ماذا يفعل المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان؟

فجأة وجد السفيه السيسي نفسه محاصرًا بعشرات البيانات الدولية التي يبدو أنها ضاقت ذرعًا بتوسعه في انتهاكاته، التي وصلت حدًا غير مسبوق في سجلات المنظمات الحقوقية، ففي كل البلاد الديكتاتورية، يوجد معتقلون ومضطهدون، ويوجد أيضا حقوقيون يغطون الانتهاكات ويحذرون منها.. لكن السفيه واصل إبهار العالم والتاريخ، فألقى القبض على الحقوقيين أنفسهم، وحجب مواقع المنظمات الحقوقية الأممية، في خطوة تنبئ بأن السفيه توحّش حتى فَقَدَ القدرة على التمييز بين الخطوط الحمراء والخضراء في عرف المجتمع الدولي، فلجأ إلى مسح الدم الذي في كفيه في سترة المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، فمن هم وما هي وظيفتهم وكم تبلغ رواتبهم جراء التطبيل؟.
لا يعرف أحد على وجه الدقة كم تبلغ رواتب السادة المعينين من سلطات الانقلاب في المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، وهل يمارسون دورًا حقوقيًّا فعلا أم أنه اسم على غير مسمى، وجلسات من تبادل القهوة والشاي والدعابات، حتى إذا حان الوقت للرد على اتهام للسفيه السيسي بانتهاك حقوق الإنسان، انبرى الأعضاء ببيان يبرئ العسكر ويغسل عارهم، ويقسم من كان منهم مسلمًا بالقرآن ومن كان مسيحيًّا بالإنجيل، أن مصر العسكر تعيش أزهى عصور الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

أسوأ ملف
ويعد ملف الحريات وحقوق الإنسان أسوأ ملف يميّز الانقلاب في مصر منذ 2014 إلى الآن، وقد تنوعت الانتهاكات التي شهدتها مصر خلال الست سنوات الماضية، ما بين اعتقالات شملت ما يزيد على 100 ألف معتقل في أقل التقديرات، ومحاكمات مدنية وعسكرية نال المئات بسببها أحكامًا بالإعدام، بالإضافة إلى أحكام المؤبد التي حصل عليها الآلاف.
ثم تطورت الأمور لتصل إلى الاختفاء القسري الذي تعرض له آلاف المعارضين، وهي السياسة التي تطورت فيما بعد للتصفيات الجسدية، بينما كان الأخطر هو التوسع في تنفيذ أحكام الإعدام التي بلغت قمتها في عام 2017 والأولى في عام 2018، حيث تم تنفيذ الإعدام على 20 من معارضي الانقلاب في قضيتين مختلفتين.
السفيه السيسي الذي تعرض لانتقادات داخلية ودولية، اتخذ كل الإجراءات التي تؤدي إلى قتل أي صوت يخالفه حتى لو كان في السابق من مؤيديه، فبدءًا من قانون التظاهر المشبوه والذي قضت المحكمة الدستورية فيما بعد بعدم دستورية عدد من مواده، وانتهاء بعودة محاكم أمن الدولة العليا مرة أخرى، كان هناك فرض حالة الطوارئ، وشل حركة منظمات حقوق الإنسان بفرض الوصاية عليها من قبل الحكومة، وإصدار ما يقرب من 750 حكما بالإعدام تم تنفيذ 28 حكما من بينهم، والتصفية الجسدية للمئات من معارضيه ليحتل السفيه السيسي المرتبة الأولى في ذلك دون منازع.
وفي وقت سابق، سمح العسكر لعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري، حافظ أبو سعدة، بأن يطالب حكومة الانقلاب بعدم تجاهل تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الذي اتهم وزارة الداخلية بـ”التعذيب الممنهج للمعتقلين السياسيين”، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة حول ما ورد في التقرير، وذلك من باب ذر الرماد في العيون ومحاولة لتجميل وجه العسكر الدموي.
وقال حافظ أبو سعدة، الذي أعاد تمثيل فيلم “البريء”: إن “العلاقات الدولية تتأثر بمثل هذه التقارير، بدليل القرارات الأمريكية الأخيرة التي أثرت على المعونة الأمريكية لمصر بسبب ملف حقوق الإنسان في مصر، مؤكدا أن سمعة ملف حقوق الإنسان في مصر تؤثر على جذب الاستثمارات”.
وزعم أبو سعدة أن هناك أكثر من 20 منظمة موجودة فى تركيا وقطر وفرنسا وبريطانيا وجينيف، وغيرها من الدول تترأسها قيادات إخوانية من مختلف الدول العربية، تعمل على إصدار البيانات، وتمد هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية بمعلومات مغلوطة عن إجرام العسكر فى تقاريرها التى تصدرها.
وتشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان، يتم بموافقة أغلبية أعضاء برلمان الدم، أما برلمان الدم نفسه فقد شكلته المخابرات الحربية وعدد من الأجهزة الأمنية، وبعد تشكيل البرلمان للمجلس تأتي تسمية اللجنة العامة للمجلس النيابي المرشحين لعضوية المجلس في ضوء ترشيحات المجالس القومية والمجلس الأعلى للجامعات والمجلس الأعلى للثقافة والنقابات المهنية وغيرها.
بدوره، زعم علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان في برلمان الدم واللواء السابق في الأمن الوطني والمتهم في قضايا قتل وتعذيب، أن تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان سيكون له طابع خاص، نظرا لأنه سيكون على خلفية قانون جديد يمنح صلاحيات أوسع، وهناك مقر جديد للمجلس، وهو ما يعكس طبيعة العمل الحقوقي في مصر!.
وفي أعقاب الإطاحة بالمخلوع مبارك, رُفعت الكمامة عن فم المجلس القومي لحقوق الإنسان لفترة وجيزة انتهت بالانقلاب، وأظهرت اللجنة التي نظمها مسئولية مبارك ووزير داخليته الأسبق حبيب العادلي, وآخرين من الحزب الوطني المنحل عن قتل المتظاهرين السلميين أثناء الثورة التي سبقت تنحي مبارك، إلا أن هذا التقرير قوبل بانتقادات من هؤلاء الذين يرون وجوب تحميل مبارك المسئولية الجنائية، بالإضافة إلى مسئوليته السياسية عن أعمال العنف التي وقعت ضد المتظاهرين.

