مستقبل الاحتجاجات العراقية في ضوء ارتباك حكومة “عبد المهدي” والمحاصصة الطائفية

في أولى حركات الاحتجاج التي تواجهها الحكومة العراقية التي تسلمت السلطة قبل نحو عام، تصاعدت التظاهرات الغاضبة في العديد من المدن العراقية ، منذ أيام، بلغت حدتها الأربعاء 2 أكتوبر، بعد مقتل 4 متظاهرين واصابة المئات، بعد اطلاق قوى أمنية وملثمون الرصاص الحي على المتظاهرين من فووق أسطح المنازل..

وتسببت مماطلة الحكومة وعدم الاستجابة لمطالب الخريجين المعتصمين منذ أشهر أمام المباني الحكومية، طلبا للتوظيف، في انفجار الاحتجاجات التي كانت عفوية، بل كانت ردود فعل طبيعية لم يسبق للعراق أن شهدها، ولم تحسب الحكومة لها أدنى حساب، أبطالها الخريجون العاطلون عن العمل الذين بُحت أصواتهم وهم يطالبون بفرص عمل من دون أن يجدوا أذنًا صاغية وقلبًا واعيًا من هذه الحكومة على الرغم من هشاشة الأرض التي تقف فوقها.

وجاء شعار المتظاهرين  “باسم الدين سرقونا الحرامية”، في إشارة إلى الطبقة الحاكمة في البلد الذي يحتل المرتبة الـ12 في لائحة الدول الأكثر فسادًا في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية.

وشهدت مواثع التواصل الاجتماعي، دعوات شبابية للتظاهر، لم تعرها الحكومة اهتماما، بسبب أن “التيار الصدري” و”الحزب الشيوعي” تنصّلا منها وأعلنا أنهما لن يشاركا فيها، إلا أن عدد المتظاهرين غير المنظمين أو العشوائيين الكبير أثبت خطأ التقديرات تلك.

عنف أمني

وضربت التظاهرات بغداد في ساحة التحرير وساحة الطيران بمنطقة الباب الشرقي وأحياء في الصدر وحي أور والصليخ والزعفرانية والشعلة والشعب، وامتدت خلال ساعات إلى ذي قار وميسان ومدن أخرى جنوبي البلاد، قابلتها قوات الأمن بارتباك واضح وقمع شديد، تسبب حتى –ظهر الأربعاء- في مقتل 4 متظاهرين، جميعهم دون سن الثانية والعشرين عاماً، وإصابة ما لا يقل عن 300 آخرين.

وشهدت تظاهرات الأربعاء تصعيداً، إذ قطع المتظاهرون عدداً من الطرق الرئيسة، ومنها طريق يربط العاصمة بغداد بالمحافظات الشمالية، من خلال حرق إطارات السيارات، فيما قامت قوات مكافحة الشغب بتفريق متظاهري الزعفرانية، من خلال استخدام الرصاص الحي، الذي أدى إلى سقوط عدد من الجرحى..

ردود فعل محلية ودولية

وأثارت التظاهرات ردود فعل مختلفة في الأوساط السياسية، إذ دان ائتلاف “النصر” بزعامة حيدر العبادي، “استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين”، فيما اعتبر ّ زعيم مليشيا “العصائب” قيس الخزعلي، التظاهرات  “دليلاً على وجود أيادٍ خبيثة تريد العبث باستقرار البلاد على حساب أرواح الأبرياء”، مؤكداً في بيان له أننا “كنا قد حذرنا من وجود مشروع كهذا قبل انطلاقه وما زلنا نحذر منه“.

ودولياً، أكدت منظمة “العفو” الدولية (أمنيستي)، ومقرّها لندن، أنّها تتابع الاحتجاجات في بغداد، وطالبت، في تغريدة على “تويتر”، الثلاثاء، السلطات العراقية بـ”ضبط النفس واحترام حرية التعبير عن الرأي والتجمع وعدم استخدام الأسلحة النارية والعنف المفرط“.

