السيسي والإرهاب .. قراءة في المضامين والتوجهات والتوظيف السياسي

تذهب تفسيرات رصينة إلى أن وجود بل صناعة  تنظيم مسلح على غرار “داعش” أو “ولاية سيناء” يمارس عنفا ووحشية مفرطة، كما حدث في جريمة مسجد الروضة سيناء نوفمبر 2017 والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من “300” مصل؛ هو في حد ذاته، حاجة ضرورية للنظم المستبدة، لأسباب عديدة، أهمها، أن هذه النظم تسوق نفسها أمام الأمريكان والغرب باعتبارها رأس حربة ضد التنظيم الدموي الذي يخشاه الغرب كثيرا، وثانيا، تكتسب هذه النظم بوجوده أو صناعته وتضخمه شرعية مفقودة، وثالثا، تخلط به هذه النظم الأوراق بين التنظيمات المسلحة “داعش والقاعدة” والحركات الإسلامية المعتدلة المؤمنة بالحريات والانتخابات والتداول السلمي للسلطة مثل جماعة الإخوان المسلمين وحماس والجماعة الإسلامية وغيرها، كما توظف هذه النظم وجود مثل هذه التنظيمات الدموية (داعش/ ولاية سيناء) لإسكات معارضيها بحجة قدسية الحرب على الإرهاب وممارسة انتهاكات صارخة ومصادرة الحريات وتكريس الاستبداد بهذه الحجة الملفقة والشماعة الجاهزة.

كما يحقق نظام 30 يونيو من استمرار الحرب على الإرهاب خلال المرحلة الراهنة ترميما لشعبية الجنرال السيسي التي تآكلت بفعل السياسات الخاطئة والفشل المتواصل في كل الملفات السياسة والاقتصادية، كما تمنح الجنرال ذريعة تمكنه من فرض هيمنته على المشهد السياسي والإعلامي وإسكات أصوات منتقديه ومعارضيه بحجة التفرغ للحرب على الإرهاب. ويمثل استمرار العمليات كذلك غطاء ممتازا لفشل العملية السياسية وسحق كل من يفكر في منافسة الجنرال كما جرى مع الفريق شفيق وسامي عنان وغيرهم قبل مسرحية الرئاسة 2018م. معنى هذا أن الحرب ستظل مفتوحة لتؤدي دورها السياسي المطلوب وهو القضاء على الحياة السياسية”، فالقضاء على الإرهاب يعني بث الروح في الحياة السياسية وهي خطر داهم على النظام الفاشي، وعندما يستمر ويعلو صوت المعركة ضد الإرهاب تستطيع إسكات كل الأصوات والزج بأصحابها خلف القضبان”.

ويذهب آخرون إلى اتهام سلطات نظام 30 يونيو العسكر الانقلابي بافتعال معركة التطرف الديني والإرهاب باسم الدين، مؤكدين أن «وراء هذه الحرب المفتعلة «مافيا» تسترزق من ورائها ولا تريد لها أن تتوقف أبدا بل سيقاومون حتى النهاية من أجل سبوبة الاسترزاق».

هذه المافيا التي تقف وراء استمرار الحرب على ما يسمى بالإرهاب وتطالب بتمديدها رغم أنها مستمرة منذ سنوات دون قدرة على الحسم، تتشكل من جنرالات كبار في الجيش والشرطة وتضم قضاة وإعلاميين ورجال أعمال ومراكز بحث وأصحاب أجندات تستهدف استمرار حالة النزيف الذي يفضي في النهاية إلى إضعاف مصر ودخولها في دوامة لا تتوقف، وربما يستهدف البعض جزأرة المشهد المصري أو تدحرجه إلى السيناريو السوري أو الليبي تحت مزاعم أزمة الخطاب الديني.

دور السيسي في صناعة الإرهاب

ويتبنى قطاع من الخبراء والمتخصصين والمحللين السياسيين  وقوف نظام السيسي وراء صناعة ظاهرة الإرهاب وتضخيمها والمبالغة فيها لاعتبارات تتعلق بالتوظيف السياسي لهذه الظاهرة في خدمة النظام لتحقيق أهدافه ومآربه.

