سيناريوهات الصراع المصري التركي في شرق المتوسط وليبيا

دخلت الأزمة التركية المصرية منعطفا حادا نحو الانزلاق لمواجهة غير مسبوقة، على الصعيدين السياسي والعسكري.

تجلت خلال الأيام التالية لتوقيع تركيا وحكومة طرابلس الليبية اتفاق أمني اقتصادي لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، مع إعلان تركيا استعدادها لإرسال دعم عسكري مباشر ومعلن إلى ليبيا في مواجهة عدوان خليفة حفتر وداعميه الإقليميين.

تجلى التصعيد العسكري من قبل القاهرة، بعدد من الخطوات العسكرية، كمناورات بحرية في البحر المتوسط وإطلاق صاروخ بحري من غواصة، ولقاء السيسي بقائد القوات البحرية أحمد خالد سعيد، ووزير الدفاع محمد زكي، وإعلان القوات المسلحة المصرية قدرتها على ردع أي اعتداء عسكري في البحر المتوسط، تلى ذلك لقاءات سياسية مع السيسي ورؤساء  وزراء اليونان وقبرص مؤخرا بالقاهرة.

وفي مقابل ذلك، قام الرئيس التركي بطلب من البرلمان التركي بالموافقة على تخويله إرسال قوات عسكرية لليبيا، بناء على طلب حكومة طرابلس.

فيما دخل الاتفاق الأمني الليبي التركي حيز التنفيذ فجر الخميس 26 ديسمبر، بعد نشره في الجريدة الرسمية التركية.

ونشرت الجريدة قرار المصادقة على مذكرة التفاهم التي أبرمت بين حكومتي تركيا والوفاق الوطني الليبية في 27 نوفمبر الماضي.

وفي 21 ديسمبر الجاري، وافقت الجمعية العامة للبرلمان التركي على مقترح قانون حول المصادقة على مذكرة التفاهم.

وتشمل المذكرة دعم إنشاء قوة الاستجابة السريعة التي من ضمن مسؤوليات الأمن والجيش في ليبيا، لنقل الخبرات والدعم التدريبي، والاستشاري والتخطيطي والمعدات من الجانب التركي. عند الطلب يتم إنشاء مكتب مشترك في ليبيا للتعاون في مجالات الأمن والدفاع بعدد كاف من الخبراء والموظفين.

كما تنص المذكرة على توفير التدريب، والمعلومات التقنية، والدعم، والتطوير والصيانة، والتصليح، والاسترجاع، وتقديم المشورة، وتحديد الآليات، والمعدات، والأسلحة البرية، والبحرية، والجوية، والمباني، والعقارات، ومراكز تدريب بشرط أن يحتفظ المالك بها.

وتشمل أيضا تقديم خدمات تدريبية واستشارية تتعلق بالتخطيط العسكري ونقل الخبرات، واستخدام نشاطات التعليم والتدريب نظم الأسلحة والمعدات في مجال نشاطات القوات البرية، والبحرية، والجوية المتواجدة ضمن القوات المسلحة داخل حدود البلدين.

هذا إلى جانب المشاركة في التدريب والتعليم الأمني والعسكري، والمشاركة في التدريبات العسكرية أو المناورات المشتركة، والصناعة الخاصة بالأمن والدفاع، والتدريب، وتبادل المعلومات الخاصة، والخبرات وتنفيذ المناورات المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وأمن الحدود البرية، والبحرية، والجوية.

كما تنص المذكرة على التعاون في مجال مكافحة المخدرات، والتهريب، وعمليات التخلص من الذخائر المتفجرة والألغام، وعمليات الإغاثة في حالات الكوارث الطبيعية، والتعاون في مجال الاستخباراتي والعملياتي.

