ما بعد 23 يوليو.. مصر بين القمع والتسول

24_07_16_02_27_21780

خلف الانقلاب الذي قام به بعض ضباط الجيش في 23 يوليو عام 1952، آثارًا تعاني منها مصر حتى يومنا هذا، فهو الانقلاب الذي كان نواة للحكم العسكري الذي تسبب في تخلف مصر وتفشي الفساد فيها.

منذ 64 عامًا قام تنظيم مايعرف بـ”الضباط الأحرار” بانقلاب عسكري على حكم الأسرة العلوية متمثلة في الملك فاروق ملك مصر والسودان آخر حكام أسرة محمد علي الكبير، فيما عرف بعد ذلك بـ”ثورة يوليو”، وتمكن ضباط الجيش استمالة الشعب، حين ادعوا في بيانهم الأول أنهم يستهدفون تطهير مصر من الفساد، وإقامة نظام جمهوري ديمقراطي، وتحقيق استقلال مصر السياسي والانتقال بها إلى دولة عصرية حديثة.

وتولي اللواء محمد نجيب رئاسة البلاد لمدة عامين شهدتا خلافات بينية بين “الضباط الأحرار”، حسمت لصالح جناح جمال عبد الناصر الذي أجبر نجيب على الاستقالة من منصبه وحدد إقامته قيد الإقامة الجبرية، لينفرد عبد الناصر بالسلطة رئيسًا للجمهورية منذ عام 1954 وحتى وفاته عام 1970.

بداية القمع

مثل أي حاكم عسكري، بدأت حقبة عبد الناصر بمحاولة توطيد أركان النظام الجديد وتصفية معارضيه، وفى هذا الإطار قام نظام عبد الناصر بالضرب بعنف على مظاهر المعارضة التي صدرت من كافة الأطياف السياسية، والعمل على تطهير مؤسسات الدولة المختلفة كالجيش والشرطة، وأجهزة الحكومة من كافة المعارضين، وفرضت الرقابة على الصحافة، وحل مجلس نقابة الصحفيين، وتم حل الأحزاب السياسية، وحظر جماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم فقد نجح النظام في تلك المرحلة في تصفية معارضيه، وأنشأ النظام هيئة التحرير كتنظيم سياسي شمولي وحيد يحل محل الأحزاب والفعاليات السياسية التي تم حلها.

وانتهت هذه الفترة بهزيمة يونيو 1967، لتشهد مصر فترة تراجع حاد في المشروع الناصري والتوجهات القومية وانتهت بوفاة عبد الناصر عام 1970.

ثم تولى أنور السادات مقاليد الحكم باعتباره نائبًا للرئيس، والذي بدأ عهده بتصفية مراكز القوى، بالعتقال والإبعاد لمجموعة السياسيين الذين عملوا على مقربة من جمال عبد الناصر وكانوا يدينون بالولاء له، حيث اعتبرهم خطرًا مباشرًا على توجهاته.

واتخذ السادات اتجاهًا مغايرًا بدأ بالانفتاح على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، كبديل استراتيجي عن الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الاشتراكية، لاسيما بعد توقيع اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني برعاية أمريكية عام 1978.

وشهدت مصر اضطرابات سياسية بالغة عقب توقيع اتفاقية السلام مع “إسرائيل”، اعتراضًا على تلك الاتفاقية ورفضًا لتوجهات السادات الجديدة داخليًا وخارجيًا.

واستمرارًا لمسلسل القمع، واجه السادات هذه الاضطرابات بإعلانه قرارات التحفظ في سبتمبر عام 1981، والتي اعتقل على إثرها المئات من النشطاء السياسيين من مختلف الاتجاهات والتيارات المعارضة، وانتهت تلك الحقبة باغتيال السادات في حادث المنصة الشهير في أكتوبر 1981 على يد مجموعة من الضباط والجنود .

