ورقة بحثية: “ترقيعات الدستور” انقلاب جديد لهندسة السلطوية العسكرية

أكدت دراسة أن إهدار حقوق الإنسان بمصر أكبر خسارة في ترقيعات السيسي لدستور الانقلاب 2014، مستندة إلى اعتبار منظمة العفو الدولية موافقة البرلمان على التعديلات، بأنها تدل على ازدراء الحكومة لحقوق الإنسان، وأن قرار طرح هذه التعديلات في استفتاء عام، وسط أسوأ حملة قمع على حرية التعبير، وفرض قيود شديدة على الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام المستقلة، إنما يدل على ازدراء الحكومة لحقوق الجميع في مصر”.

وقالت دراسة لموقع “الشارع السياسي Political Street” بعنوان “التعديلات الدستورية.. الانقلاب الثاني نحو هندسة السلطوية العسكرية بمصر”، إنه بدلاً من التقيد بالتزامات مصر بحقوق الإنسان، اختار البرلمانيون الموافقة على التعديلات التي من شأنها تسهيل حملة القمع التي تشنها السلطات على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، وحرية التجمع، وتقويض حقوق الشعب، ومفاقمة أزمة حقوق الإنسان في البلاد، بحسب العفو الدولية.

وأضافت “العفو”: “تهدف هذه التعديلات إلى توسيع نطاق المحاكمات العسكرية للمدنيين، وتقويض استقلال القضاء، وترسيخ الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها أفراد قوات الأمن، مما يفاقم مناخ القمع الموجود أصلاً في البلاد”.

إدارة العصابة

وحذّرت الدراسة من أن القادم هو الأسوأ في ظل حكم السيسي وتمرير التعديلات المؤبدة لحكمه، ولجوء نظام السيسي لأساليب العصابات في إدارة شئون البلاد، وهو ما تجلّى في التلاعب بالشعب في تمرير التعديلات الدستورية.

وعدّدت الدراسة مناحي القمع الحقوقي، بداية من حصار الميادين إلى حجب المواقع الإلكترونية، وصولا إلى التضييق والاعتقال.

وأضافت أن السلطوية وصلت إلى حد استحقاق الاستفتاء على الترقيعات على دستور الانقلاب الذي أوجدته السلطة، ليعلن الشعب نظريًّا قبوله أو رفضه، فيما يمثل تمرير التعديلات مشهدًا للإذعان، ليس فيه ملامح لحرية التعبير أو الاختيار.

وأبانت الدراسة أن المصالح الاقتصادية تلعب دورا رئيسيا في تمرير الترقيعات، وأنها انعكاس لسيطرة فئات وطبقات اجتماعية على الحكم والاقتصاد والثروات، مستخدمةً كل أدوات القمع والتخويف، بجانب تزييف الوعي، لتُبقي على مكاسبها المرتبطة باستمرار النظام، ولذلك تسانده بقوة.

وقالت إن حملات الدعاية للاستفتاء على الدستور عمها الخوف، حيث تضمنت خطابًا يستخدم التخويف من المستقبل كعصا سحرية للإخضاع، والتخويفٌ من الفوضى والإرهاب والانفلات الأمني ومن كل ما يمكن أن يخافه المواطن المصري. موضحة أن الانقلاب استخدم عصا التخويف بدلًا من الإشارة إلى “الإنجازات” واستخدامها كمحفز لتمرير ما يشاء.

رشاوى سياسية

ولفتت الدراسة إلى مصالح سياسية متنوعة، فالتعديلات تتضمن بندا بإنشاء غرفة برلمانية ثانية ستستوعب بعض النخب التي يلحظ تململها من التهميش الذي فرضته السلطة عليها، على الرغم من ولائه لها، بجانب وعودٍ بمنح النساء والشباب والأقباط نِسبا في البرلمان المقبل، وهو ما ينعكس في دعاية حملات طرق الأبواب والأنشطة الدعائية التي تمارسها منظمات نسوية تابعة للدولة، أو مجموعات شبابية كتنسيقية شباب الأحزاب، وكذلك توجهات كنسية تستغل حالات التميز الديني والحوادث الطائفية ومشكلات الأقباط في حشدهم للتأييد، مصورين أن أي معارضةٍ للنظام هي اصطفاف مع تيار الإسلام السياسي، والإخوان المسلمين تحديدا، وما يحمله هؤلاء من أفكار تهدّد أوضاع الأقباط وتزيدها تعقيدا.

ونقلت الدراسة عن المحلل السياسي عصام شعبان قوله: “لا يمرر المشهد بالتضييق والدعاية وحسب، فهناك رشاوى، بعضها اقتصادي في شكل منح وعلاوات وترقيات، جاءت لتحاول معالجة الشروخ في الكتلة الاجتماعية التي كان جزء منها يؤيد سياسات النظام، لتستفيق على الأزمة الاجتماعية المتسعة يوما بعد يوم. وهنا تظهر العلاقات الاقتصادية بين الدولة وموظفيها بوصفها إحدى أدوات الإخضاع والهيمنة والاستمالة والاستقطاب، لأن العقوبات الإدارية غير كافية في إخضاع الموظفين وحشدهم في التصويت. ولذلك استخدمت الدولة بند الأجور كحوافز تسهل عمليات الهيمنة السياسية وكسب التأييد والولاء.

حتى “المعارضة”

وأوضحت الدراسة أن السيسي أجهض بداية تشكل حركة معارضة التعديلات الدستورية، عبر القبض على شباب ممن حاولوا تشكيل حراكٍ معارضٍ للتعديلات، خصوصا من أعضاء حزب الدستور، ومن تضييق فضاء الشوارع الذي تم تأميمه لصالح لافتات التأييد وحركاته، ومنعت فيها الأصوات المعارضة، ووصلت السلطة إلى عرقلة الفضاء الإلكتروني الذي يعبر فيه المصريون، بشكل نسبي، عن معارضتهم النظام، وحظرت الدولة الموقع الإلكتروني لحملة “باطل”، والذي أطلق للتوقيع على وثيقةٍ ترفض تعديل الدستور. لم يستمر الموقع سوى 13 ساعة، وصلت فيها التوقعات إلى نحو 60 ألف توقيع، ما يدل على أن هناك أصواتا تريد التعبير عن رفضها التعديلات الدستورية، وما تمثله من استمرار نمط الحكم القائم الذي يتناقض مع أبسط المطالب التي رفعها المصريون عشرات السنين بشأن التداول السلمي للسلطة، ووجود دستور يضمن الحقوق والحريات العامة.

وبحسب الدراسة قال مراقبون، إن مشهد تعديلات الدستور صورة أكثر وضوحا عن سمات النظام في مصر وخصائصه، بما فيها من أدوات للإخضاع والهيمنة والاستمالة والحصار، وهو أيضا صورة على حالة قوى المعارضة، ورغبة المصريين في التعبير المحتجز حتى فى الفضاء الإلكتروني.

معتبرة أن من أبرز ما خطه التعديل مقولة “الجيش وحماية المدنية” و”إهدار استقلال القضاء”، فضلا عن مزيد من شرعنة الانقلاب واستمرار اغتصاب إرادة المصريين، ما يكرس سلسلة من المخاطر الإقليمية والمحلية، في ظل رهن القرار المصري للأنظمة العالمية، والارتماء في حضن الصهاينة، والتفريط في مياه النيل والغاز وأرض الوطن لغير المصريين.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...