فالنظام أولا تأسس على انقلاب عسكري اتسم بأعلى درجات الوحشية والتطرف وأجهض المسار الديمقراطي  الذي جاء ثمرة  من ثمار ثورة 25 يناير السلمية فتم اعتقال الرئيس ورموز الحكومة الشرعية المنتخبة والزج بهم في السجون بتهم سياسية ملفقة. كما ارتكب نظام 30 يونيو عشرات المذابح بحق الملايين الذين خرجوا معبرين بسلمية عن رفضهم لهذا الانقلاب فتم قتل الآلاف في رابعة والنهضة ومصطفى محمود ورمسيس والمنصة والحرس الجمهوري وغيرها. كما تم اعتقال عشرات الآلاف من أنصار الرئيس المنتخب ومورس بحقهم عمليات تعذيب وحشي يندى لها جبين الإنسانية. وتلا ذلك محاكمات مسيسة وصدرت عشرات الأحكام بالإعدام الجماعي وتم اغتيال مئات الشباب خارج إطار القانون وكلها أعمال إرهابية مارستها أجهزة الدولة التي تآمرت وانقلبت على النظام الشرعي المنتخب. الانقلاب بهذه الصورة الوحشية وضع جماعة الإخوان المسلمين في مأزق كبير حيث كان يقوم خطابها في شقه السياسي على التنافس والمشاركة في العملية السياسية والفوز بثقة الشعب وقد حققت ذلك كله وفازت بالرئاسة والبرلمان؛ فماذا حدث بعد ذلك؟ انقلب الجيش على كل ذلك وأطاح بإرادة الشعب الحرة، فأول برلمان منتخب بنزاهة منذ انقلاب 23 يوليو 1952م، تم حله بجرة قلم بعد 5 شهور فقط من انتخابه، والرئيس المدني المنتخب تم الانقلاب عليه بعد سنة واحدة فقط، والدستور الذي أقره الشعب بنسبة 64% في ديسمبر 2012م، لم يستغرق العمل به سوى 6شهور حتى أوقف العسكر العمل به! هذه الإجراءات الاستبدادية المنحرفة شكلت مخرجا لخطاب الجماعات المسلحة التي لا تؤمن أساسا بالعمل السياسي والانتخابات والديمقراطية وراحت تسخر من الإخوان وما آل إليه مسارهم؛ وبذلك بث انقلاب السيسي والعسكر في 30 يونيو 2013م الروح من جديد في خطاب القاعدة وداعش بعد أن كاد هذا الخطاب يتلاشى بعد ثورة 25 يناير2011م.

ثانيا، تؤكد مراكز البحث والتحقيقات الرزينة أن عمليات التعذيب الوحشي التي تمارس في السجون والمعتقلات ومقار الأمن الوطني وأماكن الاحتجاز في المراكز والأقسام المنتشرة في جميع المحافظات منذ انقلاب 30 يونيو حتى اليوم تسهم بلا شك في تعزيز التطرف والإرهاب وتبث روح الثأر والكراهية المتبادلة. وهو ما يتوافق تماما مع الترجمة العربية التي قام بها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يوم 8 مايو 2019 لتقرير “كالنار في الهشيم: نمو التطرف العنيف داخل السجون المصرية”، الصادر عن منظمة هيومن رايتس فيرست، والمنشور في فبراير2019م. يستند التقرير إلى شهادات مروعة جمعها باحثون هيومن رايتس فيرست من سجناء سابقين في مصر، تعكس كيف أن السجون المصرية قد تحولت- في السنوات الأخيرة في ظل حكم السيسي – لبؤر تجييش لجماعات التطرف العنيف. وتتوافق استنتاجات تقرير منظمة هيومن رايتس فيرست مع استنتاجات مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في كتابه الصادر عام 2017 “النُظم التسلطية العربية حاضنة الإرهاب”،* والذي درس العلاقة بين السياسات الاستبدادية والأسباب الجذرية للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بل يتفق كذلك مع التحقيق الاستقصائي الذي نشرته صحيفة “الشروق” في إبريل 2016م تحت عنوان «ملف.. هنا طرة.. مركز حكومي لتجنيد الدواعش” والذي انتهى إلى أن إدارة السجن تتسامح مع انتشار أفكار تنظيم “داعش” وتسمح لهم بالاختلاط بالشباب صغار السن عمدا وهو ما يثير شكوكا حول دور النظام نفسه في ترويج أفكار داعش وبقاء استمرارها لتوظيفها سياسيا لخدمة أهداف النظام.