ومن ضمن مجالات التعاون بين الطرفين، الخدمات الطبية والصحية للشرطة والجيش، ونظم الاتصالات والإلكترونيات والدفاع (السيبراني) الإلكتروني، وحفظ السلام، وعمليات الإسعاف الإنسانية ومكافحة القرصنة، وتبادل المعرفة حول قانون البحار والنظم القانونية العسكرية، والتخريط وعلم وصف المياه، وتبادل الموظفين الضيوف والمستشارين والوحدات، وتبادل المعلومات والخبرات في مجالات البحث العلمي والتقني في المجالات العسكرية والأمنية، والنشاطات الثقافية والاجتماعية والرياضية، والتاريخ العسكري، الأرشيف، النشر وعلم المتاحف، وتبادل وتشاطر المعرفة حول الوعي بالحالة في البحار والتعاون في عمليات أمن البحار.

وفي السياق نفسه، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس: إن هناك دولاً تدعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وإن تركيا لن تسمح بتكرار انقلاب مصر في ليبيا، مشددا على أن تركيا ستلبي أي دعوة إلى إرسال قوات تركية لليبيا.

ولفت أردوغان إلى أن تركيا تذهب إلى الأماكن التي تُدعى إليها، مبدياً معارضته لما يقوم به  حفتر.

وأضاف أردوغان، في اجتماع لقيادات محلية في حزب العدالة والتنمية “سنقدم جميع أنواع الدعم لحكومة طرابلس في كفاحها ضد الجنرال الانقلابي المدعوم من دول أوروبية وعربية مختلفة”.

وتابع: “سنعرض على البرلمان مشروع قانون لإرسال قوات إلى ليبيا عندما يستأنف عمله في يناير”، معرباً عن إصرار تركيا على مشاركة تونس والجزائر وقطر في مؤتمر برلين المرتقب حول ليبيا.

حقوق تركية

وبشأن الاتفاق التركي الليبي، قال الرئيس التركي: “هدفنا في البحر المتوسط ليس الاستيلاء على حق أحد، بل على العكس من ذلك، نهدف إلى منع الآخرين من الاستيلاء على حقنا”.

تركيا وتونس

كما جاءت زيارة لأردوغان غير معلن عنها مسبقا لتونس، الأربعاء الماضي،  بصحبة وفد ضم وزيري الدفاع والخارجية ومدير المخابرات ومستشارين أمنيين. وهي أول زيارة لزعيم أجنبي لتونس منذ انتخاب الرئيس “قيس سعيد” رئيسا للبلاد واستلامه لمنصبه في أكتوبر الماضي.

وخلال الزيارة جرى الإعلان عن توافق في الرؤى الأمنية الإقليمية والاتفاق على تفعيل تعاون إقليمي تركي قطري تونسي جزائري،  حول ليبيا  من أجل الوصول لحلول سلمية للقضية الليبية.

حيث أعلنت الرئاسة التونسية، الأربعاء: أن الرئيس “قيس سعيد” طرح أثناء لقائه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، مبادرة للسلام في ليبيا.

وتضمنت محادثات الرئيس التونسي ونظيره التركي طرح “مبادرة تونس للسلام” في ليبيا تقوم على جمع الليبيين على كلمة سواء وطي صفحة الماضي.

وأضافت: إن ممثلي القبائل والمدن الليبية أعربوا عن استعدادهم لهذه المبادرة، مشيرة إلى  تأكيد الرئيس التركي على أن استقرار ليبيا مهم لاستقرار دول الجوار، وفي مقدمتها تونس، مشددا على أن لتونس دورا مهما في استتباب الأمن في ليبيا.

وشملت المباحثات سبل الإسراع بالعمل على وقف إطلاق النار في ليبيا في أقرب وقت.

وأكد أردوغان أنه طلب من المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” والرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” مشاركة قطر وتونس والجزائر في قمة برلين حول النزاع في ليبيا.

وقال “سعيد”، في المؤتمر الصحفي: إن الاتفاق الموقع بين تركيا وليبيا والمتعلق بترسيم الحدود البحرية لا يمس تونس، ولم يكن مطروحا في لقائه مع “أردوغان“.

ومن جهته، أوضح الرئيس التركي أن دولتي تركيا وليبيا تملكان كامل الصلاحيات لاتخاذ القرارات بشأن الاتفاقية وأن التحفظ اليوناني لم يكن مبررا.

