في تطور جديد في الأزمة المتصاعدة بين شيخ الأزهر وقائد الانقلاب العسكري، وضمن مساعي التغريب وعلمنة المجتمع المصري، رفض رئيس البرلمان علي عبد العال إدراج مشروع قانون الأحوال الشخصية المقترح من مؤسسة الأزهر، ضمن جدول أعمال اللجان النوعية بمجلس النواب.
وفق ما كشفته مصادر برلمانية عن أن علي عبد العال رفض طلباً شفهياً من رئيس لجنة الشؤون الدينية في البرلمان أسامة العبد، بإحالة مشروع قانون الأحوال الشخصية (الأسرة) المُعد من الأزهر إلى اللجان المختصة لمناقشته، خلال لقاء جمعهما أخيراً، تحت ذريعة أن “الأزهر ليس له صفة دستورية للتقدم بمشاريع القوانين“.
وأضافت المصادر أن “عبد العال” احتد على “العبد”، على الرغم من العلاقة الجيدة التي تربطهما، مبرراً رفضه مناقشة مقترح الأزهر بشأن القانون بأن الدستور اختص رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، وأعضاء البرلمان، باقتراح التشريعات على سبيل الحصر، وبالتالي يجب انتظار تقدم الحكومة بمشروعها عن القانون إلى البرلمان.
فيما رجحت مصادر عدم تقدم الحكومة بمشروعها بشأن الأحوال الشخصية في وقت قريب، بهدف تفويت فرصة مناقشته في دور الانعقاد الحاليّ، الذي يعد الخامس والأخير في الفصل التشريعي، ومن ثم تأجيله إلى التشكيل الجديد لمجلس النواب، على اعتبار أن هذا التشريع قد يؤدي إلى حالة من الغضب المجتمعي إزاء مؤسسات الدولة حال تمريره على عجل، وهو ما يتخوف معه، “تأجيج شريحة كبيرة من المواطنين على سياسات النظام الحاكم“.
واعتبرت المصادر أن موقف عبد العال ليس فردياً، وإنما استند إلى تعليمات أعلى، يُرجح أنها من مؤسسة الرئاسة، في ظل الصراع المستتر بين السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، في ما يخص القضايا الدينية، لا سيما أن القانون من التشريعات التي يعتبرها النظام “شائكة”، ويحتاج إلى مزيد من المراجعة والتدقيق قبل طرحه على الرأي العام.
مشروع قانون الأزهر
وبداية أزمة القانون، تعود إلى 18 من أكتوبر 2017 حين أصدر شيخ الأزهر قرارًا بتشكيل “لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المصرية المتعلقة بالأحوال الشخصية، لتقديمه لمجلس النواب، وذلك بعد مراجعة الأزهر عدد من القوانين المحالة إليه من اللجنة الدينية ، باعتباره الفيصل في الرأي الشرعي فيما يخص مسائل الزواج والطلاق والنفقة وغيرها.
لكن اتضح للأزهر أن مشروعات القوانين والمقترحات التي قدمها نواب البرلمان ومنظمات نسائية جاءت مخالفة للشريعة الإسلامية.
وعليه قرر الطيب تكليف هيئة كبار العلماء بوضع مشروع قانون متكامل من جانب الأزهر وتجاهل المشاريع الأخرى، وبعد قرابة 30 اجتماعًا أُعلن المشروع النهائي أكتوبر الماضي.
ويتكون مشروع القانون من 192 مادة، استوعبت قضايا الأحوال الشخصية في صياغة تهدف إلى معالجة ما يعاني منه المجتمع من مشكلات، وفق المذكرة الإيضاحية للمشروع.
وحدد القانون المقترح الحالات التي يتم فيها الطلاق بين الزوجين، منها أنه لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائيًا بعقوبة مقيدة للحرية مدة 3 سنوات فأكثر أن تطلب من المحكمة بعد مضي 6 أشهر من حبسه، التطليق للضرر، ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه.
كما أن للزوجة طلب التطليق بسبب امتناع الزوج عن النفقة المستحقة، فإن كان للزوج مال ظاهر نفذ عليه الحكم بالنفقة في ماله، فإن امتنع طلق عليه القاضي، وأيضا، إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها إضرارًا يُخل بالعشرة بينهما، جاز لها طلب التفريق، فإن طلبت التطليق وثبت الضرر وعجز القاضي عن الإصلاح بينهما حكم بالتطليق.
وعلى الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فإن كان متزوجًا فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللائي في عصمته، ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بإرشاد الزوج، وبخطاب مسجل مقرون بعلم الوصول.
وأضاف أن للزوجة التي تزوج زوجها عليها بأخرى وتضررت من ذلك أن تطلب الطلاق.
ويتضمن مشروع القانون آلية محكمة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بقضايا الأسرة، ومراعاة تقديم نفقة عادلة للمرأة في حالة الانفصال؛ بما يضمن رعاية جيدة للأطفال، وكذلك ضوابط الحضانة، ومعالجة المشاكل الناتجة عن تعدد الزوجات، وضبط الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق.
جدل علماني مدني
إلا أن عددا من المؤسسات المدنية انتقدت مشروع قانون الأزهر، فاعتبرت الناشطة الحقوقية، “عزة سليمان”، رئيسة مؤسسة “قضايا المرأة” أن مشروع القانون المقدم من الأزهر يعد تدخلا غير مقبول، يدخل البلاد إلى دائرة الوصاية الدينية التي تخلق مشاكل عديدة، خاصة بين أتباع الديانات الأخرى.
أيضا، يرى التيار المعارض لمشروع الأزهر داخل البرلمان، والذي يقوده مجموعة من النواب، أبرزهم محمد فؤاد، ومحمد أبو حامد، وآمنة نصير، أن الأزهر لم يتعرض لنقاط هامة في مشروعه، مثل حق الرؤية وسن الحضانة للطفل، وهي أمور محل اجتهاد، ويجب أن تخضع لتطورات كل مجتمع، بوصفها تمس نحو 70% من القضايا المتداولة في ساحات المحاكم.