من جهتها، أعربت الأمم المتحدة، الأربعاء، عن “قلقها البالغ” إزاء العنف الذي رافق تظاهرات بغداد ومحافظات عراقية، وطالبت قوات الأمن بـ”ضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات“.

وقالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالعراق جينين هينيس بلاسخارت، في بيان “نعرب عن قلقنا البالغ إزاء العنف الذي رافق بعض التظاهرات في بغداد ومحافظات أُخرى”، داعية إلى التهدئة.
ونقٌلت وسائل اعلام عدة  آراء المتظاهرين، ومنها : “الحكومة العراقية توفر ملاذًا للعصابات، وهي تتقاسم عبر المحاصصة كل شيء فيما بينها”، …”الطبقة الحاليّة لم تجلب إلى البلاد إلا الحرب والدمار والفقر
“.

أسباب تصاعد الاحتجاجات

-وأرجع رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، تصاعد الاحتجاجات إلى أن الشباب العراقي شعروا بالظلم وبإهانتهم خلال التظاهرات التي سبقت، وكانت آخرها تظاهرة حملة الشهادات العليا”. وبيّن الهاشمي أن “التيار الصدري والحزب الشيوعي، اللذين كانا سابقاً من يقودان التظاهرات، انسحبا منها ولم يشاركا فيها“.

ورأى أن “التيار الصدري والحزب الشيوعي تورّطا بعدم المشاركة في هذه التظاهرات، فهما كانا يعتقدان أن لا تظاهرات في العراق إلا من خلالهما، لكن التظاهرات والأعداد الكبيرة التي شاركت فيها، سحبت البساط من تحت الصدريين والشيوعيين“.

مستبعدا وقوف جهات وراء التظاهرات، مشيرا إلى أن من “قاد التظاهرات شبان، لم يعيشوا في فترة “البعث”، لذلك حديث البعض عن أنهم مندسون أو بعثيون غير صحيح ولا يمكن تقبله“.

-ارتباك قرارات حكومة عبد المهدي وانصياعها للطائفية:

ومن ضمن أسباب تصاعد الاحتجاجات وغياب أفق الحلول السياسية لأزمات المحتجين، ارتباك رئيس الوزراء، المتوافق عليه والذي بلا سند برلماني حقيقي..

ويواجه عبد المهدي، انتقادات حادة من كتل سياسية وبرلمانيين فضلا عن مواطنين، بسبب ما يصفونه تباينا في قراراته، وخضوعه لإملاءات وضغوط قوى سياسية مقربة من إيران، تسببت في الأشهر الثلاثة الأخيرة بإلغاء عدة قرارات له، واتخاذ أخرى اعتبرت غير مبررة.

فقد ألغى بشكل مفاجئ مؤتمراته الصحافية الأسبوعية، وهو التقليد الذي دأب عليه رؤساء الحكومات الخمس السابقين منذ 2003 ، في خطوة اعتبرت لتفادي أسئلة الصحافيين..
تراحعات عبد المهدي في قراراته الأمنية، سببت ارتباكا واضحا ، لا سيما تلك التي تراجع عنها بسبب ضغوط قادة بفصائل “الحشد الشعبي، فسبق أن تراجع في أغسطس الماضي عن قرار بسحب مليشيا “الحشد الشعبي” من منطقة سهل نينوى، شمال الموصل، بعد تعرضه لضغوط من قادة فصائل مسلحة. كما أصدر عبد المهدي في يوليو 2019 أمرا ديوانيا لحل “الحشد الشعبي” ودمجه بمؤسسات الدولة الأخرى خلال شهر، إلا أن هذا الأمر لم يطبق ليعود بصفته القائد العام للقوات المسلحة ليشرك “الحشد” في قيادة العمليات المشتركة
.

