مجدي مغيرةيكتب :- المؤامرات قدرٌ علينا أم قعود منا ؟!

08_03_16_11_31_ew

 

بقلم : مجدي مغيرة

إحدى القضايا التي غالبا ما ينتهي بسببها النقاش تجنبا للثرثرة الفارغة والجدل العقيم هي : هل تؤمن بنظرية المؤامرة أم لا ؟

والمؤمن بها يتحمس لها بشدة ، ويفسر كل أمركبيرا كان أم صغيرا في ضوئها حتى لو كانت عاصفة من العواصف ، أو سيلا من السيول ، أو زلزالا من الزلازل ، أو بركانا من البراكين ، أو موت فلان أو علان من الناس .

ومن لا يؤمن بها غالبا ما يدعي العقلانية ، ويدعي التفكير الواقعي والمنطقي و…. و….. و يتهم المؤمنين بها بأوصاف قد تؤدي إلى عواقب وخيمة ، ولذلك كثيرا ما نجد الكتاب والمفكرين حينما يتحدثون في قضايا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أوغيرها حتى يجنب الواحد منهم نفسه تهمة عدم العقلانية أو عدم المنطقية أو عدم الواقعية تجدهم يسبق كلامَهم عبارةُ “لستُ من المؤمنين بنظرية المؤامرة ولكنْ” .

وطبيعي أن تكونَ للدول العظمى ذات الثقل الكبير والتأثير العظيم أهدافٌ كبيرةٌ تتحرك من خلالها في تعاملها مع مختلف دول العالم ، وبسبب حرصها على تحقيق أهدافها ، فهي تعادي هذا ، وتصادق ذاك ، وتتحالف مع دول ، وتقطع علاقتها بأخرى ، وتقدم مساعدات لمن يحتاج أو تمنعها ، كل ذلك وفق أجندتها التي تتحرك من خلالها .

وكذلك للدول الناشئة ذات الطموح الكبير مخططاتٌ للمستقبل القريب والبعيد ، تبحث من خلالها عن مكان لها بين من يرسمون خريطة العالم وفق مصالحهم لتشاركهم في التأثير على مجريات الأحداث بما يحقق تلك المصالح .

وهنا يجب أن نفرق بين أمرين : بين المخططات ، وبين قدرات الدول على تحقيقها ، كذلك يجب أن نضع في الاعتبار قوة الخصوم والأعداء المتربصين بتلك الدول ، وأن نضع في الاعتبار أيضا مخططات الدول والجماعات الأخرى المنافسة ، وإضافة إلى ذلك كله يجب أن نعمل حسابا للعوامل الخارجة عن طاقة وقدرة البشر ودورها في إفشال تلك المخططات أو تيسير تحقيقها.

كل هذه عوامل قد تساعد على نجاح المخططات نجاحا كاملا أو نجاحا جزئيا ، أو تكون سببا في إفشالها فشلا كاملا أو فشلا جزئيا ، أو حتى في تحقيق عكس ما أرادوا منها، فليس إذن كل من خطط ودبر ينجح بالضرورة في مسعاه أو يفشل فيه .

ومثال ذلك قيام دولة إسرائيل ، فقد ارتبط فكر المؤامرة في أذهان كثير من الناس بقيامها ، وبسيطرة اليهود على حكومات الغرب والشرق ؛ مما مكنها من تحقيق كثير من أحلامها .

فلليهود بالفعل أحلام كبيرة استطاعوا أن يحولوها إلى مخططات وبرامج عملية ، وبذلوا جهوداً جبارة لتوظيف الظروف والأحوال والشخصيات والدول والحروب لتحقيق هذه المخططات والبرامج ، ولعل نظرة على مؤتمرهم المنعقد في مدينة بازل بسويسرا يوم 29 أغسطس 1897م بزعامة تيودور هرتزل توضح هذا الأمر ، فقد نجح تيودور هرتزل في الترويج لفكرة استعمار فلسطين وإقامة وطن لليهود هناك وفي إقامة المنظمة الصهيونية العالمية القائمة على تنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على أن “هدف الصهيوني هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام” .

لكن في المقابل كانت هناك مقاومة شرسة ضد هذا المخطط بدأت بالسلطان عبد الحميد الثاني ، وبثورات الفلسطينيين المتعددة ضده ، ثم بالمقاومة المسلحة التي قادها الإخوان المسلمون وقد كادت تقضي على هذا الحلم قضاء مبرما لولا خضوع زعماء العرب لضغوط الغرب وخصوصا الحكومة البريطانية .

ورغم نجاح اليهود في إقامة دولتهم إلا أن مقاومتهم استمرت ، وفشلوا في القضاء عليها ، وكانت آخر صورة لتلك المقاومة هي حركة حماس التي صارت شوكة صلبة في حلق اليهود ، وتنمو قوتها وتزداد يوما بعد يوم ، متجنبة كثيرا من أخطاء الماضي ، ومتحملة بصمود نادر ضغوط الواقع المحلي والإقليمي والعالمي الذي يخطط لتدميرها والقضاء عليها .

ومثال آخر وهو تمزيق الدول العربية والإسلامية ، وتقسيمها إلى دول قومية ووطنية ذات حدود جغرافية ألبسوها ثوب القداسة ، وأقاموا الحروب والمعارك من أجلها ، فقد قرأنا مخططات الإنجليز والفرنسيين لتحقيق هذا المخطط ، وعرفنا حرصهم على إبقاء دولنا ضعيفة متخلفة يحكمها طغاة يذيقون شعوبها الذل أشكالاً وألواناً .

ويؤيد صحة هذه المخططات ما قرأت للفيلسوف الفرنسي إرنست رينان المتوفي في 2 من أكتوبر، ١٨٩٢م إذ يقول عن ضرورة احتلال مصر والحرص على ضعفها : “أهمية مصر الاستراتيجية بالنسبة لملكوت البحار، كما بالنسبة للاستيلاء على أعماق إفريقيا، إنما تشير إلى أنه حين يلعب بلدٌ ما دوراً يمس المصالح العامة للبشرية، فإنه يجري دائماً التضحية به، في سبيل هذه المصالح.

والبلد الذي تكون له مثل هذه الأهمية بالنسبة لبقية العالم لن يسعه الانتماء إلى نفسه ، إذ يجري تحييده لحساب البشرية ..” وطبعا لايقصد رينان بالبشرية العالم كله ، وإنما يقصد بها الشعوب الأوربية .

ومازالت أمريكا حريصة على إبقاء تلك الدول ضعيفة ممزقة حتى يتسنى لها تحقيق المصالح العليا لها وللحضارة الغربية ، ونظرة إلى كثير من تصريحات كبار المسئولين الغربيين تدلك على ذلك .

إذن هناك مؤامرات ، وهناك مخططات ، هي موجودة ويجب أن نضعها في اعتبارنا دون مبالغات أو تفسيرات تخرج عن حدود العقل والمنطق ، وتخرج كذلك عن حدود الواقع والممكن .

لكنها ليست قدرا مقدورا ، ولا كتابا مسطورا ، بل هي مخططات نجحت بسبب ضعفنا ، وحققت الكثير من أهدافها بسبب غفلتنا ، ولو امتلكنا أمرنا بأيدينا ، واتخذنا قرارا بتحرير إرادتنا ، لاشك سيكون الأمر على غير ما خططوا ودبروا ، سيكون الأمر على وفق ما نحب ونرجو …

قال تعالى : “وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ” البقرة (120) – .

وقال أيضا : “وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” البقرة (217) .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...