وتنظم قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين أربعة تشريعات في مصر، وهي القانون رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته، والقانون رقم 25 لسنة 1929 وتعديلاته، والقانون رقم 1 لسنة 2000 (إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية)، والقانون رقم 10 لسنة 2014 (إنشاء محاكم الأسرة).
وكان شيخ الأزهر قد قال، في تصريحات متلفزة، إن “الأزهر ليس جهة تشريع، ولكن حين يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية، فلا يجب أن يُترك لغير العلماء”، وهو ما ردت عليه رئيسة “المجلس القومي للمرأة” مايا مرسي بالقول إن “هناك تخوفات من مواد نفقة العدة والطفل، وغيرها من شؤون حقوق المرأة في القانون”، مشددة على ضرورة خروج التشريع بشكل متوازن، وبتوافق مجتمعي حول جميع مواده. إلا أن الطيب رد على الانتقادات الموجهة للأزهر قائلاً، في مقال سابق بمجلة “صوت الأزهر”، إن “إعداد مشروع القانون جاء انطلاقاً من واجب شرعي، لأن التشريع متعلق بمصادر القرآن والسنة”، مضيفاً أن “الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن تنطلق منه أحكام الأحوال الشخصية للأسرة”. وتنص المادة السابعة من الدستور المصري على أن “الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه“.
6 مشروعات قوانين سابقة
ولم يكن مشروع القانون المقدم من الأزهر هو الأول من نوعه لتعديل القانون الحاليّ المعمول به منذ عام 1920، إذ سبقته العديد من المحاولات والتجارب لكن باءت جميعها بالفشل في ظل حزمة من العراقيل التي حالت دون وصول المشروعات إلى ساحات النقاش الرسمية وفي مقدمتها البرلمان.
6 مشروعات قوانين
بشأن قانون الأحوال الشخصية قدمها أكثر من 370 نائبًا خلال الأعوام القليلة الماضية، منها 3 مشروعات خلال العامين الماضيين فقط، حملت تواقيع كل من النائب محمد فؤاد و59 نائبًا، والنائبة عبلة الهواري و60 نائبًا، بجانب النائب سمير رشاد و80 نائبًا.
هذا بخلاف ثلاثة مشاريع أخرى تتضمن تعديلات على بعض المواد في القانون القائم.
وتستهدف تلك المشاريع إعادة تنظيم النواحي الإجرائية والموضوعية المرتبطة بمراحل الزواج، بداية من الخطبة وشروطها، مروراً بالزواج والطلاق والخلع، وصولاً إلى حق رؤية الأطفال والنفقة وإجراءات صرفها. غير أن أزمة اندلعت بين النائب محمد فؤاد ورئيس حزب “الوفد” بهاء الدين أبو شقة، الذي قرر فصل الأول من كافة تشكيلات الحزب، على خلفية تقدمه بمشروع قانون بصورة منفردة.
ويمنح مشروع فؤاد الطرف غير الحاضن حق استضافة الطفل كي يحظى برعاية مشتركة، خلال مدة تراوح بين 24 و48 ساعة، لمساعدة الطفل في التعرف عن قرب إلى ذويه وأقاربه، والتعايش في منزل الأب مع أسرته، بدلاً من نظام الرؤية المعمول به حتى الآن، الأمر الذي واجه رفضاً نسوياً من منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة.
وأبو شقة، الذي يشغل رئاسة لجنة الشؤون التشريعية في البرلمان منذ العام 2016، رفض مناقشة أي اقتراحات مقدمة من النواب حول القانون، بحجة عدم انتهاء الحكومة من إعداد مشروعها حوله، على الرغم من إعلان الأزهر عن مشروع متكامل للقانون، بعد الاستعانة فيه بهيئة كبار العلماء، وذوي الاختصاص والمهتمين بقضايا المرأة والطفل والأسرة.
وسبق أن وعدت الحكومة، ممثلة في مساعد وزير العدل المستشار محمد عيد محجوب، مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 20 أكتوبر الماضي، بالتقدم بمشروع قانون الأحوال الشخصية خلال شهرين، وهو الوعد الذي لم تلتزم به حتى الآن، مع العلم أن الوزارة شكلت لجنة، بناءً على قرار رئيس مجلس الوزراء، لإعداد تشريع ينظم الأحوال الشخصية، والوصية، والميراث، وإجراءات التقاضي.
تهميش دور الأزهر
وتشهد الساحة المصرية جدلا واسعا حول مقترحات مقدمة إلى البرلمان لمشروع قانون الأحوال الشخصية من أكثر من جهة، بينها الأزهر وبرلمانيين والمجلس القومي للمرأة.
ويعتبر نواب داخل البرلمان وكتاب وجهات مهتمة بشؤون المرأة وأيضا مؤسسة الرئاسة، أن الأزهر ليس جهة اختصاص في اقتراح تعديلات قانونية.
وعلى هذه النقطة، رد رئيس جامعة الأزهر السابق “إبراهيم الهدهد”، قائلا إن الأزهر هيئة إسلامية مستقلة، وله وحده دون غيره إبداء الرأي فيما يتعلق بالشؤون الإسلامية، وأحكام الأسرة الإسلامية هو شأن الإسلام، ومن أجل هذا فإن الأزهر هو المنوط بإصدار الرأي في هذا الشأن بناءً على طلب الدولة.
وأضاف “الهدهد”، خلال مداخلة تليفزيونية، مؤخرا، أن “الأزهر قام بدوره (إبداء الرأي) وقدم مشروع قانون الأحوال الشخصية، أما الموافقة على القانون أو رفضه فهي سلطة البرلمان، والأزهر لا ينافسه فيها؛ فالبرلمان جهة تشريع، والأزهر جهة إبداء رأي لا يستطيع أن يتخلى عن دوره“.