من جهته يقول مدير فرع منظمة العفو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيليب لوثر: “إن الاختفاء القسري أداة رئيسية من أدوات سياسة الدولة في مصر. فمن يجرؤ على رفع صوته يصبح مهددا، في ظل استخدام مكافحة الإرهاب كذريعة لاختطاف واستجواب وتعذيب كل من يتحدى السلطات”.
فضيحة دولية
هجوم المنظمات الحقوقية الدولية مع بداية عام 2019 جاء مركزا وواضحا، حتى من قبل المؤسسات الدولية الرسمية، كلجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، فالسفيه السيسي قاتل ومنتهك للحريات، و”المجلس القومي لحقوق الإنسان غير محايد”، ومثّل ذلك فضيحة دولية تنسف مصداقية أذرع السفيه السيسي، التي يحاول بها تجميل صورته، وترفع القلم عن الجهاز القضائي الذي وصفته بالأداة في يد النظام العسكري.
البيانات هذه المرة قالت بصراحة إن عسكريين قاموا بالتعذيب، وإن الجيش يشرف على عمليات الاعتقال، وحمّلت العسكر مسئولية ذلك كله. شدة البيانات ووضوحها اضطرت الكونجرس في وقت سابق إلى المطالبة بخفض المعونات العسكرية لعصابة جنرالات السيسي، وهو ما حصل بالفعل.
مع بداية حكم الرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب للبلاد، أُعلن عن تعيين 27 عضوًا جديدًا في المجلس القومي لحقوق الإنسان، ومن بين المعينين كان المستشار حسام الغرياني كرئيس للمجلس، وعبد الغفار شكر نائبًا له، أما بقية الأعضاء الجدد فهم: “أحمد سيف الإسلام وأحمد حرارة وأميرة أبو الفتوح وإيهاب الخراط وحنا جرجس وصفوت حجازي وطارق معوض وطلعت مرزوق وعبد الخالق فاروق وعبد الله الأشعل وعبد الله بدران وعبد المنعم عبد المقصود ومحمد البلتاجي ومحمد عزب ومحمد زراع وفهمي الدماطي ومحمود غزلان ومنى مكرم عبيد وهاني عبد العال وهدى عبد المنعم ووائل خليل ووجدي العربي ومحمد طوسون”، وأغلب هؤلاء صاروا معتقلين بعد الانقلاب أو غيبهم الموت أو اشتراهم العسكر بالترهيب والترغيب.



x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...