“عباس” يتبع خطي “عسكر مصر” في حل البرلمان لحصار حماس

قبل ان يتولى الرئيس محمد مرسي رئاسة الدولة المصرية، سعي المجلس العسكري السابق برئاسة المشير طنطاوي وتخطيط عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات حينئذ، في يونية 2012، لحرمان الرئيس من دعم السلطة التشريعية (البرلمان) له، خاصة وأنه كان يسيطر على اغلبيته حزب جماعة الاخوان “الحرية والعدالة” و”حزب النور”، فحرك المحكمة الدستورية لإصدار حكم باطل بحل المجلس بأكمله (لا الغاء عضوية الدوائر المشكوك في قانونيتها فقط) لتصبح سلطة التشريع في يد المجلس العسكري.

نفس المخطط سعي لتنفيذه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في صراعه مع الاسلاميين في حركة حماس، حين أوعز للمحكمة الدستورية في الضفة الغربية بإعلان حل المجلس التشريعي (أنتُخب عام 2006) والذي تسيطر عليه أغلبية من حركة حماس، لحرمان المقاومة من دعم المجلس التشريعي لها وضمن خطته للانقلاب علي حماس والضغط عليها.

قرار “عباس” تضمن الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية خلال ستة أشهر، وهي دعوة صعبة التحقق في ظل الخلافات الحالية بين حماس والسلطة، وفشل المصالحة الفلسطينية، ما يعني أن الهدف هو تعطيل المجلس لا إجراء انتخابات جديدة، خاصة أن المجلس يعقد حاليا جلساته منفردا لنواب حماس في غزة وسط مقاطعة باقي الكتل السياسية الفلسطينية، وخطورة هذا القرار هي في انه سيكرس الانفصال بين غزة والضفة.

وربما يكون الهدف أيضا من وراء حل المجلس التشريعي بجانب “تكريس الانفصال”، هو الاستعداد لتطبيق صفقة القرن، والقضاء على ما تبقى من إمكانيات المصالحة، بحسب النائب عن حركة حماس “خليل الحية”، لأن عباس يدرك أن أي انتخابات شاملة تشريعية ورئاسية ومجلس وطني ليست في صالحه.

لذلك يبدو أن الهدف من وراء قرار حل المجلس التشريعي، “سياسي”، أو أنه “محاولة لسحب الشرعية من الأغلبية”، وفقا لأحمد بحر، النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، فضلا عن أنه قرار باطل ومنعدم قانونا لأنه اصدرته محكمة دستورية شكلها محمود عباس، الذي انتهت فترة رئاسته ويرفض اجراء انتخابات رئاسية جديدة.

فالرئيس “عباس” لم يعد يتمتع بالشرعية الدستورية والقانونية للقيام بمهامه لأن ولايته انتهت عام 2009، والدستور الفلسطيني لا يمنحه تجديد الولاية.

لذلك طالبت “اللجنة القانونية في المجلس التشريعي”، بالطعن أمام المحكمة العليا بغزة والعمل بشكل عاجل لتقديم رئيس السلطة للقضاء وإحالة رئيس المحكمة الدستورية المشكلة وأعضائها للمحاكمة، على خلفية “إخلالهم بالقانون الفلسطيني”، حسب تقديرها.

وفي السياق نفسه، أصدر أعضاء المجلس التشريعي الإسلاميون بالضفة الغربية بيانا شددوا فيه على أن حل المجلس غير قانوني باعتباره مخالفا للقانون الأساسي الفلسطيني الذي يضبط شكل نظام الحكم في فلسطين، وحذر هؤلاء النواب من أن القرار قد يفاقم حالة الانقسام، وربما يفضي إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.

ووصفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خطوة الرئيس عباس بأنها “محاولة بائسة لتمرير سياساته بتصفية وهدم النظام السياسي وإنهاء التعددية السياسية وتدمير المؤسسات”، فيما أبدت فصائل قريبة من حماس كالجهاد الإسلامي وأخرى منضوية ضمن منظمة التحرير كالجبهتين الشعبية والديمقراطية معارضتها للقرار باعتباره غير ضروري ويعمق الانقسام.

وكان المجلس الثوري لحركة “فتح” أوصى في (14/10/2018)، المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بحل المجلس التشريعي، معللاً السبب بأن “حماس عطلت أعمال المجلس التشريعي الذي فقد قدرته على مزاولة عمله التشريعي والرقابي ولم يعد قائماً بالفعل”.