وعلى الجانب الآخر، أعلن وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، “فتحي باشاغا”، أن بلاده تعتزم الدخول في تحالف موحد مع كل من تركيا وتونس والجزائر، داعيا في الوقت ذاته لتوحيد الجهود لإطلاق عملية سياسية من شأنها وقف إطلاق النار.

وقال “باشاغا” في مؤتمر صحفي، الخميس 26 ديسمبر: “سيكون هناك تعاون كبير مع تركيا وتونس والجزائر، وسنكون في حلف واحد، وهذا سيخدم شعوبنا واستقرارنا الأمني”.

وأضاف وزير الداخلية أن حكومة الوفاق تقبل حل أزمة البلاد سياسيا، “لكن الطرف الآخر يرفض ذلك”.

إلا أن الرئاسة التونسية  سارعت ونفت انضمامها لأية تحالفات إقليمية، وقالت المكلفة بالإعلام في الرئاسة التونسية، “رشيدة النيفر”، في تصريحات صحفية، أكدت أن بلادها “لم تنضم لأي تحالف“.

وشددت “رشيدة” لصحيفة “الصباح نيوز” المحلية، أن “تونس متمسكة بحيادها في الملف الليبي، على نفس المسافة من مختلف الأطراف، ولم تنضم لأي تحالف”.

ويرجع مراقبون أن سبب ذلك الإعلان المرتبك، يرجع لغضب بعض الاحزاب التونسية، حيث عبّرت أحزاب سياسية تونسية، وهي حركة “مشروع تونس” و”التيار الشعبي والدستوري الحر” و”آفاق تونس” و”حزب العمال” في بيانات لها عن توجّسها من أهداف الزيارة التي أداها الرئيس التركي إلى البلاد وخشيتها من الدخول في سياسة المحاور في العلاقة بالملف الليبي، على الرغم من تاريخ تونس الطويل في الاستقلالية الدبلوماسية.

وتعد تونس من الدول التي لها حرص خاص على استقرار الأوضاع في ليبيا، وكان لها موقف معارض من الحملة العسكرية التي شنها اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” على العاصمة طرابلس لإسقاط حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، بدعم من مصر والإمارات والسعودية وروسيا وفرنسا.

وكان الرئيس التونسي قد التقى، الثلاثاء، وفدا من ممثلي المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، بحث إمكانية إطلاق مبادرة لحل الأزمة في البلاد.

وخلال الاجتماع، أكد “سعيد” على وجوب احترام الشرعية الدولية في ليبيا، في إشارة إلى حكومة الوفاق الوطني.

وتشن قوات “حفتر”، منذ 4 أبريل الماضي، هجومًا للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس (غرب)، مقر الحكومة.

وأجهض هذا الهجوم جهودًا كانت تبذلها الأمم المتحدة لعقد مؤتمر حوار بين الليبيين، ضمن خريطة طريق أممية لمعالجة النزاع الليبي القائم منذ عام 2011.

وقد تباينت المواقف من الزّيارة غير المعلنة للرئيس التركي إلى تونس الأربعاء 25 ديسمبر 2019 بين من يرى أنها اصطفاف معلَن وواضح لتونس للمحور التركي القطري وأنها دليل على انزلاق الدبلوماسية التونسيّة في الاصطفاف، وهي التي بُنيت لسنوات على مبدأ الحياد وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، فما بالك بدولة شقيقة وجارة مثل ليبيا، وبين من يرى أن هذه الزيارة دليل إيمان قوي من تركيا بأهمية تونس في الملف الليبي وبالتالي، فإن الزيارة بمثابة إنعاش للدبلوماسية التونسية وتفعيل للدور التونسي في الأزمة الليبية الرّاهنة من خلال العمل على حضورها بقوة في مؤتمر برلين المقرر في بداية السنة المقبلة 2020 والذي سيجمع القوى العظمى لبحث الملف الليبي.