تصعيد من السيسي
في 12 ديسمبر الماضي، قال السيسي، خلال فعاليات “منتدى أسوان للسلام والتنمية”، إنه لن يوقّع على مشروع قانون الأحوال الشخصية “إذا تبين أنه لا ينصف المرأة”، مضيفاً “النساء يتخوفن ألا يحقق القانون التوازن والإنصاف والأمان لهن. وأعلم أن البرلمان ونوابه حريصون على المناقشة المتوازنة والمعتدلة لهذا القانون”.
وما زال السجال السياسي محتدما بين الأزهر والسيسي، على الرغم من هدوء وتيرة التصريحات العلنية بين السيسي وشيخ الأزهر لا يعني انتهاء حالة التوتر بينهما، فيما ينقسم نواب البرلمان إلى فريقين، أولهما، وهو الأقل عدداً، يساند مشروع الأزهر حول الأحوال الشخصية، ويقوده أسامة العبد وأعضاء اللجنة الدينية بالبرلمان، والآخر، الأكثر عدداً، يرفض ما يصفه بـ”وصاية الأزهر على أحكام الأسرة باعتبارها شأناً إسلامياً”. ورجحت عدم تقدم الحكومة بمشروعها حول الأحوال الشخصية في وقت قريب، بهدف تفويت فرصة مناقشته في دور الانعقاد الحالي، والذي يعد الخامس والأخير في الفصل التشريعي، ومن ثم تأجيله إلى التشكيل الجديد لمجلس النواب، على اعتبار أن هذا التشريع قد يؤدي إلى حالة من الغضب المجتمعي إزاء مؤسسات الدولة في حال تمريره على عجل، وهو ما قد يؤدي لتأجيج شريحة كبيرة من المواطنين على سياسات النظام الحاكم، إذ أن مشروع القانون يخاطب ما لا يقل عن 15 مليون مصري، بحسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، والتي أشارت إلى وجود أكثر من مليون قضية أحوال شخصية لم يُفصل فيها بعد أمام المحاكم، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الطلاق نحو 24 % من إجمالي حالات الزواج خلال العام الماضي.
وكشفت أحدث إحصاءات المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن نسبة الطلاق في مصر بلغت عام 2018 نحو 24% من إجمالي حالات الزواج، بينما توجد أكثر من مليون قضية أحوال شخصية معروضة أمام المحاكم، بمعدل يبلغ أكثر من 1500 قضية أحوال شخصية كل يوم، هذا بخلاف تخطي عدد أطفال الشقاق الـ15 مليون طفل تقريبًا مشتتين بين أسر مفككة تعاني خلافات زوجية مزمنة استعصى أغلبها على الحل، الأمر الذي دفع إلى ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية المعمول به منذ نحو 100 عام.
محاولات إخضاع شيخ الأزهر
ومؤخرا، رفض شيخ الأزهر محاولات حثيثة بذلها وسطاء من جانب النظام المصري لإصدار رسالة دعم للسيسي والنظام خلال الفترة الراهنة.
إلا أن “الطيب” تحدث بشكل واضح مع الوسطاء بضرورة عدم الزج بالأزهر وشيخه في قضايا سياسية ليس له علاقة بها.
وجاءت الوساطات في محاولة لدعم “السيسي”، الذي يواجه معارضة متنامية، ولرأب الصدع بينه وبين “الطيب“.
وأيضا، شهدت الأعوام السبع الماضية عددًا من محطات التوتر بين الطرفين خرجت من إطار السرية إلى العلن.
والبداية، كانت مع إعلان شيخ الأزهر رفضه إراقة الدماء في فض اعتصام رابعة العدوية في 14 من أغسطس 2013، وفي تسجيل صوتي له قال: “إيضاحًا للحقائق وإبراءً للذمة أمام الله والوطن، يعلن الأزهر للمصريين جميعًا أنه لم يكن يعلم بإجراءات فضّ الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام صباح اليوم“.
الطيب لم يكتف بالإدانة اللفظية للمجزرة وفقط، لكنه توجّه بعد ذلك إلى قريته القرنة بمحافظة الأقصر في صعيد مصر، واعتزل هناك أسابيع عدة، احتجاجًا على ما حدث، وهو ما استفزّ قادة المشهد وقتها، الذين لم يكن في إمكانهم اتخاذ أي موقف ضدّ الطيب نظرًا لحساسية تلك الفترة.
وبعد عامين تقريبًا عن محطة التوتر الأولى جاءت المحطة الثانية في 11 من ديسمبر 2014 حين رفض شيخ الأزهر التوسّع في إصدار فتاوى التكفير أو “التكفير على المشاع”، كما أشار في تصريحات له، رافضًا ما يُتداول في الإعلام المصري بشأن إصدار فتوى تكفير تنظيم الدولة الإسلامية “داعش“.
ثم جاءت أزمة الخطبة الموحدة لصلاة الجمعة، عندما أعلنت وزارة الأوقاف في يوليو 2016 وجود خطبة موحدة مكتوبة للأئمة يوم الجمعة، فيما أعلنت هيئة كبار العلماء رفضها القرار، ليردّ جمعة بالقول: “نحترم هيئة كبار العلماء، لكن القرار غير ملزم“.
وأكّدت هيئة كبار العلماء أن الخطبة الموحدة قد تتسبب في “تجمّد” الخطاب الديني، وذلك في تحدٍّ واضح للحكومة والرئاسة، مضيفةً أن فرض خطبة مكتوبة مسبقًا سيؤدي بعد فترة إلى تسطيح فكر أئمة المساجد، وتابعت “الإمام سيجد نفسه غير قادر على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتخذ من الدين ستارًا لها، وتستخدم بين أساليبها تحريف بعض آيات القرآن والأحاديث النبوية عن مواضعها“.
وفي يناير 2017، وخلال كلمته باحتفالات عيد الشرطة المصرية، فاجأ السيسي المشاركين في الاحتفال بالحديث عن نسب الطلاق المرتفعة في مصر ومدى خطورتها على أمن واستقرار الأسرة، وطالب بتعديل قانون الطلاق ليصبح الطلاق المعتمد فقط هو الموقّع أمام المأذون.