ماذا يعني قرار حل البرلمان الفلسطيني؟

رغم أن قرار حل “التشريعي” لن يغير شيء على أرض الواقع، لأن حماس وكتلتها البرلمانية ستواصل العمل لوحدها في المجلس التشريعي بغزة، كما ان فتح وكتلتها البرلمانية ستواصل العمل واتخاذ القرارات لوحدها في رام الله، والمتضرر من حل المجلس التشريعي سيكونون هم أعضاء المجلس من غير حماس وفتح لأن ذلك سيكون له أثر على الجوانب المالية لهم، إلا أن الحل الرسمي له دلالات وتداعيات أغلبها سياسية.

ويمكن رصد هذه التداعيات والدلالات المتعلقة بحل المجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان) فيما يلي:

1- هدف “عباس” هو أن تحال صلاحيات المجلس التشريعي (بعد إعلان حله رسميا) الى “المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية”، أي الي السلطة الفلسطينية والرئيس عباس ليصبح متحكما في السلطة التنفيذية والتشريعية، ومن ثم اعتبار فوز حماس في انتخابات 2006 كأن لم يكن، والتأكيد على تفرد رئيس السلطة محمود عباس بالقرار الفلسطيني واقصاء جميع الفصائل وتجاوز الشرعيات وتعميق الانقسام.

2- حل المجلس التشريعي يعني ضمنا حل “المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية”، والمجلس الوطني لأن التشريعي هو جزء من تركيبة منظمة التحرير فإذا تم حل الجزء انتهى الكل، بحسب المحللين الفلسطينيين.

3- حل المجلس يعتبر أحد أشكال “الضغط” و”العقوبات” التي تفرضها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة في ظل فشل المصالحة الفلسطينية، التي يُحمل كل طرف الاخر المسئولية عنها، ويمكن اعتباره يأتي في إطار المناكفات السياسية.

4- حل المجلس يُساهم في تعزيز الفصل بين قطاع غزة والضفة المحتلة، ويعزز الانقسام ويدمر ما تبقى من مؤسسات النظام الأساسي التي جاءت بعد اتفاقيات اوسلو.

5- القرار يمكن اعتباره محاولة من جانب “عباس” لإخراج حركة حماس من المؤسسة الفلسطينية، في إطار الحرب الدائرة بينها وبين فتح، في ظل الانقسام المدمر، لأن حماس هي الشريك الأكبر في المجلس التشريعي، وتشكل الكتلة البرلمانية الأكبر فيه كما تتولى موقعي رئيس المجلس ونائبه، وسيبقى هذان المنصبان بحوزتها وفقاً لبعض قراءات القوانين الفلسطينية الأساسية. وحل المجلس التشريعي، ينزع من بين أيدي حماس واحداً من أدوات الصراع في ظل الانقسام.

6- حل المجلس قد يكون له صلة بوراثة الرئيس محمود عباس، فالتقارير الإسرائيلية، والأجنبية، (وكذلك تصريحات سابقة لصائب عريقات لصحيفة يديعوت احرونوت) حول صحة الرئيس عباس) نشرت مناخاً يوحي وكأنه مرشح لأن يغادر المسرح السياسي في لحظة مفاجئة، وبالتالي باتت مسألة وراثة الرئيس عباس، في مناصبه العديدة، موضع نقاش وحديث دائمين، ليس فقط في المحافل السياسية، بل وكذلك على الصعيد الشعبي، وأصبح السؤال الكبير، على جدول أعمال الدوائر السياسية الفلسطينية والعربية والدولية: من هو خليفة عباس؟، ومن الاحتمالات التي طُرحت حل المجلس التشريعي للتحوط لحالة غياب مفاجئ للرئيس عباس عن المسرح السياسي، لأن غيابه يعني تولي رئيس المجلس (عزيز دويك من قيادات حركة حماس) رئاسة فلسطين لحين اجراء انتخابات جديدة للرئاسة، حيث تقول القوانين الأساسية أن من يتولى الرئاسة المؤقتة ولمدة ستين يوماً، هو رئيس المجلس التشريعي، ليشرف، خلال فترة الشهرين هذه، على تنظيم انتخاب رئيس جديد للسلطة، لهذا جاء «حل التشريعي»، كي يصبح الرئيس المؤقت في حال حدوث تطور ما، هو رئيس المجلس المركزي، (وهو في الوقت نفسه رئيس المجلس الوطني) سليم الزعنون، ما يضمن لفتح، وللمؤسسة الفلسطينية ضمان انتقال الرئاسة لها.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...