ارتباك تونسي

وتتزامن هذه الزيارة مع فراغ حكومي ومأزق سياسي تمرّ به البلاد، لذلك قلّل عدد من المتابعين للمشهد السّياسي في تونس من أهميتها على المستوى التجاري أو الاقتصادي في وقت يصل فيه العجز التجاري لتونس مع تركيا إلى حوالي 20 مليار دولار.

أهداف تركيا من الدخول إلى ليبيا

وبحسب اندبندنت عربية” فإن الغاية من زيارة أردوغان لتونس في هذا التوقيت، هدفها استيضاح الموقف التونسي بخصوص الأزمة الليبية، لأن تركيا ترغب فعلياً في الدخول إلى الميدان في ليبيا بعد أن وقّعت مذكرة تفاهم مع الحكومة الليبية برئاسة فائز السّراج وهي لا تحتاج إلى الأراضي أو المطارات التونسية كما يتم الترويج لذلك، لأن تركيا لها وجود في الميدان الليبي ولها الإمكانيات البحرية التي تمكنها من الوصول إلى ليبيا من دون استعمال تونس كجسر.

وعما سيلحق تونس من ضرر في حال نشوب حرب في ليبيا، فإن مشكلة تونس هي استنزاف قواتها الأمنية والعسكرية لضمان الأمن على الحدود الليبية التونسية الممتدة على مسافة حوالي 460 كيلومتراً، كما أنّ التدخل التركي بات مرهوناً بالاتفاق مع روسيا حول شكل هذا التدخل.

فيما يذهب محللون ليبيون إلى أن  توقيت الزيارة ليس مناسباً لتونس بالنظر إلى الوضع الخاص الذي تمر به في غياب حكومة، وفي ظل عدم استقرار سياسي ووضوح الرؤية بالنسبة إلى الدبلوماسية التونسية، بينما التوقيت مناسب لتركيا لأنها وقّعت مذكرة تعاون عسكري مع حكومة السراج وتنتظر موافقة البرلمان التركي على إرسال وحدات عسكرية إلى الأراضي الليبية لو طلبت منها الحكومة الليبية ذلك، لصدّ الهجوم الذي يشنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.

وتأتي تلك التحركات الإقليمية التصعيدية في شرق المتوسط وليبيا، بين محوري مصر واليونان وقبرص –التي زار رئيس وزرائها بنغازي- للتأكيد على دعمها حفتر ضد الاتفاقية التركية مع حكومة طرابلس بشأن ترسيم الحدود البحرية، والتي تراها تضر بالمصالح اليونانية والقبرصية في البحر المتوسط.

وبحسب مراقبين، فإن تطورات المشهد في شرق المتوسط، قد تضع مصر وتركيا في مواجهة عسكرية في ليبيا  قد تمتد لشرق المتوسط.

صدام عسكري مرتقب

فبعدما هدد السيسي بالتدخل العسكري “المباشر” في ليبيا بعد إعلان تركيا استعدادها إرسال قوات لليبيا ضد غزو خليفة حفتر، بات من المؤكد أن ليبيا علي شفير حسم قادم سواء باتجاه إرسال السيسي قوات مصرية، أو باتجاه حسم تركيا الأمر بالدعم العسكري والقوات التركية لإنهاء دور حفتر.

ويزيد من احتمالات هزيمة حفتر وتراجعه واندحار قواته، ليس فقط صمود قوات طرابلس بفعل مدرعات وطائرات تركيا المسيرة بدون طيار، ولكن – وهو تحول هام للغاية – دخول قوات مصراته الحرب ضد حفتر وهي القوات الأساسية التي كان يتكون منها جيش القذافي ولديها أغلب سلاحه.

وبعد تدخلات غير رسمية ودعم عسكري لمتمردي حفتر، اعترف السيسي بالتدخل (غير المباشر) في ليبيا ودعمه حفتر ولكنه هدد هذه المرة (بالتدخل المباشر).

