في إطار استراتيجية السيسي للسيطرة على كافة الأملاك والمقار الحكومية والأراضي التابعة للوزارات ومشروعاتها، سواء القائمة أو المتعثرة أو المستقبلية، أوصت لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب الحكومة بوضع جدول زمني للانتهاء من أعمال لجنة حصر الأصول غير المستغلة، ومساءلة المحافظات والوزارات والهيئات التي لم تقدم للجنة بيانات عن حصر الأصول غير المستغلة لديها؛ وذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية إزاء المسئولين عن تعطيل عمل اللجنة المشكلة بقرار من مجلس الوزراء.
من جهتها قالت نجلاء البيلي، رئيس وحدة الأصول غير المستغلة بوزارة التخطيط: إن الأصول المملوكة للجهات الداخلة في الموازنة العامة تبلغ قيمتها الدفترية 619 مليار جنيه، بواقع 3214 أصلًا غير مستغل جرى حصرها، منها 2827 تم تسجيلها إلكترونيا، وأكثر من 1000 أصل غير متنازع عليها.
ممر الصندوق السيادي
حتى الآن لا يمكن مقارنة صندوق مصر السيادي، الذي أطلق عليه «ثراء» بالصناديق الدولية، إذ إن الصندوق أشبه «بالمحفظة» الاستثمارية التي تمتلكها بعض البنوك وشركات الاستثمار؛ نظرًا لحجمه المتواضع نسبيًّا.
ويبلغ رأس مال الصندوق 200 مليار جنيه، والمدفوع 5 مليارات جنيه فقط، ولا تملك مصر أي فوائض مالية لاستغلالها لصالح الصندوق.
وهو ما طرح تساؤلا: من أين سيأتي تمويل صندوق مصر السيادي الذي أُطلق في وقت تسجل فيه مصر ديونًا هي الأعلى في تاريخها؟
إذ تعاني البلاد من ارتفاع الدين الخارجي إلى 108.7 مليار دولار نهاية يونيو 2019، وتمتد آجال سداد الديون لأربعين عاما، وفق بيانات البنك المركزي، فيما أصبح جزءٌ كبيرٌ من الميزانية مخصصا لخدمة الدين.
وتزامن تدشين الصندوق مع خروج استثمارات أجنبية مباشرة خلال العام المالي 2018-2019، بقيمة 7.8 مليار دولار، وهي الأعلى خلال السنوات السبع الأخيرة، علما أنه يفترض أن نشاط الصندوق سوف يتضمن بشكل أساسي الشراكة مع مؤسسات أجنبية.
واللافت أنه رغم الإشادة الدولية الكبيرة بالإصلاحات الاقتصادية في مصر، فإن معظم الاستثمارات المتدفقة هي إما استثمارات في مجال الطاقة، أو استثمارات غير مباشرة تدفق للاستفادة من سعر الفائدة العالي في مصر، فيما يُعرف باسم الأموال الساخنة.
وبحسب خبراء، فإن المصدر الأول لتمويل صندوق مصر السيادي وكلمة السر وراء إطلاقه “هو نقل ملكية أصول وأملاك الدولة غير المستغلة إليه، والتي تُقدر بمليارات الدولارات وإداراتها، وفق عضو مجلس إدارة صندوق مصر السيادي، المصرفي محمد عباس فايد”، الذي أكد سابقًا، في تصريحات صحفية، أن “مصر لديها أصول كثيرة تقدر بأرقام كبيرة، سواء كانت على هيئة أراضٍ أو مبانٍ، أو أماكن تاريخية، ولا يشترط أن يكون التمويل نقديًا»، مشيرا إلى وجود أصول غير مستغلة، ولا تدر أي عوائد مالية”.
وأوضح أن «الصندوق بدأ عمله بالفعل، وأنهم في طور إعداد دراسات خاصة باستراتيجيات الصندوق، وحصر الأصول غير المستغلة في الدولة، ووضع السيسي أول باكورة تعامل الصندوق مع الإمارات من خلال إطلاق منصة استثمارية بقيمة 20 مليار دولار، تستطيع من خلالها الإسهام في مشروعات بالمشاركة مع الصندوق السيادي”.
ماذا يعني نقل أصول وأملاك الدولة للصندوق؟
في يوليو 2018، أقر البرلمان الانقلابي مشروع قانون إنشاء الصندوق السيادي، الذي أعلنت عنه الحكومة المصرية في أبريل 2018؛ بهدف استغلال أصول الدولة، والتعاون مع المؤسسات والصناديق العربية والدولية.