ثالثا،  يعزز هذه النتيجة ودور النظام في ضمان بقاء التطرف والإرهاب الاتهامات التي وجهها الناشط السيناوي مسعد أبو فجر للسيسي ونجله محمود وكيل جهاز المخابرات العامة، حيث يؤكد أن أحد الضباط هو من ينفذ عمليات قتل الجنود في سيناء بتكليف من السيسي ونجله. وأن الدور القذر الذي يمارسه السيسي في سيناء يمتد إلى مراحل سابقة عندما كان مديرا لجهاز المخابرات الحربية. وأن ضابط المخابرات الذي رمز له بـ”س”  كان يقوم بتأجير الأطفال في سيناء مقابل 200 جنيه مصري (ما يقارب 12 دولاراً أمريكياً) من أجل إطلاق النار على الجنود في سيناء،  وتصوير ذلك على أنها هجمات من تنظيم داعش. وكشف أبو فجر عن أن أجهزة المخابرات أبلغت بعض النشطاء في سيناء بأن السلطات قادرة على فضّ اعتصام رابعة العدوية بخراطيم المياه بعيداً عن القتل، ولكن الأجهزة قالت إن «السيسي يبحث عن شرعية الدم».

رابعا،  تؤكد ثلاث دراسات حديثة عن الأوضاع الأمنية في مصر. أن النظام رغم إمكاناته الضخمة فشل في القضاء على الإرهاب، يأتي في مقدمتها تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، في مايو2019م عن الأوضاع الأمنية في سيناء، تحت عنوان “انتهاكات قوات الأمن المصرية ومسلحي داعش في شمال سيناء”. وتقرير أصدره مشروع بنية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإقليمية، الممول من الاتحاد الأوروبي لدراسة مستقبل المنطقة، والذي نشر في أكتوبر2018م. تحت عنوان “ديناميكيات انتشار الجماعات المسلحة في مصر وليبيا”. وتقرير صدر في يوليو 2018 “خمس سنوات من حرب مصر على الإرهاب”، عن معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، والذي يصدر تقارير دورية عن الأوضاع الأمنية في مصر. وتعزو هذه الدراسات أسباب الفشل إلى اعتماد سياسة القوة الغاشمة فقط في التعامل مع الملف وهو ما يؤدي  إلى ظهور جماعات مسلحة جديدة ترجمة لثأرها مع النظام في دوامة لا تتوقف أبدا. إضافة إلى غياب المعالجة السياسية وفتح أجواء الحرية والاندماج والاحتواء. وتقول إحصاءات معهد التحرير الذي يرصد التطورات الأمنية في مصر بشكل منتظم، أن قوات الأمن المصرية أعلنت رسميا شن 1800 عملية أمنية منذ 2014. ووفقا لوسائل الإعلام،  وفشل النظام المصري في التعامل مع الإرهاب نابعٌ من استراتيجية النظام نفسها” يبلغ العدد الإجمالي لتلك العمليات حوالي 3500 عملية، 40% منها في شمال سيناء. هذا في مقابل وقوع حوالي 2500 هجوم إرهابي في السنوات الخمس التالية للانقلاب. وقد أدت تلك العمليات إلى مقتل سبعة آلاف شخص 95% منهم في شمال سيناء، مع العلم أن قوات الأمن المصرية تواجه جماعة قد لا يتعدّى عدد أفرادها الألف. ومع ذلك، قتل سبعة أضعاف إجمالي المسلحين. كما قتل سبعمائة فرد من أفراد قوات الأمن المصرية في السنوات الثلاث التالية للانقلاب العسكري، وهو ضعف قتلى قوات الأمن المصرية خلال عقد الثمانينات، والذي شهد صراعا مسلحة بين النظام المصري والجماعات الدينية المسلحة. وقد وصل عدد قتلى قوات الأمن المصرية في شمال سيناء من يناير 2014 وحتى يونيو 2018 إلى 1226 فردا. ولا يعرف بالضبط عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا بسبب تلك المواجهات. وتقدر تقارير إعلامية عددهم بأكثر من ستمائة شخص في شمال سيناء وحدها من يوليو 2013 وحتى منتصف 2018. هذا بالإضافة إلى القبض على عشرات آلاف من المعارضين السياسيين والمشتبه فيهم ووضعهم في المعتقلات والسجون، وإزالة حوالي 6850 مبنى في رفح وترحيل عشرات آلاف من المواطنين.