وزعم السيسي خلال مؤتمر شباب العالم، الأخير أن الحكومة الليبية المدعومة من طرف الأمم المتحدة أسيرة الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية في البلاد، وأن مصر “لم تتدخل بشكل مباشر في ليبيا”، ولديها القدرة على القيام بذلك، مضيفًا: “كان أولى بنا نحن أن نتدخل بشكل مباشر ولدينا القدرة، لكننا لم نفعل احتراما لظروف ليبيا والحفاظ على علاقة الأخوة بيننا وبين الشعب الليبي”!!

ورغم إعلان حفتر ساعة الصفر أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة، لاحتلال طرابلس فقد فشل في أي تقدم وتراجعت قواته وتردد أن قوات مجهولة جوا قصفت مقراته ويعتقد أنها طائرات تركية كما وصل دعم عسكري تركي لحكومة طرابلس بموجب الاتفاق الأمني بينهما وهو ما اعترف به حفتر.

وبهذا الاعتراف الرسمي من السيسي بسعيه لدعم حفتر يكون دور مصر في حل أزمة ليبيا انتهي وهو غباء سياسي يجعل دور مصر في ليبيا منتهي في ظل سيطرة حكومة تعاديها حكومة السيسي.

وميدانيا، تسعى قوات حفتر المدعومة من مصر والإمارات ومرتزقة روس وأفارقه تحاول إنهاء العمليات العسكرية وحسم المعركة واحتلال طرابلس قبل الموعد المحدد لمؤتمر برلين المخصص لحل المشكلة الليبية ولهذا زار حفتر السيسي عدة مرات لطلب وتنسيق الدعم العسكري.

فيما تسارع تركيا الزمن لإرسال قوات بحرية وبرية وجوية إلى ليبيا لحسم المعركة مع حفتر.

ولعل الحسم العسكري ضد حفتر وداعميه، قد يتبلور ميدانيا في الأيام المقبلة، بعد  دخول مصراته الحرب علنا في بيانات رسمية، حيث أعلن المجلسان البلدي والعسكري في مدينة مصراتة الليبية حالة النفير القصوى وإرسال كل القوات للمشاركة في عمليات الدفاع عن العاصمة طرابلس.

فقوات مصراته تستحوذ على غالبية أسلحة جيش القذافي وقد استفزهم حفتر وقصفهم عدة مرات، ما دفعهم للإعلان في بيان شارك فيه نواب في البرلمان وأعيان وآمرُ المنطقة العسكرية الوسطى، تشكيل غرفة طوارئ في المدينة تعمل على إنهاء وحسم المعركة، ورد العدوان على طرابلس.

ومعني بيان مصراته وبيان أردوغان بالتدخل أن السيسي لا يمكنه التدخل عسكريا بشكل مباشر والاكتفاء بإرسال خبراء وأسلحة وإلا دخل في صراع مباشر كمستنقع اليمن للجيش المصري.

ولا شك أن إعلان النفير العام في مصراتة التي بها أقوى الميلشيات وأكثر الأسلحة سيكون له عدة تداعيات استراتيجية من الناحية العسكرية منها: تخفيف الضغط على طرابلس، وفتح جبهة هجومية على مرتزقة  حفتر، وشل حركته على الأرض وحركة طيرانه الذي تحركه الإمارات والروس.

ويبدو من تصريحات السيسي أنه كان يتمني التدخل في ليبيا قبل سنوات عسكريا لإجهاض ثورتها ولكن الظروف لم تسمح له، لهذا فهو يسعي لتحديث الجيش والقوات البحرية خصوصا بأسلحة عديدة منها صفقات سلاح غير ضرورية.

حيث تم إبرام صفقات تسليحية مباشرة وتنويع مصادر التسليح وعدم حصره فقط علي المكون الأمريكي، ولكن علي دول مثل فرنسا، ألمانيا، روسيا، الصين، وتلك الصفقات ركزت بشكل رئيسي علي سلاحي الجو والبحرية مثل سفن الهجوم البرمائي ميسترال، وبناء قوعد عسكرية جوية بحرية قرب حدود ليبيا.