يبدو أن مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي يناقش حاليًّا سيكون أداةً جديدةً لتعميق الخلاف بين الرئاسة والأزهر، وحلقة جديدة في مسلسل الصراع بينهما، الأمر الذي يرجح عدم الانتهاء من المشروع في الوقت الحاليّ
لكن الأزهر وبعد مرور أسبوعين تقريبًا على تصريحات السيسي أصدر بيانًا مذيلاً بتوقيع الطيب يرفض فيه هذا التعديل المتنافي مع الشرع، على حد تعبيره، البيان لم يرفض مقترح الرئيس فقط، بل خُتم بفقرة حادة اعتبرها مراقبون موجهةً للسيسي شخصيًا، وتقول: “على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حلّ مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم“.
وبعد تلك المحاولات غير المجدية لدفع الإمام للاستقالة، ارتأت السلطات اللجوء إلى أسلوب آخر في المواجهة، يعتمد في المقام الأول على تخفيف ثقل الطيب ووزنه في المؤسسة، وإبعاد كل رجاله الأقوياء من حوله، والإطاحة بأجنحته التي يعتمد عليها في إدارة شؤون المؤسسة.
وعليه رفض الرئيس التجديد للذراع اليمني للطيب، الدكتور عباس شومان، كوكيل للمشيخة عامين جديدين، الذي حاول شيخ الأزهر استمراره في منصبه، ولحق ذلك القرار، وقف ندب المستشار محمد عبد السلام، المستشار الخاص بشيخ الأزهر، والمسؤول عن الأمور التنظيمية والقانونية داخل المشيخة.
وفي الإطار ذاته اتخذ الخلاف منحى آخر، يعكس حجم الهوة بين الدولة والأزهر، حيث ناور النظام بطرح أسماء أخرى بديلة للطيب وتصعيدها إعلاميًا بشكل غير مسبوق، رافق ذلك تضخيم إعلامي لها وتسريبات بين الحين والآخر بشأن إعادة هيكلة في المشيخة ربما تطال أذرعها الإمام ذاته.
ترأس قائمة تلك الأسماء المرشحة، مفتي البلاد شوقي علام، ومستشار الرئيس أسامة الأزهري، وكلاهما يبدي مرونة شديدة في التعاطي مع الأمور الدينية والمواقف السياسية، لكن من جهة أخرى، تتحرك الدولة إلى المؤسسة المنافسة حيث تدفع وزارة الأوقاف الدينية باتجاه مبادرة لتدريب الأئمة في الأكاديمية الوطنية الملحقة برئاسة الجمهورية، عوضًا عن تدريبهم في الأزهر.
ومؤخرا، شنت صحف حكومية هجوما على “الطيب”؛ حيث تصدرت صورته مجلة “روز اليوسف” الحكومية، أواخر نوفمبر 2018، تحت عنوان “الفقيه الذي عذبنا.. وهذه معاركك الحقيقية يا فضيلة الإمام“.
ويأتي موقف البرلمان برفض مناقشة قانون الأزهر، في إطار توقعات بجولة جديدة من الصدام بين السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، ليضاف إلى سلسلة التوترات بين الطرفين خلال الأعوام الأخيرة، وذلك في ظل تمسك الأزهر بأحقيته في إبداء الرأي فيما يتعلق بالقوانين التي تمس الشريعة، كون القضايا التي يتضمنها قانون الأحوال الشخصية قضايا دينية من الدرجة الأولى، وفي المقابل إصرار مؤسسة الرئاسة والفريق المؤيد لها برلمانيًا ومجتمعيًا على إبعاد المؤسسة الدينية عن مثل هذه المسائل وإخضاعها للحوار المجتمعي فقط.
وذلك على الرغم من أن المرجعيات القانونية، تؤكد أن للأزهر كمؤسسة دينية نظر كل القوانين المتعلقة بالشريعة الإسلامية، حيث أوضح الفقيه الدستوري فؤاد عبد النبي، أن الدستور المصري نص صراحة في المادة السابعة على أن الأزهر الشريف هو هيئة إسلامية علمية مستقلة، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ومن ثم يكون رأي الأزهر في قوانين الأحوال الشخصية من صميم عمله وكفله له القانون والدستور ورأيه ملزم للبرلمان.
أبعد من “الأحوال الشخصية”
وتشير تفاعلات الواقع السياسي والبرلماني والديني إزاء قانون الأحوال الشخصية، المقترح من الأزهر، إلى محاولة من نظام السيسي لفرض الرؤى العلمانية على كافة تفاصيل المجتمع المصري، في جميع قطاعاته السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.. وفق مشروع علماني مضاد لجهود الأسلمة المطبقة إلى حد ما في دائرة ضيقة من قوانين الأسرة والميراث، وما قانون الأحوال الشخصية سوى محطة من محطات فرض النموذج العلماني، الذي تتبدل شعاراته ومنطلقاته، تارة بين الإرهاب، والمدنية ، والحريات، وإزاحة الدين من الحياة الاجتماعية.. وغيرها من حياة المصريين، الذين يراهن النظام العسكري القائم على تغيير هويتهم إرضاء للغرب والصهاينة والحليف الأمريكي ، وللكنيسة التي تتمتع بدور سياسي واسع داخل أروقة السيسي.
وهو ما يفسره التحركات الحثيثة لتغيير المناهج الدينية ومناهج الأزهر الذي يتهم في الإعلام المقرب من السيسي بالإرهاب، بجانب محاولات برلمانية تديرها الأجهزة المخابراتية، لتعديل القانون 101 لتنظيم الأزهر، بما يسمح بتحديد مدة تولي شيخ الأزهر للمنصب، بالإضافة إلى استحداث مادة تسمح بمحاسبة شيخ الأزهر وإمكانية عزله، إلا أن الطيب يوازن في علاقاته بين مؤسسات الدولة العميقة وتمتد علاقاته لداخل الأجهزة المخابراتية والقضائية بجانب دعم إقليمي له من الإمارات والسعودية لترؤسه مجلس حكماء المسلمين، الذي أنشأ لمواجهة اتحاد علماء المسلمين الذي يترأسه أحمد الريسوني بعد الشيخ القرضاوي والذي يدعم من قطر.