الهوس بالإرهاب «الإسلامي»!

إزاء هذا كله، يبدي رئيس الثورة المضادة عبد الفتاح السيسي اهتماما بالغا بقضية الإرهاب؛ فلا يكاد يخلو لقاء له محليا وخارجيا من المبالغة في التحذير من الإرهاب. ولم تتصدر مشكلة أحاديث وتصريحات وخطابات السيسي كما تصدر “الإرهاب” سواء في خطاباته أمام الأمم المتحدة أو في المنتديات والمؤتمرات التي حضرها أو تلك التي تكفل هو بإقامتها على نفقة الدولة الفقيرة؛ حيث يملك السيسي شغفا لا يقاوم أمام حب الظهور والشو الإعلامي وتقمص شخصية الحكيم الخبير العليم بكل الخفايا والأسرار وكوامن النفوس وصاحب الرؤية الشجاعة الشاملة لمواجهة هذه الظاهرة.

وبتحليل خطابات السيسي ومؤسسات نظامه ومنظومته الإعلامية فإن رؤيته عن الإرهاب تقوم على المضامين الآتية:

أولا، تنطلق رؤية السيسي في مكافحة الإرهاب من موقف راسخ وثابت يتبناه نظامه بأن الإرهاب صناعة “إسلامية” متجاهلا أن المسلمين هو أكثر ضحايا الإرهاب في العالم؛ ونبرهن على ذلك بــ  4 أدلة:

الأول، أن السيسي أشار مرات عدة إلى أن مصر تواجه الإرهاب نيابة عن العالم؛ وهو ما يمثل حصرا للإرهاب بما يجري في مصر فقط دون النظر إلى عالمية الإرهاب وأنه لا يتبع دينا معينا بقدر ما هو فعل مجرم بعيدا عن الانتماء الديني بحسب استراتيجية الأمم المتحدة لمواجهة الإرهاب.

الثاني،  تحذيرات السيسي خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن عقد في فبراير 2019م من دور المساجد في نشر الإرهاب، وتحريض أوروبا على مراقبة المساجد دون غيرها من دور العبادة الأخرى؛ ما يدلل على أن نظرة السيسي للإرهاب هي اتهام الإسلام والمساجد به دون غيره من الديانات الأخرى.

الثالث، أن السيسي يطالب دائما المؤسسات الإسلامية بتجديد الخطاب الديني الإسلامي ولا يوجه نفس المطالب لأصحاب الديانات الأخرى؛ تفسير ذلك يعني أن السيسي يرى الخلل في الخطاب الإسلامي ويحمله المسئولية كاملة على تفشي ظاهرة الإرهاب؛ متجاهلا دور الخطاب السياسي والفشل الاقتصادي والأهم هو دور انقلابه في تعزيز الأفكار والتنظيمات الإرهابية التي لم تكن تؤمن أصلا بالانتخابات والممارسة السياسية السلمية كطريق للتغيير؛ فقد أجهض هو بانقلابه المسار الديمقراطي وبث الروح في أفكار تنظيمات “داعش والقاعدة” من جديد بعد أن كادت تتلاشى بعد نجاح ثورة 25 يناير واحتواء الجميع في عملية سياسية شاملة دون إقصاء لأحد.