القانون يتيح للصندوق شراء وبيع وتأجير، واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، بعد عمل الدراسات الاقتصادية والفنية والمالية اللازمة، وجذب المستثمرين إليها للمشاركة فيها.
وهناك مخاوف من أن تشكل هذه الخطوة تهديدًا بشأن مستقبل أصول وممتلكات الشعب، التي ستنقل للصندوق بهدف تصفيتها، وفق بعض خبراء الاقتصاد.
وتعد الكلمة العليا في نقل أصول وأملاك الدولة للسيسي، إذ ينص القانون على أن نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة للدولة إلى الصندوق، أو أي من الصناديق التي يؤسسها، يكون بقرار من السيسي.
ويخضع الصندوق السيادي- منذ قرار إنشائه مرورًا بتشكيل مجلس إدارته وصولاً إلى العرض النهائي لمراجعة حسابات الصندوق- لسلطة السيسي.
وانتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، السلطات الواسعة الممنوحة للسيسي، قائلاً: “السيسي هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الصندوق، ولا توجد دولة في العالم تجعل شخصا واحدا مسئولًا عن كل شيء في دولته”.
وحذر من تكرار سيناريو تصفية القطاع العام، قائلا: «ما يجري هو السيطرة على كل مصادر الاقتصاد المصري، كما حدث في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث باعت الدولة القطاع العام في تسعينيات القرن الماضي بدعوى الاستثمار، ما تسبب في خسائر فادحة بالمليارات”.
رهن أصول البلاد
وأعرب أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، عن تخوفه من مآلات هذا الانتقال المشوب بالكثير من الشكوك حول الهدف الرئيسي من الصندوق، وأن يلقى مصير غيره من الصناديق على غرار «تحيا مصر»، و”دعم مصر” القائمة على التبرع.
مضيفا، «في ظل عدم وجود فوائض مالية كبيرة، الصندوق السيادي هو فكرة وهمية (ستار) لإيهام الشعب المصري أن الدولة تنشئ صندوقا سياديا بهدف الاستثمارات، لكن في حقيقة الأمر فإن الغرض منه هو تصفية الاقتصاد المصري بمساعدة الإمارات والسعودية»، حسب قوله.
نفس المخاوف تحدث عنها محافظ البنك المركزي طارق عامر في حديث سابق لرويترز، وحذر من أن «بيع القطاع العام بما يملكه من أصول ضخمة وإيداعها في صندوق مصر السيادي يخدم المشروع الإماراتي بالدرجة الأولى التي تسعى للاستحواذ على قطاعات مهمة في مصر كقطاع الصحة، بعد استحواذها على العديد من المعامل والمستشفيات».
في المقابل، رد عضو مجلس إدارة الصندوق على المخاوف بشأن نقل أصول الدولة غير المستغلة قائلاً: «ماذا نفعل بالأصول الراكدة كدولة؟ فعلى سبيل المثال هناك مصانع متعثرة ولا تحقق أرباحا، فمن واجب الدولة هنا الدخول في المصنع بالشراكة مع القطاع الخاص سواء كان مستثمرا محليا أو أجنبيًّا.
هل يُغرق السيسي مصر في الديون؟
ينص قانون الصندوق على إيجاد كيان اقتصادي كبير في إطار خطة الدولة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وفقا لرؤية مصر 2030، من خلال الشراكة مع شركات ومؤسسات محلية وعالمية لزيادة الاستثمار والاستغلال الأمثل لأصول وموارد الدولة.
وتتكون موارد الصندوق من رأسماله والأصول التي تنتقل ملكيتها إليه، والعائد من استثمار أمواله واستغلال أصوله، والقروض والتسهيلات التي يحصل عليها، وحصيلة إصدارات السندات والأدوات المالية الأخرى، وفق قانون تأسيس الصندوق. ويعني هذا أن الصندوق من حقه الحصول على قروض لتمويل مشروعاته وزيادة رأسماله.
وبشأن موارد الصندوق الأخرى، قال عضو مجلس إدارة صندوق مصر السيادي المصرفي، محمد عباس فايد: إن «قانون الصندوق يسمح بطرح سندات واقتراض من الداخل والخارج، بحيث يتم تحويل الأصول إلى مشروعات، والتي يتم إعداد الهيكل التمويلي لها للاستثمار فيها»، مشيراً إلى أن العائد «سيذهب إما لخزانة الدولة، أو إعادة استثماره في مشاريع أخرى».
ووفق تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي المصري، من المقرر أن تسدد مصر 17.51 مليار دولار خدمة الدين الخارجي للعام المالي الحالي 2019-2020، منها 14.8 مليار دولار أقساط، ونحو 2.7 مليار دولار فوائد.