– شهر رمضان شهر عظيم جدا، وللأسف لا نتذكر فضله وبركته إلا في أول يوم منه!!
– فمن العادة أنه في أول يوم في رمضان من كل عام يقف الخطباء والأئمة في المساجد ليذكروا الناس بفضل رمضان وترغيب العبادة فيه وهكذا ..
– وهذا من وجهة نظري خطأ .. لأن الأصل أن يذكرونهم بفضله قبل دخوله، حتى يستعدوا له جيدا ويستغلونه أحسن استغلال ..
– وأنا هنا لن أتحدث معك كثيرا عن فضل رمضان، فيكفيني ويكفيك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز و جل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرم خيرها فقد حرم”.
– العدَّاء الماهر يعد للسباق قبل حينه، وطالب الثانوية المتفوق يعد لوقت الامتحان قبله بشهور، فما بالك برمضان، بل إن الناس يختلفون في الإعداد، كلٌّ على حسب حبه وشوقه!
– أريد منك فقط، فقط، أن تقف وقفة جادة مع هذا القول؛ “قال معلى بن الفضل: كانوا (السلف) يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم”.
– من هنا فنحن نحتاج إلى وقفة، واسأل نفسك: ماذا لو طُويت الأيام وأدركت رمضان، كيف يكون حالي؟ وماذا لو قَصُرت الأيام وما أدركت رمضان، فكيف يكون -كذلك- حالي؟
– من هنا، وجب لك، نعم أقول: وجب لك، لا عليك! لأننا ما زلنا في شعبان بعدُ، وما زال في الوقت متسع، لندرك الأجر ونهيِّئ النفس إن شاء الله.
– المعروف في دنيانا أن التاجر المجتهد هو من يضع في ذهنه مواسم أرباح تجارته على مدار السنة، فيضع لكل موسم ما يناسبه من خطة واستعداد، فكيف برمضان، وفي الحديث: “كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به”.
– وهذه خطة مقترحة، اجتهدت في جمعها لك، فاجهد نفسك ألا تضيع عليك لذة الاستمتاع برمضان، فلا تدع الوقت يفوتك في شعبان، إلا وقد اكتسبت به ما يفيدك في دورة الإعداد لرمضان:
أولًا: مجرد أن تدرك رمضان، فقد عدلت أجرك الجهاد والاستشهاد، روى ابن ماجه وأحمد والبيهقي وصحهه الألباني عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِىٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ إِسْلاَمُهُمَا مَعًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الآخَرِ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّى، قَالَ طَلْحَةُ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ فِى النَّوْمِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِى مَاتَ الآخِرُ مِنْهُمَا، ثُمَّ رَجَعَ فَأَذِنَ لِلَّذِى اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَىَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ. فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ، فَحَدَّثَ النَّاسَ، فَعَجِبُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: “مِنْ أَىِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الَّذِى كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا فَاسْتَشْهَدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَدَخَلَ الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ. قَالَ: ” أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً، وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ”. قَالُوا: بَلَى. “وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِى السَّنَةِ”. قَالُوا: بَلَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لَمَا بَيْنَهُمَا أَبَعْدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ”. فمن علم هذا الفضل فهل يقصر في الاستعداد له؟!
ثانيًا: أكثر من الدعاء، ولا يفوتك في يوم -من الآن- أن تدعو الله أن يبلغك رمضان، قال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم (السلف): “اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلا”.
ثالثًا: ضع من الآن خطتك، واستصحب معها نيات عظيمة، سواء في ختم القرآن أو الصدقة أو التهجد أو الأذكار أو غيرها من الأعمال الصالحة، روى البخاري عن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز و جل، قال: “إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همَّ بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همَّ بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة”. واعلم أن النية الصادقة سبب توفيق الله للعبد، قال تعالى: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 70].
رابعًا: التنظيف قبل التزيين، فلو جاءك زائر عزيز، فلن تزين بيتك قبل أن تنظفه، وهكذا عند استعدادنا لرمضان واستقبالنا له، وهو ما أعنيه بالتوبة النصوح من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها، قال صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله وأستغفره في كل يوم مائة مرة أو أكثر من مائة مرة”. تب واستغفر الله، واعلم أن التوبة ليست منزلة العصاة المجرمين، بل هي منزلة اﻷنبياء المصطفين، قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 121 – 122]. وكثير منا يعصي ربه وﻻ يرى أثر ذنبه ومعصيته ويتعجب من هذا! وما علم المسكين أن حرمانه من أثر الطاعة أعظم عقوبة يعاقب بها، وفي الأثر: “أذنب عبد سنوات فناجى ربه ليلة فقال: رب كم أذنبت وﻻ أرى لذنوبي أثراً ؟ فهتف به هاتف: ياعبدي: ألم أحرمك لذيذ مناجاتي”. فيا حسرة من أدرك رمضان ولم يجد في طاعته لذة!