الرابع، قيام وزارة التعليم التابعة لحكومة السيسي في مشهد رجعي استبدادي بحرق عشرات بل مئات الكتب الإسلامية لعلماء ربانيين يتصفون بالوسطية والاعتدال بتهمة ترويج هذه المؤلفات للتطرف والإرهاب وهو اتهام صريح للفكر الإسلامي دون غيره بهذه الفرية وتلك الأكذوبة التي يراد تسويقها لأهداف سياسية بحتة لخدمة توجهات النظام وأغراضه.

ثانيا، الخلط العمد بين الحركات الإسلامية المعتدلة التي تؤمن بالمشاركة السياسية والقبول بالديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الانتخابات في إطار تداول سلمي للسلطة مع الحركات الراديكالية التي تمارس التكفير الديني للجميع وتعتبر الديمقراطية في حد ذاتها كفرا وأنها مجرد لعبة غربية لتضليل الشعوب وتؤمن باستخدام “العنف” في مقاومة عنف السلطة والرد عليها بالمثل وصولا إلى إكراه الناس على اتباع أفكارهم وتصوراتهم.

ثالثا، التضخيم والمبالغة في خطورته، حيث وصفه  بالوباء اللعين الذي يستشري في العالم كله من خلال انتقال العناصر المتطرفة عبر الحدود من دولة إلى دولة، أو باتخاذهم بعض الدول ملاذا آمنا، لحين عودتهم لممارسة إرهابهم المقيت، أو من خلال حصولهم على الدعم والتمويل، مختبئين وراء ستار بعض الجمعيات المشبوهة، وأخيراً وليس آخراً، عبر توظيفهم لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لتجنيد عناصر جديدة والتحريض على العنف والكراهية.

رابعا، محاولة تبرير قمعه والتزلف للغرب وقيمه بأن «الإرهاب مختلف كل الاختلاف عن المعارضة السياسية السلمية، التي نقبلها جميعا كظاهرة صحية ومقوم أساسي لأي حياة سياسية سليمة!» لكن السيسي تعامى عن ممارساته القمعية التي طالت الجميع علمانيين وإسلاميين وعسكريين، كما أنه أقصى جميع خصومه ومنافسه عبر استخدام أعتى أدوات القمع والبطش، واتهام أكبر تيار سياسي في مصر حصل على ثقة الشعب ولا يزال يدعمه ثلث المصريين على الأقل بالإرهاب وهو التيار الإسلامي الواسع، وعلى رأسه حركة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة.

خامسا، الخلط العمد بين التطرف من جهة والإرهاب من جهة أخرى، رغم أن التطرف ليس بالضرورة مؤديا إلى الإرهاب، ولذلك  يرى نظام السيسي أن التنظيمات الإسلامية التي يصمها هو بالإرهاب لاعتبارات سياسية على اختلافها تمثل تهديدا متساويا، وأنها تنهل أفكارها من ذات المعين الفكري (الإسلام) الذي يحض علي العنف والقتل وترويع الآمنين! ولذلك يعتبر نظام السيسي أن التطرف هو المظلة الفكرية التي تستند إليها التنظيمات التي يصفها بالإرهابية عبر تزييف المفاهيم الدينية، لتحقيق أهداف سياسية. ومع ضبابية وغموض معنى “التطرف” وعدم وجود تعريف محدد له وكذلك لمعنى الإرهاب فإن السيسي بذلك يفتح الباب واسعا لشن حرب على الإسلام ذاته وجميع علمائه ودعاته إذا عارضوه بدعوى مواجهة التطرف والإرهاب.

سادسا، التأكيد على أن ممارسات السيسي وحربه على الإرهاب إنما تمثل جزءا من الحرب العالمية ضد الإرهاب، والتأكيد على التزامه بمد يد العون والشراكة لكل الحلفاء في المعركة ضد تلك التنظيمات في كل مكان”.  ولذلك ينخرط نظام السيسي في جهود محاربة تنظيم داعش عبر المشاركة في اجتماعات التحالف الدولي لمحاربة داعش، وكذلك من خلال العضوية في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. ترؤس لجنة مكافحة الإرهاب داخل مجلس الأمن عام 2016، الأمر الذي فتح المجال واسعا لطرح رؤية السيسي حول مكافحة الإرهاب.

