاصرة (2).
حواشي البحث
1-انظر فى توثيقها و طبعاتها و مناهجها كتاب : تراث المعاجم الفقهية فى العربية : دراسة لغوية فى ضوء أصول صناعة المعجم و المعجمية للدكتور خالد فهمي ، مكتبة إيتراك ، بالقاهرة سنة 2003م
2-المقصود هو معاجم المصطلحات الفقهية ، لا المعاجم الفقهية بمعنى المدونات الفقهية التي تجمع الآراء و المسائل لفقيه من الفقهاء أو لمذهب فقهي من المذاهب .