خامسًا: سلامة الصدر، وإياك من الغل والحقد والحسد، قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس، فكن من أهل الجنة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} [الأعراف: 43]، وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: “كل مخموم القلب صدوق اللسان” قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: “هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد”.
سادسًا: احذر الإنترنت والفيس وتويتر، فهي أكَّالة للوقت، سرَّاقة للعمر، فما رأيت إدمانًا أشد عليك في رمضان من الإنترنت، فمن الآن قلِّل ساعات جلوسك عليه، فالمؤمن محافظ على وقته، منظما في شئونه، واعلم أن قطار رمضان لن ينتظرك!
سابعًا: عوِّد نفسك على الصدقة والإنفاق في سبيل الله، قال تعالى: {من مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بنادي بال بن رباح ويقول له: “أَنْفِقْ بِلَالُ، وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا”. فتعوَّد على الصدقة من الآن ولا ترد سائلا ولو بجنيه، فرب درهم سبق ألف درهم، واعلم أن أعظم النفقةِ نفقةٌ على مجاهد في سبيل الله أو أن تخلف أسيرًا ومطاردًا في أهله وولده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا”.
ثامنًا: أنت والقرآن، ليكن لك من الآن وردك من كتاب الله، فأكثر الناس لا يتذكر القرآن إلا في رمضان، لذا لا يجد أحدهم للقرآن في قلبه لذة ولا شوق، فتعاهد القرآن من الآن يكن لك خير جليس في رمضان.
تاسعًا: الصحبة الصالحة، وإياك وصحبة السوء، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره”، وهل هناك أفضل من صاحب يأخذ بيدك إلى الجنة؟! لذا كان معاذ بن جبل يقول لأصحابه: اجلسوا بنا نُؤمِنُ ساعةً. ومثله من يقول لك: هيَّا بنا نستثمر رمضان!
عاشرًا: عوِّد نفسك: فتلك طاعات لابد أن تعوِّد نفسك عليها من الآن، ومنها:
– عوِّد نفسك متابعة أذكار الصباح والمساء يوميًا.
– عوِّد نفسك من الآن المكوث في المسجد ولو 10 دقائق تحضيرا للاعتكاف في رمضان.
– عوّد نفسك على الصوم، حتى لا تجد إرهاقا من صيام رمضان، ومن لطيف ما قرأت أن عمر رضي الله عنه عند موته وصى ولده عبد الله فقال له: “يا بني عليك بخصال الإيمان، قال: وما هي؟ قال: الصوم في شدة الحر أيام الصيف وقتل الأعداء بالسيف والصبر على المصيبة وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي وتعجيل الصلاة في يوم الغيم وترك ردغة الخبال فقال: ما ردغة الخبال؟ قال: شرب الخمر”.
– عوِّد نفسك من الآن أن تحافظ على قيام الليل وركعة الوتر، ولو بعد صلاة العشاء، لكي تنعم بلذة صلاة التراويح والتهجد في رمضان.
– عوِّد نفسك من الآن أن تحافظ على السنن الرواتب، فعن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بني الله له بيتا في الجنة أو إلا بني له بيت في الجنة”. وتلك السنن هي (2 قبل الفجر، و4 قبل الظهر و2 بعده، و2 بعد المغرب، و2 بعد العشاء).
– عوِّد نفسك على مداومة صلاة الضحى، وأقلها ركعتين، وزمنها من بعد شروق الشمس بثلث ساعة وقبل الظهر بثلث ساعة، وهي صلاة الأوابين.
– عوِّد نفسك على أذكار الأحوال خاصة السوق ففيها الأجر الكبير والفضل العظيم، فعن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير،كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة”.
– عوِّد نفسك على كثرة الدعاء، واحفظ جوامع الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقترح عليك أن تكتب ما تتمنى من الله تعالى أن يحققه لك في الدنيا والآخرة، ففي رمضان أدعى للقبول فأبواب السماء مفتحة.
– للشباب والطلاب خاصة عوِّد نفسك على غض البصر وحفظ الفرج، فهو أدعى لحياة القلب وراحة البال وحب الطاعة، وإياك والتهاون في ذلك فالذنوب جراحات، ورب جرح وقع في مقتل.
* فتلك عشرة كاملة، وبلا ريب فهناك الكثير مما يمكن أن يستقبل به المرء شهر رمضان، غير أن هذه العشر جماع لغيرها، فإن قدرت عليها كنت على غيرها أقدر، وكان رمضان لك أسعد رمضان!
وفي الختام أسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يعيننا فيه على حسن استغلاله بما يعتق الله به رقابنا من النار، ولا تنسونا من صالح دعواتكم .. والحمد لله رب العالمين.