سابعا، توظيف المؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية لخدمة تصورات السيسي عن الإرهاب، وبخلاف ممارسة التكفير السياسي لكل مخالفيه فإن هذه المؤسسات الدينية أصدرت سيلا من الفتاوى التي تمارس تكفير كل التنظيمات الإسلامية التي رفضت انقلاب السيسي على المسار الديمقراطي في منتصف 2013م، وتتصدر وزارة الأوقاف أولى المؤسسات المتحمسة للقيام بهذه الأدوار المشبوهة، تليها دار الإفتاء عبر مرصدها، بينما رفضت مشيخة الأزهر ممارسة التكفير ليس بحق جماعة الإخوان المسلمين فقط بل رفضت تكفير تنظيم “داعش” ووصفته مسلحيه بالبغاة؛ واعتبرت التكفير في حد ذاته  انزلاقا لا يجوز شرعا لأنه يفتح الباب واسعا  أمام عمليات تكفير مضادة وتضع الأزهر نفسه في ورطة كبيرة هو في غنى عنها.

ثامنا، ضرورة  الحفاظ على ما يسمى بكيان الدولة الوطنية وصيانتها، وإصلاحها في الحالات التي تقتضي ذلك، واعتبر ذلك مفتاح الاستقرار، والخطوة الأولى على طريق إعادة الأمن للشعوب. ويطالب لتحقيق ذلك مزيدا  من التعاون المشترك مع الأصدقاء من الأمريكان والروس والأوروبيين وغيرهم؛ بغرض تدعيم مؤسسات الدولة لمواجهة التحديات الصعبة، مع الاعتداد بمبدأ المواطنة في مواجهة دعوات الطائفية والتطرف. وذلك بهدف ضمان بقاء واستمرار النظام للقيام بأدوار وظيفية إقليمية ودولية تحفظ نفوذ الدول الكبرى وتحمي مصالحها في المنطقة.

 توظيف الإرهاب سياسيا

للأسف تتشارك النظم العربية المستبدة والحكومات الغربية في مقاربة متماهية حول مفهوم الإرهاب والعمل على توظيفه سياسيا بما يخدم أهداف كل فريق؛ فالحكومات العربية المستبدة تستهدف تكريس سلطويتها وضمان بقائها في السلطة. أما الحكومات الغربية فتستهدف تبرير غزوها وتدخلاتها السافرة في البلاد العربية والإسلامية.

وبتحليل المرامي والأهداف من خطابات السيسي ونظامه حول الإرهاب، وعلاقة ذلك بالمصالح الأمريكية الغربية وحربها الكونية على الإسلام باسم الحرب على الإرهاب يمكن رصد الأبعاد الآتية:

أولا،  لا يملك  طاغية مصر  بضاعة يقدمها للعام الغربي والأمريكان سوى الحرب على ما يسمى بالإرهاب وكذلك ملف الهجرة غير الشرعية، فالإرهاب يتم التعامل معه من جانب النظام على أنه ذلك الغول الوهمي الذي تم صناعته وتضخيمه ويراد له أن يبقى  ويستمر من أجل توظيفه سياسيا لخدمة أغراض النظام، ولعل ذلك التوظيف يفسر أسباب العجز المقصود من جانب النظام بكل ما يملك من جيش وشرطة ومخابرات وإمكانات هائلة أمام عدة مئات أو  حتى آلاف من المسلحين؛ فالأرجح أن الجيش والشرطة وأجهزة السيسي تخوض حربا مسرحية مفتعلة لا يراد لها أن تنتهي؛ لأن إعلان القضاء على هذا الإرهاب المفتعل والمبالغ فيه،  وهو ما وعد به السيسي عدة مرات ولم يحققه؛ يعني عدم قدرة النظام على استخدام هذه الشماعة الجاهزة باستمرار لتعليق الفشل عليها باستمرار وتوظيفها لتبرير القمع وانتهاكات حقوق الإنسان في كل المحافل والمواقف.