كذلك صادق مؤخرا  على هيكلية جديدة لـ”الحشد الشعبي”، ما يعني تراجعا عن قرار دمجه بالمؤسسة الأمنية، إضافة إلى تراجعه عن قرار أمر بموجبه بتفكيك السور الذي شيد حول بغداد، بعد ضغوط من قيادات مليشياوية وسياسية قريبة من إيران، عدا عن إلغاء قرارات في كركوك لصالح قوى كردية.

كما أصدرت الحكومة قرارا سابقا بعودة نازحي جرف الصخر (شمال محافظة بابل)، إلى مناطقهم، إلا أنها تراجعت عن قرارها بضغوط من مليشيات مسلحة تسيطر على المنطقة.

وأخيرا أثار إصرار رئيس الوزراء على تجريد أحد أبرز الشخصيات التي برزت خلال القتال ضد تنظيم “داعش”، وهو الجنرال عبد الوهاب الساعدي، من قيادة قوات جهاز مكافحة الإرهاب، ونقله إلى دائرة الاحتياط في وزارة الدفاع والتي اعتبرت بمثابة العقوبة له، لغطا واسعا داخل الشارع العراقي، متهمين إياه بميله إلى جهة سياسية دون أخرى في العراق.

تزامن ذلك مع قيام قوات عراقية بإزالة نصب تذكاري للجنرال الساعدي كان من المقرر افتتاحه نهاية سبتمبر الماضي..فيما لم يستجب لمطالب قوى سنية بأبإزالة صور القادة الإيرانيين في الموصل، بعد إزالة النصب التذكاري للساعدي.!!

-فساد مؤسسات الحكم: وبحسب دراسات عدة، فإنه في غضون عقد ونصف من السنوات، منذ عام 2003، ثروة عظيمة تختفي من أموال الشعب المنتفض للمطالبة بها اليوم، إذ تكشف تقارير رسمية اختفاء فص الملح العراقي الذي تقدر قيمته بـ450 مليار دولار من الأموال العامة، وهو ما يعادل أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق، وفي كل الأحوال، فليست الاحتجاجات الوحيدة التي تهدد مصير الحكومة الحاليّة ورئيس وزرائها…

وبحسب مقال للكاتب باتريك كوبيرن بصحيفة إندبندنت البريطانية، فقد تكررت  السرقات الحكومية بصورة كبيرة منذ أن استلمت طبقة جديدة الحكم في العراق بعد الغزو الأميركي، ومن ذلك في المدة بين عامي (2004 و2005) عندما اختفت ميزانية المشتريات العسكرية التي تبلغ 1.3 مليار دولار.

كما أن  الأحزاب الحاكمة جراء المحاصصّة تستخدم الوزارات والقطاعات التي تسيطر عليها مثل “أبقار نقدية” تحافظ من خلالها على سلطتها..

وتشير بعض الأرقام -التي نشرتها هيئة النزاهة عام 2016- إلى أن أكثر من ألف مليار دولار (تريليون دولار) دخلت موارد الدولة العراقية منذ عام 2003، في وقت تراجعت فيه الخدمات الأساسية إلى أقل ما كانت عليه في زمن الحصار، في حين أشارت تقارير إلى وجود أكثر من ستة آلاف عقد وهمي في العراق نهبت بواسطتها عشرات مليارات الدولارات.

من جهتها، تقول النائبة حنان الفتلاوي إن الحكومات المتعاقبة بعد 2003 لم تستطع تلبية أدنى حقوق المواطنين، وانشغلت الأحزاب الممثلة في الحكومة بالخصومات وعقد الصفقات، واعتبار العراق غنيمة بأخذ العمولات.

في حين أدى تراجع أسعار النفط منذ عام 2014 إلى عجز الحكومة عن تنفيذ خططها وأحيانا عدم دفع رواتب ما يزيد على 6 ملايين موظف، يمثّلون نحو 45% من القوة العاملة في البلاد.

