“جيل النكسة في القرآن”.. لم يترك كتاب الله شاردة ولا واردة إلا وتحدث عنها تصريحًا أو تلميحًا وتفصيلاً أو إجمالاً من أجل تحديد طبائع الأمور ورسم خارطة طريق لكل الأجيال القادمة يمكن من خلالها استقراء الحاضر من خلال سير الأولين والوقوف على معادن الشعوب وموقف الذكر من الديكتاتوريات السابقة.
الإعلامي الساخر أحمد بحيري –فى الحلقة الـ63 من برنامجه “تعاشب شاي” على موقع “يوتيوب”- رصد طبيعة التشوهات التى أحدثها حكم العسكر فى الحقب الغابرة فى الشعوب المقهورة، وكيف نسج شخصيات ممسوخة وأفرز طباع مشوهة، وقف أمامها القرآن بكثير من التأمل والتحليل فى عبرة لأولي الألباب من لدن حكيم خبير.
وأوضح بحيري –فى حلقة “جيل النكسة”- أن الانهزام النفسي الذى صنع ما يتعارف عليه المصريون بجيل الهزيمة أو الشعب الذى ترعرع فى كنف الحكم الناصري، ورد له ذكر مقارب فى القرآن فى الحديث عن حقبة التيه، التى أفرزت الجيل الذى خرج مع نبي الله موسي من مصر بعد سنوات من الذل والقمع تحت الحكم العسكري.
وأشار الإعلامي الساخر إلى أن استبداد العسكر يفرز بطبيعة الحل جيل تغلب عليه الكثير من الصفات السلبية، على رأسها الاستسلام والسلبية والتى وضحها القرآن فى كافة المواقف التى وقعت بين موسي وقومه، والتى لم يجد فى أي منها دعم من رجاله، بل فى كل موطن كانوا يقدمون الخنوع والاستسلام على المقاومة والإقدام، حتى مع دخول الأرض المقدسة لم يحاولوا الخروج من عباءة الخوف “أذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون”.
وشدد بحيري على أن العسكر يغرس فى نفوس الشعوب غريزة انتقاص الذات وفقدان الثقة بالنفس، وهو ما وضح خلال وعد موسي لأتباعه بالنصر حال دخول الأرض المقدسة، إلا أنهم أبدوا انتقاصا واضحا لأنفسهم وتعظيما للغير “إن فيها قوما جبارين”، وهو الأمر الذى علق عليه المفكر البرازيلي باولو فريري بأن الشعوب الخانعة تتبني دائما وجهة نظر الظالم فيها، فتؤمن بالكسل والتصاغر وأنه غير مؤهل للديمقراطية وبالتالي لا يصلح سوي المستبد للحكم.
وأشار إلى أن من التشوهات التى تلحق بالشعوب من حكم العسكر هى الافتتان بالظالم والاعجاب بكافة مظاهر الحياة التى ينعم بها الحاكم المستبد وعصابته، لأنهم يرون نفسهم فى مرتبة أقل من الأدمية بينما الطاغية هو الإنسان الكامل، وهو ما رصده القرآن فى موقف بني إسرائيل من قارون.
الثمة الرابعة من تشوهات الحكم المستبد هى خوف الشعب من الحرية، وهو الأمر الذى يوثقه القرآن فى عدم اتباع قوم فرعون لنبي الله على الرغم من دعوته لخروج المواطنين من تبعية الطاغية، فما آمن معه من قومه إلا قليل، “فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ”.
قائمة التشوهات التى ضربت الشعوب المنكوبة تطول كثيرا فى ظل التغيرات النفسية التى تترسخ فى تلك الكائنات المشوهة والتى تتماثل مع جيل النكسة وأشباه المواطنين فى مرحلة ما بعد ثورة يناير، وتأتي على رأسها “التدين المشوه” و”الطغيان على الأقران”، و”عدم الصبر” على طريقة “خدنا إيه من الثورة”، و”الانقياد للإعلام”، وغيرها من الإفرزات التى ترسخت فى نفوس المقهورين لتنتج قديما جيل التيه وأحفادهم النكسجية.