البعد الثاني، أن تسويق ملف الإرهاب والمبالغة فيه، نجح في تحقيق غنائم استراتيجية وسياسية جمة ما كانت لتخطر على بال من أسس له. فقد تم احتلال العراق وتدمير سوريا وإفشال ثورات الربيع وترسيخ قدم الاستبداد والاستعمار على حد سواء باسم مقاومة الإرهاب والحرب على الإرهاب. لكن من جهة أخرى لا يزال المفهوم غامضا غموض الحرب عليه وغموض العناصر المشاركة فيه والكيانات المستهدفة منه، وهو الأمر الذي أسهم بشكل كبير في التغطية على الجرائم المرتكبة تحت شعار هذه الحرب الغامضة.

الثالث، أن هناك تجاهلا تاما بأن المسلمين هم أكبر ضحايا الإرهاب على مستوى العالم،  فإن لغة الأرقام والإحصائيات التي نشطت بعد حادثة تشارلي إيبدو بفرنسا سنة 2015، حول العمليات الإرهابية، كشفت عن نتيجة صادمة لكثيرين. ففي إحصاء لمنظمة يوروبول (وكالة إنفاذ القانون بالاتحاد الأوروبي) تبين أن 2 في المئة فقط من الهجمات الإرهابية في أوروبا عام 2013 نفّذها مسلمون و98%، نفذها غير مسلمين على خلفية دوافع عرقية أو قومية أو انفصالية. وفي دراسة أجرتها جامعة نورث كارولاينا الأمريكية عام 2014، فإنه منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر لم يسقط جراء العمليات المرتبطة بمسلمين إلا 37 قتيلا، في حين أن 190,000 قتلوا في الفترة الزمنية ذاتها بالولايات المتحدة الأمريكية من غيرهم. واستنادا إلى هذه الأرقام وغيرها، خصصت مجلة ديلي بيست الأمريكية تحقيقا خلُصت فيه إلى ما يلي: “ليس خطؤك لو لم تكن على علم بحقيقة أن غالبية الجرائم الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ينفذها غير مسلمين.. إنه خطأ الإعلام”، وقديما قيل: “أعطني إعلاما بلا ضمير، أعطك شعبا بلا وعي”.

البعد الرابع، أن الدول الغربية التي تقود هذه الحرب الكونية والشاملة، كما تسميها، يُجمع أصحاب القرار بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على الربط المتعمد بين الإرهاب والإسلام حتى ليكاد الإرهابي لا يكون إلا مسلما. هذا التوجه الخطير والعنصري يكشف أن دعاوى حوار الحضارات والتسامح بين الأديان والثقافات ليست إلا شعارات ترفعها المؤسسات الغربية زورا من أجل الاستهلاك الإعلامي.

الخامس، يبدو الموقف المحير هو الموقف العربي من المسألة الإرهابية وخاصة من التعريف المقدم لها والطرق التي تراها كل دولة أنجع في مواجهة الظاهرة الإرهابية. وتبدو مقاربة النظام المصري الذي يقوده زعيم الانقلاب السيسي هي الأكثر تماهيا مع النظرة الغربية الأمريكية التي تحصر الإرهاب في الإسلام والمسلمين؛ وتحت شعار الحرب على الإرهاب أوغل العسكر في تنفيذ عمليات الإعدام ضد الأبرياء والخصوم السياسيين وصار يفعل ذلك بدافع الانتقام والترهيب والتشفي وخلق حالة من الفزع والرعب في صفوف المصريين. بل إن الطاغية السيسي قد تجرأ على تقديم النصح للأوروبيين بمراقبة المساجد في أوروبا لأنها حسب زعمه تفرخ الإرهاب والتطرف والتشدد!.  فالثابت هو أن هذه الرؤية التي تربط الإرهاب بالإسلام وبالشعوب هي نفس الرؤية الأوروبية لكنها في الحالة المصرية تشكل مدخلا للتخلص من الخصوم ولتبرير تصفية المعارضين السياسيين وتكريس ديكتاتورية العسكر.