في تطور جديد في الأزمة المتصاعدة بين شيخ الأزهر وقائد الانقلاب العسكري، وضمن مساعي التغريب وعلمنة المجتمع المصري، رفض رئيس البرلمان علي عبد العال إدراج مشروع قانون الأحوال الشخصية المقترح من مؤسسة الأزهر، ضمن جدول أعمال اللجان النوعية بمجلس النواب.
وفق ما كشفته مصادر برلمانية عن أن علي عبد العال رفض طلباً شفهياً من رئيس لجنة الشؤون الدينية في البرلمان أسامة العبد، بإحالة مشروع قانون الأحوال الشخصية (الأسرة) المُعد من الأزهر إلى اللجان المختصة لمناقشته، خلال لقاء جمعهما أخيراً، تحت ذريعة أن “الأزهر ليس له صفة دستورية للتقدم بمشاريع القوانين“.
وأضافت المصادر أن “عبد العال” احتد على “العبد”، على الرغم من العلاقة الجيدة التي تربطهما، مبرراً رفضه مناقشة مقترح الأزهر بشأن القانون بأن الدستور اختص رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، وأعضاء البرلمان، باقتراح التشريعات على سبيل الحصر، وبالتالي يجب انتظار تقدم الحكومة بمشروعها عن القانون إلى البرلمان.
فيما رجحت مصادر عدم تقدم الحكومة بمشروعها بشأن الأحوال الشخصية في وقت قريب، بهدف تفويت فرصة مناقشته في دور الانعقاد الحاليّ، الذي يعد الخامس والأخير في الفصل التشريعي، ومن ثم تأجيله إلى التشكيل الجديد لمجلس النواب، على اعتبار أن هذا التشريع قد يؤدي إلى حالة من الغضب المجتمعي إزاء مؤسسات الدولة حال تمريره على عجل، وهو ما يتخوف معه، “تأجيج شريحة كبيرة من المواطنين على سياسات النظام الحاكم“.
واعتبرت المصادر أن موقف عبد العال ليس فردياً، وإنما استند إلى تعليمات أعلى، يُرجح أنها من مؤسسة الرئاسة، في ظل الصراع المستتر بين السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، في ما يخص القضايا الدينية، لا سيما أن القانون من التشريعات التي يعتبرها النظام “شائكة”، ويحتاج إلى مزيد من المراجعة والتدقيق قبل طرحه على الرأي العام.
مشروع قانون الأزهر
وبداية أزمة القانون، تعود إلى 18 من أكتوبر 2017 حين أصدر شيخ الأزهر قرارًا بتشكيل “لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المصرية المتعلقة بالأحوال الشخصية، لتقديمه لمجلس النواب، وذلك بعد مراجعة الأزهر عدد من القوانين المحالة إليه من اللجنة الدينية ، باعتباره الفيصل في الرأي الشرعي فيما يخص مسائل الزواج والطلاق والنفقة وغيرها.
لكن اتضح للأزهر أن مشروعات القوانين والمقترحات التي قدمها نواب البرلمان ومنظمات نسائية جاءت مخالفة للشريعة الإسلامية.
وعليه قرر الطيب تكليف هيئة كبار العلماء بوضع مشروع قانون متكامل من جانب الأزهر وتجاهل المشاريع الأخرى، وبعد قرابة 30 اجتماعًا أُعلن المشروع النهائي أكتوبر الماضي.
ويتكون مشروع القانون من 192 مادة، استوعبت قضايا الأحوال الشخصية في صياغة تهدف إلى معالجة ما يعاني منه المجتمع من مشكلات، وفق المذكرة الإيضاحية للمشروع.
وحدد القانون المقترح الحالات التي يتم فيها الطلاق بين الزوجين، منها أنه لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائيًا بعقوبة مقيدة للحرية مدة 3 سنوات فأكثر أن تطلب من المحكمة بعد مضي 6 أشهر من حبسه، التطليق للضرر، ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه.
كما أن للزوجة طلب التطليق بسبب امتناع الزوج عن النفقة المستحقة، فإن كان للزوج مال ظاهر نفذ عليه الحكم بالنفقة في ماله، فإن امتنع طلق عليه القاضي، وأيضا، إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها إضرارًا يُخل بالعشرة بينهما، جاز لها طلب التفريق، فإن طلبت التطليق وثبت الضرر وعجز القاضي عن الإصلاح بينهما حكم بالتطليق.
وعلى الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فإن كان متزوجًا فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللائي في عصمته، ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بإرشاد الزوج، وبخطاب مسجل مقرون بعلم الوصول.
وأضاف أن للزوجة التي تزوج زوجها عليها بأخرى وتضررت من ذلك أن تطلب الطلاق.
ويتضمن مشروع القانون آلية محكمة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بقضايا الأسرة، ومراعاة تقديم نفقة عادلة للمرأة في حالة الانفصال؛ بما يضمن رعاية جيدة للأطفال، وكذلك ضوابط الحضانة، ومعالجة المشاكل الناتجة عن تعدد الزوجات، وضبط الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق.
جدل علماني مدني
إلا أن عددا من المؤسسات المدنية انتقدت مشروع قانون الأزهر، فاعتبرت الناشطة الحقوقية، “عزة سليمان”، رئيسة مؤسسة “قضايا المرأة” أن مشروع القانون المقدم من الأزهر يعد تدخلا غير مقبول، يدخل البلاد إلى دائرة الوصاية الدينية التي تخلق مشاكل عديدة، خاصة بين أتباع الديانات الأخرى.
أيضا، يرى التيار المعارض لمشروع الأزهر داخل البرلمان، والذي يقوده مجموعة من النواب، أبرزهم محمد فؤاد، ومحمد أبو حامد، وآمنة نصير، أن الأزهر لم يتعرض لنقاط هامة في مشروعه، مثل حق الرؤية وسن الحضانة للطفل، وهي أمور محل اجتهاد، ويجب أن تخضع لتطورات كل مجتمع، بوصفها تمس نحو 70% من القضايا المتداولة في ساحات المحاكم.