ويرى مراقبون أن “الديمقراطية” التي انبثقت بعد الغزو الأميركي عام 2003 وآليات تطبيقها لم تستجب للمطالب الشعبية، وبقيت الممارسة السياسية نخبوية، واستغلت أطراف عدة نظام المحاصّة الطائفية لتكريس نفوذها، مما ولّد سخطا مجتمعيا كبيرا تجسده الاحتجاجات الأخير وما قبلها.

دلالات الاحتجاجات

-استفتاء شعبي:

وتعد التظاهرات الشعبية استفتاء شبابي على فشل النظام البرلماني في العراق، فالشباب يريدون نظاماً سياسياً يقوم بخدمتهم، بعيداً عن المحاصصة والأحزاب، خصوصاً أن أبرز هتافات الشباب المتظاهر “الشعب يريد إسقاط الأحزاب”، فالشعب العراقي، وخصوصاً الشباب، أدرك جيداً أن النظام البرلماني يؤدّي إلى خدمة الأحزاب وليس خدمة الشعب..إ  ذ أن الهدف الرئيس من هذه التظاهرات هو تغيير نظام الحكم في العراق من برلماني إلى رئاسي…

-تجاوز الطائفية: حيث جاءت الشعارات بعيدا عن الطائفية ، وطالت التظاهرات مناطق عدة في العراق، ما يؤكد تفاقم الأزمة الاقتصادية لدى جميع الفئات..

مستقبل ألحراك

ومن المتوقع أن تمتد التظاهرات إلى محافظات أخرى، خصوصاً أن المطالب المرفوعة فيها تمثل مطالب وطنية لكل العراقيين في جميع المحافظات؛ من سوء خدمات وفساد والوضع الاقتصادي، والخلافات السياسية والصراع على المناصب التنفيذية في تلك المحافظات…

ومع تصاعد العنف ضد المتظاهرين، سيزيد غضب الجماهير واستمرارهم في مواصلة الاحتجاج إلى حين تحقيق المطالب..

ويرى مراقبون أن القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي مُطالب بفتح تحقيق لمعرفة من هي الجهات التي قامت بالاعتداء على المتظاهرين، وحتى القوات الأمنية، وهي كانت ملثمة وتطلق النار من أعلى أسطح البنايات..

ورغم ذلك، دعا رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، الجميع إلى التهدئة، مؤكداً فتح تحقيق بأحداث العنف ، واعدا ، في بيان صحافي، بأنّه سيعمل على “تحقيق تطلعات الشعب المشروعة والاستجابة لكل مطلب عادل لمواطنينا”، مؤكداً “حرصنا منذ البداية على وضع حلول حقيقية جذرية لكثير من المشاكل المتراكمة منذ عقود، وبدأنا نتلمس النتائج المرجوة، ومستمرون بالعمل على تحقيقها“.

وعلى الرغم من تورط الأجهزة الأمنية في قتل المتظاهرين، حيا عبدالمهدي ما وصفه بموقف الأجهزة الأمنية التي “أظهرت قدراً عالياً من المسؤولية وضبط النفس والالتزام بقواعد حماية المتظاهرين”، وفقاً لزعمه، متعهداً “بالبدء بإجراء تحقيق مهني للوقوف على الأسباب التي أدت لوقوع الحوادث“...

وفي اطار محاولات التهدئة، وجهت لجنتي الأمن وحقوق الإنسان البرلمانيتين بالتحقيق بأحداث التظاهرات”، داعية الأجهزة الأمنية إلى “حفظ النظام وعدم استخدام القوة المفرطة مع المتظاهرين..

ويبقى الدور الايراني الداعم لحكومة عبد المهدي كفيلا بامتصاص الغضب الشعبي عبر قرارات اقتصادية لاستيعاب الغضب الشعبي وتمريره، او حتى تقديم دعم لوجستي أمني لابطال الحراك الشعبي، كما حدث مع تظاهرات سبتمبر في مصر ، إلا أن الفضب الشعبي المتراكم منذذ عقود قد يجعل السيناريوهات كافة مفتوحة على مصراعيها..

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...