وبعد اغتيال السادات، تولى نائبه محمد حسني مبارك الحكم، ليضيف حلقة جديدة من حلقات القمع في مسلسل حكم العسكر في مصر، والذي اتسمت الحياة السياسية في عهده بالجمود والشكلية، حيث عمل على وجود هامش ديمقراطي يتسع أحيانًا ويضيق أحيانًا أخرى طبقًا لإرادة السلطة الحاكمة، مع استمرار العمل بدستور 1971 الذى أعطى الرئيس صلاحيات لا حدود لها، الأمر الذى أدى إلى التفرد والاستبداد بالسلطة طوال حقبة مبارك.

وبعد استشراء الفساد في عهد مبارك، قامت ثورة يناير 2011، والتي كان من أهدافها الإطاحة بالفساد الذي خلفه كل هؤلاء الرؤساء العسكريين من فشل وفساد وظلم وسرقة وتنفيذ مخططات صهيونيه لإبقاء مصر دائمًا دولة نامية لا قيمة لها في كل المجالات، وتنحى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير 2011، وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد.

استمر المجلس العسكري في نفس السياسة التي يتبعها الحكام العسكريين منذ 1952، وفى 23 و24 مايو من عام 2012 أجريت الجولة الأولى من أول انتخابات رئاسية تعددية نزيهة في تاريخ مصر، والتي أسفرت عن تقدم الدكتور محمد مرسى مرشح حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، والفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في حقبة مبارك دون أن يحصل أي منهما على غالبية أصوات الناخبين، ليخوضا معًا جولة الإعادة التي أجريت خلال يومي 16 و17 يونيو 2012، وأسفرت عن فوز الدكتور محمد مرسي بنسبة 51.73% لتنتهي ستة عقود من حكم العسكريين في مصر، وليصل أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا إلى سدة الحكم في مصر لأول مرة في التاريخ.

وبعد عام واحد قاد وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي انقلابًا عسكريًا ضد الرئيس محمد مرسي، ليكمل مسيرة المجلس العسكري الذي فوضة المخلوع حسني مبارك لكي يستمر المسلسل وتبقى المؤسسة العسكرية في حكم مصر ويبقى القمع وتبقى السياسات العسكرية.

مصر تتسول

من أهم سمات الحكم العسكري، التحكم الكامل بالحياة السياسية والاقتصادية، والذي نتج عنه عدد من الأمور التي جعلت مصر دولة متسولة تعيش على المعونات والمساعدات الخارجية بعد أن كانت تحتل أقوى تاسع اقتصاد في العالم عام 1950م. حيث أصبح القمع الأمني هو الأصل ، وامتلأت السجون والمعتقلات بآلاف الأبرياء ، وتحولت مقار الاحتجاز إلى مقابر جماعية ، وعواصم متعددة لجهنم ، وهو ما بدأ خلال عهد عبد الناصر ، وانخفضت مؤشراته خلال عهد السادات ، فيما عاد للزدهار خلال عهد مبارك ، وعقب الانقلاب أصبح نموذجا تحتذي به الدول الأكثر قمعية ووحشية في العالم .
وعلى الصعيد الاقتصادي كانت مصر تمتلك أكبر بورصة قطن في العالم بالإسكندرية، وأكبر مصانع الغزل والنسيج، وكانت القوة الشرائية للجنية المصري أقوى من الجنيه الذهب، والاسترليني، ويعادل أربعة دولارات، رغم الاحتلال الإنجليزي لمصر لما يقرب من 70 عاما.

ويصر حكم العسكر دائمًا على غياب وجود استراتيجية قومية فعلية في المجالات الاقتصادية، فالحاك العسكري مشغول دائمًا بقمع معارضيه حتى يستطيع الانفراد بالسلطة التي اغتصبها.

ومنذ 1952 والاقتصاد المصري يترنح ما بين المقبول والضعيف، فخلال حقبة الخمسينات و الستينات كان الاقتصاد المصري يعتمد على معونات ومساعدات الاتحاد السوفيتي، واختلف الأمر عقب اتفاقية كامب ديفيد، خلال حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لتعيش مصر على المساعدات الأمريكية، ومن تسعينات القرن الماضي حتى الآن تتسول مصر من دول الخليج، الأمر الذي جعل قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي يتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية مقابل حفنة من الأموال.
 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...