وتنظم قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين أربعة تشريعات في مصر، وهي القانون رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته، والقانون رقم 25 لسنة 1929 وتعديلاته، والقانون رقم 1 لسنة 2000 (إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية)، والقانون رقم 10 لسنة 2014 (إنشاء محاكم الأسرة).
وكان شيخ الأزهر قد قال، في تصريحات متلفزة، إن “الأزهر ليس جهة تشريع، ولكن حين يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية، فلا يجب أن يُترك لغير العلماء”، وهو ما ردت عليه رئيسة “المجلس القومي للمرأة” مايا مرسي بالقول إن “هناك تخوفات من مواد نفقة العدة والطفل، وغيرها من شؤون حقوق المرأة في القانون”، مشددة على ضرورة خروج التشريع بشكل متوازن، وبتوافق مجتمعي حول جميع مواده. إلا أن الطيب رد على الانتقادات الموجهة للأزهر قائلاً، في مقال سابق بمجلة “صوت الأزهر”، إن “إعداد مشروع القانون جاء انطلاقاً من واجب شرعي، لأن التشريع متعلق بمصادر القرآن والسنة”، مضيفاً أن “الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن تنطلق منه أحكام الأحوال الشخصية للأسرة”. وتنص المادة السابعة من الدستور المصري على أن “الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه“.
6 مشروعات قوانين سابقة
ولم يكن مشروع القانون المقدم من الأزهر هو الأول من نوعه لتعديل القانون الحاليّ المعمول به منذ عام 1920، إذ سبقته العديد من المحاولات والتجارب لكن باءت جميعها بالفشل في ظل حزمة من العراقيل التي حالت دون وصول المشروعات إلى ساحات النقاش الرسمية وفي مقدمتها البرلمان.
6 مشروعات قوانين
بشأن قانون الأحوال الشخصية قدمها أكثر من 370 نائبًا خلال الأعوام القليلة الماضية، منها 3 مشروعات خلال العامين الماضيين فقط، حملت تواقيع كل من النائب محمد فؤاد و59 نائبًا، والنائبة عبلة الهواري و60 نائبًا، بجانب النائب سمير رشاد و80 نائبًا.
هذا بخلاف ثلاثة مشاريع أخرى تتضمن تعديلات على بعض المواد في القانون القائم.
وتستهدف تلك المشاريع إعادة تنظيم النواحي الإجرائية والموضوعية المرتبطة بمراحل الزواج، بداية من الخطبة وشروطها، مروراً بالزواج والطلاق والخلع، وصولاً إلى حق رؤية الأطفال والنفقة وإجراءات صرفها. غير أن أزمة اندلعت بين النائب محمد فؤاد ورئيس حزب “الوفد” بهاء الدين أبو شقة، الذي قرر فصل الأول من كافة تشكيلات الحزب، على خلفية تقدمه بمشروع قانون بصورة منفردة.
ويمنح مشروع فؤاد الطرف غير الحاضن حق استضافة الطفل كي يحظى برعاية مشتركة، خلال مدة تراوح بين 24 و48 ساعة، لمساعدة الطفل في التعرف عن قرب إلى ذويه وأقاربه، والتعايش في منزل الأب مع أسرته، بدلاً من نظام الرؤية المعمول به حتى الآن، الأمر الذي واجه رفضاً نسوياً من منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة.
وأبو شقة، الذي يشغل رئاسة لجنة الشؤون التشريعية في البرلمان منذ العام 2016، رفض مناقشة أي اقتراحات مقدمة من النواب حول القانون، بحجة عدم انتهاء الحكومة من إعداد مشروعها حوله، على الرغم من إعلان الأزهر عن مشروع متكامل للقانون، بعد الاستعانة فيه بهيئة كبار العلماء، وذوي الاختصاص والمهتمين بقضايا المرأة والطفل والأسرة.
وسبق أن وعدت الحكومة، ممثلة في مساعد وزير العدل المستشار محمد عيد محجوب، مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 20 أكتوبر الماضي، بالتقدم بمشروع قانون الأحوال الشخصية خلال شهرين، وهو الوعد الذي لم تلتزم به حتى الآن، مع العلم أن الوزارة شكلت لجنة، بناءً على قرار رئيس مجلس الوزراء، لإعداد تشريع ينظم الأحوال الشخصية، والوصية، والميراث، وإجراءات التقاضي.
تهميش دور الأزهر
وتشهد الساحة المصرية جدلا واسعا حول مقترحات مقدمة إلى البرلمان لمشروع قانون الأحوال الشخصية من أكثر من جهة، بينها الأزهر وبرلمانيين والمجلس القومي للمرأة.
ويعتبر نواب داخل البرلمان وكتاب وجهات مهتمة بشؤون المرأة وأيضا مؤسسة الرئاسة، أن الأزهر ليس جهة اختصاص في اقتراح تعديلات قانونية.
وعلى هذه النقطة، رد رئيس جامعة الأزهر السابق “إبراهيم الهدهد”، قائلا إن الأزهر هيئة إسلامية مستقلة، وله وحده دون غيره إبداء الرأي فيما يتعلق بالشؤون الإسلامية، وأحكام الأسرة الإسلامية هو شأن الإسلام، ومن أجل هذا فإن الأزهر هو المنوط بإصدار الرأي في هذا الشأن بناءً على طلب الدولة.
وأضاف “الهدهد”، خلال مداخلة تليفزيونية، مؤخرا، أن “الأزهر قام بدوره (إبداء الرأي) وقدم مشروع قانون الأحوال الشخصية، أما الموافقة على القانون أو رفضه فهي سلطة البرلمان، والأزهر لا ينافسه فيها؛ فالبرلمان جهة تشريع، والأزهر جهة إبداء رأي لا يستطيع أن يتخلى عن دوره“.