بجانب صفقات تسليحية مع الجانب الألماني تم بمقتضاه الاتفاق على توريد غواصات التايب الهجومية بواقع أربعة قطع قابلة للزيادة، حيث تمتلك غواصات التايب قدرة هجومية نوعية كبيرة، وقدرات متعددة المهام تتنوع ما بين الاستطلاع والرصد وأعمال الاستخبار الإلكتروني.

كما تم تزويد البحرية المصرية بأحدث مدمرات الشرق الأوسط “فرقاطة فريم” الفرنسية، ذات القدرات في مهام القيادة والسيطرة البحرية والاستخبار الإلكتروني ومكافحة الغواصات، ومهاجمة الأهداف البحرية والساحلية وقدرة صاروخية كبيرة بواقع 16 خلية إطلاق لصواريخ ايستر، وصواريخ سطح جو لمهام الدفاع الجوي، وسطح سطح لمهام إغراق الأهداف البحرية المعادية بصواريخ أكسوسيت.

ومن الواضح أن كل هذه التجهيزات تستهدف مواجهة البحرية التركية في البحر المتوسط حال حدث صدام ما خصوصا أنه حدث صدام بالفعل بين إسرائيل وتركيا في البحر المتوسط وتل أبيب أحد أعضاء تحالف رباعي مع مصر واليونان وقبرص لتقسم النفوذ والغاز في البحر للمتوسط.

فقد قامت سفينة حربية تركية بطرد سفينة تنقيب إسرائيلية “بات غاليم” من شرق المتوسط وعلى متنها خبراء من إسرائيل وقبرص، تقوم بمشروع تنقيب مشترك في شرق المتوسط”.

حيث أمرت السفينة الحربية التركية، سفينة غاليم الإسرائيلية عن طريق الاتصال اللاسلكي، بالخروج من المنطقة، وردت إسرائيل بتحليق طائراته فوق السفينة التركية كنوع من الرد.

مؤشرات الصدام العسكري

وفي ضوء هذا التهديد التركي بالمشاركة العسكرية في ليبيا طالما أصبحت حكومة طرابلس مهددة بقوات المرتزقة وأخري “متعددة الجنسيات” كما قالت حكومة الوفاق، ومحاصرة أردوغان مصر واليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل باتفاق الحدود البحرية مع حكومة طرابلس الشرعية، ما يعني أنه لا غاز في شرق المتوسط دون تركيا وليبيا، تتزايد مؤشرات الصدام العسكري.

فالرئيس أردوغان قال بوضوح: “لا يمكن لقبرص الجنوبية ومصر واليونان وإسرائيل إنشاء خط نقل غاز طبيعي من المناطق التي حددها الاتفاق مع ليبيا دون موافقة تركيا، لن نتساهل بهذا الصدد، وكل ما نقوم به متوافق بالتأكيد مع القانوني البحري الدولي”.

الأمر الذي يعني أن خطط مصر لإنشاء خط أنابيب مع إسرائيل واليونان وقبرص مهدد، وكذا تنقيب هذه الدول في البحر المتوسط في المناطق التي تعتبرها تركيا خاضعة لحدودها البحرية بعدما طوّق أردوغان الجميع ووسع حدود بلاده.

وربما لهذا ردت الخارجية المصرية باعتبار الاتفاق التركي الليبي لا يلزم مصر وغير شرعي، وهدد رئيس مجلس النواب المصري على عبد العال أن “مصر لن تقف مكتوفة الأيدي ضد كل ما يهدد مصالحها ولن تقبل بأي عبث من أي دولة أجنبية على حدودها الغربية مع ليبيا” في إشارة لتركيا وتوقيعها مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج مذكرتي تفاهم في مجال التعاون الأمني والمناطق البحرية.

وأكد عبد العال أن مصر ستقف بكل ما أوتيت من قوة قيادة وشعبا وحكومة ضد أي تهديد لمصالحها، قائلا: “سنقف مع جيش خليفة حفتر”، ما يعني حسم مصر أمرها بدعم حفتر ومغامرتها بخسارة الحكومة المعترف بها شرعيا في ليبيا، التي باتت ترفض وساطة مصر وترفض حتى مشاركتها في اجتماع برلين المقبل لحل النزاع.