البعد السادس، هو أن مقاربة السيسي والغرب المتماهية حول الإرهاب تركز على المبالغة فيه والتضخيم من خطورته لكنها تتجاهل الزاوية الأخرى الأكثر أهمية وهي الأسباب التي أفضت إلى هذه الظاهرة؛ فالتطرف والتشدد والغلو ليس إلا مظهرا من مظاهر إرهاب الأنظمة واستبداد الدولة، وممارسة هذه النظم أقسى صور الإقصاء والعنصرية والتمييز ضد الخصوم والمعارضين خصوصا إذا كانون إسلاميين. فمقاربة نظام العسكر والنظم العربية السلطوية لمفهوم الإرهاب والتي تتماهي مع المقاربة الغربية التي تربط الإرهاب بالدين الإسلامي وبالشعوب، توظفها النظم العربية كمدخل لتبرير الدكتاتورية. فما اقترفه النظام السوري في حق المدنيين العزل من قصف بالبراميل وبالأسلحة الكيماوية ومن تعذيب وخطف وتهجير إنما تم تحت راية الحرب على الإرهاب. وهو الأمر نفسه الذي يحدث في مصر وفي ليبيا وفي أغلب الدول العربية التي تبرر فيها الحرب على الإرهاب كل أنواع القمع والتنكيل الذي تمارسه الأنظمة على شعوبها.

الخلاصة..

الحرب على الإرهاب صناعة حصرية لنظام السيسي والنظم المستبدة توظفه لخدمة أهدافها في تكريس الحكم الدكتاتوري وتبرير جرائم السلطة  وانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان، وفق نظرية “صناعة العدو” التي تلجأ إليها بعض الحكومات لإجراء انقلاب في القيم، خصوصا إذا كان العدو المستهدف هو جزء من الشعب يراد إبادته وسحقه؛ فإذا بجريمة القتل التي يجرمها القانون تصبح بناء على حملة دعاية سوداء صاخبة وموجهة، عملا بطوليا يكافأ عليه الجنود وينالون أنواط البطولة والشجاعة، وذلك بهدف التغطية على فشل النظام  أو تكريس حكمه،  أو عمليات النهب الكبرى التي تجري في الخفاء لثروات الشعب المخدوع.

يتفق نظام السيسي مع التصورات الغربية التي تكاد تحصر مفهوم الإرهاب في الأعمال التي تمارسها بعض الحركات الصغيرة المنسوبة للإسلام فقط دون غيرها رغم أن المسلمين باعتراف الأمم المتحدة هم أكثر ضحايا الإرهاب في العالم. ويبدي السيسي توافقه مع الغرب لضمان استمرار الدعم لنظامه وتحقيق مشروعية مفقودة والتأكيد على أنه شرطة المنطقة لحماية المصالح الأمريكية والغربية.

يمارس نظام 30 يونيو أبشع صور الإرهاب بالانقلاب على المسار الديمقراطي وتنفيذ عشرات المذابح المروعة، والقتل خارج إطار القانون والتعذيب الممنهج والمحاكمات المسيسة ونهب أموال المعارضين وانعدام الأمل في التداول السلمي للسلطة في أعقاب التعديلات الدستورية التي تمت في إبريل 2019م والتي تفضي إلى بقاء السيسي في الحكم حتى 2030م، وتجعل من المؤسسة العسكرية وصيا على الشعب بتقنين أي انقلاب لها مستقبلا بدعوى حماية الديمقراطية والدولة المدنية.

بدعوى الحرب على الإرهاب يتم قمع الشعوب وسحق تطلعاتها نحو الحرية كما يتم احتلال الدول وتكريس الظلم والاضطهاد لحماية مصالح الدول القوية كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأوروبا وإسرائيل والنظم العربية المستبدة التي تقوم  بدور الحارس لخدمة مصالح الكبار والقوى العظمي.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...