تصعيد من السيسي
في 12 ديسمبر الماضي، قال السيسي، خلال فعاليات “منتدى أسوان للسلام والتنمية”، إنه لن يوقّع على مشروع قانون الأحوال الشخصية “إذا تبين أنه لا ينصف المرأة”، مضيفاً “النساء يتخوفن ألا يحقق القانون التوازن والإنصاف والأمان لهن. وأعلم أن البرلمان ونوابه حريصون على المناقشة المتوازنة والمعتدلة لهذا القانون”.
وما زال السجال السياسي محتدما بين الأزهر والسيسي، على الرغم من هدوء وتيرة التصريحات العلنية بين السيسي وشيخ الأزهر لا يعني انتهاء حالة التوتر بينهما، فيما ينقسم نواب البرلمان إلى فريقين، أولهما، وهو الأقل عدداً، يساند مشروع الأزهر حول الأحوال الشخصية، ويقوده أسامة العبد وأعضاء اللجنة الدينية بالبرلمان، والآخر، الأكثر عدداً، يرفض ما يصفه بـ”وصاية الأزهر على أحكام الأسرة باعتبارها شأناً إسلامياً”. ورجحت عدم تقدم الحكومة بمشروعها حول الأحوال الشخصية في وقت قريب، بهدف تفويت فرصة مناقشته في دور الانعقاد الحالي، والذي يعد الخامس والأخير في الفصل التشريعي، ومن ثم تأجيله إلى التشكيل الجديد لمجلس النواب، على اعتبار أن هذا التشريع قد يؤدي إلى حالة من الغضب المجتمعي إزاء مؤسسات الدولة في حال تمريره على عجل، وهو ما قد يؤدي لتأجيج شريحة كبيرة من المواطنين على سياسات النظام الحاكم، إذ أن مشروع القانون يخاطب ما لا يقل عن 15 مليون مصري، بحسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، والتي أشارت إلى وجود أكثر من مليون قضية أحوال شخصية لم يُفصل فيها بعد أمام المحاكم، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الطلاق نحو 24 % من إجمالي حالات الزواج خلال العام الماضي.
وكشفت أحدث إحصاءات المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن نسبة الطلاق في مصر بلغت عام 2018 نحو 24% من إجمالي حالات الزواج، بينما توجد أكثر من مليون قضية أحوال شخصية معروضة أمام المحاكم، بمعدل يبلغ أكثر من 1500 قضية أحوال شخصية كل يوم، هذا بخلاف تخطي عدد أطفال الشقاق الـ15 مليون طفل تقريبًا مشتتين بين أسر مفككة تعاني خلافات زوجية مزمنة استعصى أغلبها على الحل، الأمر الذي دفع إلى ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية المعمول به منذ نحو 100 عام.
محاولات إخضاع شيخ الأزهر
ومؤخرا، رفض شيخ الأزهر محاولات حثيثة بذلها وسطاء من جانب النظام المصري لإصدار رسالة دعم للسيسي والنظام خلال الفترة الراهنة.
إلا أن “الطيب” تحدث بشكل واضح مع الوسطاء بضرورة عدم الزج بالأزهر وشيخه في قضايا سياسية ليس له علاقة بها.
وجاءت الوساطات في محاولة لدعم “السيسي”، الذي يواجه معارضة متنامية، ولرأب الصدع بينه وبين “الطيب“.
وأيضا، شهدت الأعوام السبع الماضية عددًا من محطات التوتر بين الطرفين خرجت من إطار السرية إلى العلن.
والبداية، كانت مع إعلان شيخ الأزهر رفضه إراقة الدماء في فض اعتصام رابعة العدوية في 14 من أغسطس 2013، وفي تسجيل صوتي له قال: “إيضاحًا للحقائق وإبراءً للذمة أمام الله والوطن، يعلن الأزهر للمصريين جميعًا أنه لم يكن يعلم بإجراءات فضّ الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام صباح اليوم“.
الطيب لم يكتف بالإدانة اللفظية للمجزرة وفقط، لكنه توجّه بعد ذلك إلى قريته القرنة بمحافظة الأقصر في صعيد مصر، واعتزل هناك أسابيع عدة، احتجاجًا على ما حدث، وهو ما استفزّ قادة المشهد وقتها، الذين لم يكن في إمكانهم اتخاذ أي موقف ضدّ الطيب نظرًا لحساسية تلك الفترة.
وبعد عامين تقريبًا عن محطة التوتر الأولى جاءت المحطة الثانية في 11 من ديسمبر 2014 حين رفض شيخ الأزهر التوسّع في إصدار فتاوى التكفير أو “التكفير على المشاع”، كما أشار في تصريحات له، رافضًا ما يُتداول في الإعلام المصري بشأن إصدار فتوى تكفير تنظيم الدولة الإسلامية “داعش“.
ثم جاءت أزمة الخطبة الموحدة لصلاة الجمعة، عندما أعلنت وزارة الأوقاف في يوليو 2016 وجود خطبة موحدة مكتوبة للأئمة يوم الجمعة، فيما أعلنت هيئة كبار العلماء رفضها القرار، ليردّ جمعة بالقول: “نحترم هيئة كبار العلماء، لكن القرار غير ملزم“.
وأكّدت هيئة كبار العلماء أن الخطبة الموحدة قد تتسبب في “تجمّد” الخطاب الديني، وذلك في تحدٍّ واضح للحكومة والرئاسة، مضيفةً أن فرض خطبة مكتوبة مسبقًا سيؤدي بعد فترة إلى تسطيح فكر أئمة المساجد، وتابعت “الإمام سيجد نفسه غير قادر على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتخذ من الدين ستارًا لها، وتستخدم بين أساليبها تحريف بعض آيات القرآن والأحاديث النبوية عن مواضعها“.
وفي يناير 2017، وخلال كلمته باحتفالات عيد الشرطة المصرية، فاجأ السيسي المشاركين في الاحتفال بالحديث عن نسب الطلاق المرتفعة في مصر ومدى خطورتها على أمن واستقرار الأسرة، وطالب بتعديل قانون الطلاق ليصبح الطلاق المعتمد فقط هو الموقّع أمام المأذون.