هناك بالتالي احتمالات أن تندلع حرب خفيه بين قوات حفتر بقيادة مصرية ومباركة إسرائيلية يونانية قبرصية ضد قوات فايز السراج بدعم من قوات تركيا على الأراضي الليبية، أو اندلاع حرب معلنة على الشواطئ البحرية الليبية بين البحرية المصرية والبحرية التركية ونشهد استعراض عضلات في ظل اقتناء مصر سفن حربية جديدة وحاملتي طائرات هليكوبتر فرنسيتين، وتأكيد أردوغان أن قواته منتشرة في البحر المتوسط وجاهزة لحماية حدودها البحرية.

ويبدو أن ما سيحسم الأمر هو التصعيد الكبير الحاصل حاليا والهجوم على طرابلس من كافة الجهات بدعم من آلاف المرتزقة الروس والأفارقة مدفوعي الأجر لإسقاط طرابلس واحتلالها، لإسقاط الربيع العربي عنها، وإسقاط اتفاق تركيا حول غاز المتوسط.

عراقيل ضد تركيا

وعلى الرغم من أن الخارجية الأميركية انتقدت مذكرة التفاهم التي أبرمتها أنقرة وطرابلس للتعاون الأمني، والاتفاق بينهما بشأن الحدود البحرية في شرق المتوسط والتي وصفتها بأنها استفزازية وغير مفيدة، إلا أن المحرك الأساسي للتوجه الأميركي حالياً هو الكونغرس الذي سعى بكل قوة لمواجهة جهود تركيا في شرق المتوسط عبر دعم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل اليونان وقبرص وإسرائيل، فقد كان التشريع الذي أقره الأسبوع الماضي ضمن حزمة الإنفاق الحكومي وصدّق عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، هو رأس الحَربة الذي تدخل به واشنطن كلاعب رئيس في معركة الصراع على الغاز الطبيعي عبر اتفاقات تشاركية في مجالي الأمن والطاقة مع دول شرق البحر المتوسط.

وبينما يعزز تشريع الكونغرس العلاقات العسكرية بين اليونان والولايات المتحدة، كما يرفع حظر تصدير السلاح الأميركي إلى قبرص المفروض منذ عشرة أعوام فإنه يؤكد أيضاً التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها ويضع طموحات تركيا الإقليمية محل اختبار وفي موضع المحاسبة.

وحسب السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، فإن هذا التشريع الذي شارك في صياغته، يقدم مقاربة شاملة لتحقيق الاستقرار للشركاء الإقليميين الأساسيين، في حين وصف السيناتور الديمقراطي بوب مننديز التشريع بأنه يشكل فجر يوم جديد لتواجد ومشاركة الولايات المتحدة في منطقة شرق المتوسط.

ويقول مراقبون في واشنطن: إنه في ظل اكتشاف حقول ضخمة للغاز خلال العقد الماضي في مياه المتوسط بين مصر وقبرص وإسرائيل، تغيرت ديناميات المنطقة المضطربة، ووفرت سبلا جديدة للتعاون الاقتصادي بين إسرائيل والعرب.

وبينما ترفض اليونان وقبرص الاتفاق التركي الليبي باعتباره منافياً للعقل من الناحية الجغرافية لأنه يتجاهل وجود جزيرة كريت اليونانية في منتصف الطريق بين تركيا وليبيا، يتصاعد تحالف مضاد، بتنسيق مصري أمريكي إيطالي يوناني قبرصي، حيث ناقش السيسي وترامب ليل الخميس 26 ديسمبر، التنسيق بين البلدين في شرق المتوسط، لمواجهة ما أسموه التدخل الأجنبي في الشأن الليبي.

سيناريوهات مستقبلية

وفي السياق، كشف المحلل اليوناني “كوستيس باباديوكوس” أن أثينا تحضر نفسها لـ”شهر يناير صعب”، وتستعد لـ4 سيناريوهات تركية في شرق البحر المتوسط.

وذكر “باباديوكوس”، في مقال نشره، الأربعاء، بصحيفة “إيكاثمرني” اليونانية: إن التوقعات تشير إلى أن تركيا ستفي بتهديداتها من خلال تطبيق اتفاقية المنطقة البحرية التي وقعتها مع حكومة الوفاق الليبية، الشهر الماضي، والبدء بالحفر في المناطق المائية التي تقول تركيا إنها تتبعها بناء على الاتفاقية، خلال الأسابيع المقبلة.

واعتبر المقال أن أول السيناريوهات التركية المحتملة شرق المتوسط الأخف وطأة، وهو إرسال تركيا لسفينة استكشاف إلى المياه القريبة من جزيرة كريت اليونانية، لكن داخل حدود منطقة تابعة لليبيا.

ويتمثل السيناريو الثاني، بحسب “باباديوكوس” في إرسال تركيا سفينة استكشاف إلى المياه اليونانية، خاصة بعدما لوح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، في 15 ديسمبر، بأن تركيا لن تكتفي بالبحث عن الثروات النفطية والغازية في البحر المتوسط، وإنما ستقوم بالحفر شرق جزيرة كريت.

وشرق الجزيرة يقع في حدود اليونان البحرية، وفقا لاتفاق ترسيم الحدود المصري – القبرصي، الموقع عام 2013، ولا تعترف به تركيا.

ويتوقع المحلل اليوناني في السيناريو الثالث أن ترافق سفن حربية تركية سفينة الاستكشاف التابعة لأنقرة.

أما السيناريو الرابع، فيتوقع فيه الكاتب اليوناني أن تتواجد مقاتلات تركية في الأجواء اليونانية.

لكن، ما يقوي ظهر أثينا في نظر “باباديوكوس”، هو حصول رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” على دعم نظرائه في الاتحاد الأوروبي خلال القمة الأخيرة، وذلك بالتزامن مع تلقي تركيا إدانات متزايدة من دول المنطقة.

واعتبر الكاتب اليوناني أن “دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خصيصا، ينظر له أيضا كهدية في الوقت الذي تم تعزيز العلاقات فيه بين اليونان وإسرائيل.”

وخلص “باباديوكوس” إلى أن خطر التدخل التركي في المياه اليونانية لا زال محتملا، حتى إنه أكثر من أي وقت مضى، منذ أزمة جزر إميا في عام 1996.

وكانت آخر حلقات الصراع التركي-اليوناني، هو موافقة كل من اليونان، وقبرص، وإيطاليا، و(إسرائيل) على بناء خط غاز “إيست ميد” الذي سيعبر خلال المياه الاقتصادية التي تتنازع عليها كل من اليونان وتركيا.

وتأتي هذه الخطوة بعدما أعلنت أنقرة في نوفمبر الماضي، ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق في ليبيا، ما عدته اليونان انتهاكا لحدودها البحرية، وعلى إثره تم طرد السفير الليبي من أثينا.

واعتبر مراقبون التطورات الأخيرة إنذارا بصدام عسكري قد يحدث إذا تفاقم الأمر.

خاتمة:

ويبقى مستقبل الصراع على ليبيا وفي منطقة شرق المتوسط ملتهبا، في ظل تدخلات دولية عدة من خلال روسيا والإمارات ومصر وفرنسا وأمريكا عبر اتخاذ مواقف متراجعة من التزام الأطراف بالحل السياسي في ليبيا، وفي ظل استمرار حفتر في التمسك بالحرب كأساس لشعبيته، إذ أن التسوية السياسية ستقصيه من المشهد الليبي، بجانب التداخل التركي في المشهد الليبي بقوة دعما للحكومة الشرعية، بجانب خلافات تركيا المتفاقمة مع مصر واليونان وقبرص، لأسباب عدة سواء في الملف السياسي أو الاقتصادي وحقوقها التاريخية في المتوسط وفي قبرص بجانب تصاعد الاحتراب السياسي التركي مع روسيا في ملفات سوريا والذي ينعكس بدوره على ملفات ليبيا وشرق المتوسط.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...