يبدو أن مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي يناقش حاليًّا سيكون أداةً جديدةً لتعميق الخلاف بين الرئاسة والأزهر، وحلقة جديدة في مسلسل الصراع بينهما، الأمر الذي يرجح عدم الانتهاء من المشروع في الوقت الحاليّ
لكن الأزهر وبعد مرور أسبوعين تقريبًا على تصريحات السيسي أصدر بيانًا مذيلاً بتوقيع الطيب يرفض فيه هذا التعديل المتنافي مع الشرع، على حد تعبيره، البيان لم يرفض مقترح الرئيس فقط، بل خُتم بفقرة حادة اعتبرها مراقبون موجهةً للسيسي شخصيًا، وتقول: “على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حلّ مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم“.
وبعد تلك المحاولات غير المجدية لدفع الإمام للاستقالة، ارتأت السلطات اللجوء إلى أسلوب آخر في المواجهة، يعتمد في المقام الأول على تخفيف ثقل الطيب ووزنه في المؤسسة، وإبعاد كل رجاله الأقوياء من حوله، والإطاحة بأجنحته التي يعتمد عليها في إدارة شؤون المؤسسة.
وعليه رفض الرئيس التجديد للذراع اليمني للطيب، الدكتور عباس شومان، كوكيل للمشيخة عامين جديدين، الذي حاول شيخ الأزهر استمراره في منصبه، ولحق ذلك القرار، وقف ندب المستشار محمد عبد السلام، المستشار الخاص بشيخ الأزهر، والمسؤول عن الأمور التنظيمية والقانونية داخل المشيخة.
وفي الإطار ذاته اتخذ الخلاف منحى آخر، يعكس حجم الهوة بين الدولة والأزهر، حيث ناور النظام بطرح أسماء أخرى بديلة للطيب وتصعيدها إعلاميًا بشكل غير مسبوق، رافق ذلك تضخيم إعلامي لها وتسريبات بين الحين والآخر بشأن إعادة هيكلة في المشيخة ربما تطال أذرعها الإمام ذاته.
ترأس قائمة تلك الأسماء المرشحة، مفتي البلاد شوقي علام، ومستشار الرئيس أسامة الأزهري، وكلاهما يبدي مرونة شديدة في التعاطي مع الأمور الدينية والمواقف السياسية، لكن من جهة أخرى، تتحرك الدولة إلى المؤسسة المنافسة حيث تدفع وزارة الأوقاف الدينية باتجاه مبادرة لتدريب الأئمة في الأكاديمية الوطنية الملحقة برئاسة الجمهورية، عوضًا عن تدريبهم في الأزهر.
ومؤخرا، شنت صحف حكومية هجوما على “الطيب”؛ حيث تصدرت صورته مجلة “روز اليوسف” الحكومية، أواخر نوفمبر 2018، تحت عنوان “الفقيه الذي عذبنا.. وهذه معاركك الحقيقية يا فضيلة الإمام“.
ويأتي موقف البرلمان برفض مناقشة قانون الأزهر، في إطار توقعات بجولة جديدة من الصدام بين السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، ليضاف إلى سلسلة التوترات بين الطرفين خلال الأعوام الأخيرة، وذلك في ظل تمسك الأزهر بأحقيته في إبداء الرأي فيما يتعلق بالقوانين التي تمس الشريعة، كون القضايا التي يتضمنها قانون الأحوال الشخصية قضايا دينية من الدرجة الأولى، وفي المقابل إصرار مؤسسة الرئاسة والفريق المؤيد لها برلمانيًا ومجتمعيًا على إبعاد المؤسسة الدينية عن مثل هذه المسائل وإخضاعها للحوار المجتمعي فقط.
وذلك على الرغم من أن المرجعيات القانونية، تؤكد أن للأزهر كمؤسسة دينية نظر كل القوانين المتعلقة بالشريعة الإسلامية، حيث أوضح الفقيه الدستوري فؤاد عبد النبي، أن الدستور المصري نص صراحة في المادة السابعة على أن الأزهر الشريف هو هيئة إسلامية علمية مستقلة، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ومن ثم يكون رأي الأزهر في قوانين الأحوال الشخصية من صميم عمله وكفله له القانون والدستور ورأيه ملزم للبرلمان.
أبعد من “الأحوال الشخصية”
وتشير تفاعلات الواقع السياسي والبرلماني والديني إزاء قانون الأحوال الشخصية، المقترح من الأزهر، إلى محاولة من نظام السيسي لفرض الرؤى العلمانية على كافة تفاصيل المجتمع المصري، في جميع قطاعاته السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.. وفق مشروع علماني مضاد لجهود الأسلمة المطبقة إلى حد ما في دائرة ضيقة من قوانين الأسرة والميراث، وما قانون الأحوال الشخصية سوى محطة من محطات فرض النموذج العلماني، الذي تتبدل شعاراته ومنطلقاته، تارة بين الإرهاب، والمدنية ، والحريات، وإزاحة الدين من الحياة الاجتماعية.. وغيرها من حياة المصريين، الذين يراهن النظام العسكري القائم على تغيير هويتهم إرضاء للغرب والصهاينة والحليف الأمريكي ، وللكنيسة التي تتمتع بدور سياسي واسع داخل أروقة السيسي.
وهو ما يفسره التحركات الحثيثة لتغيير المناهج الدينية ومناهج الأزهر الذي يتهم في الإعلام المقرب من السيسي بالإرهاب، بجانب محاولات برلمانية تديرها الأجهزة المخابراتية، لتعديل القانون 101 لتنظيم الأزهر، بما يسمح بتحديد مدة تولي شيخ الأزهر للمنصب، بالإضافة إلى استحداث مادة تسمح بمحاسبة شيخ الأزهر وإمكانية عزله، إلا أن الطيب يوازن في علاقاته بين مؤسسات الدولة العميقة وتمتد علاقاته لداخل الأجهزة المخابراتية والقضائية بجانب دعم إقليمي له من الإمارات والسعودية لترؤسه مجلس حكماء المسلمين، الذي أنشأ لمواجهة اتحاد علماء المسلمين الذي يترأسه أحمد الريسوني بعد الشيخ القرضاوي والذي يدعم من قطر.