دروس وعبر من الإسراء والمعراج

z

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد هناك الكثير من النتائج التي تستخلص من مقدمات وأحداث رحلتي الإسراء والمعراج وأهمها ما يلي “ الفرج آتٍ لكل مسلم مع الصبر الجميل والدعاء الذليل “ لقد رأينا في المقدمات كيف كان الإغواء كثيرا، والإيذاء شديدا كي يتراجع النبي صلي الله عليه وسلم عن شيء من ثوابت دعوته، فأبى النبي صلي الله عليه وسلم إلا التمسك بالحق والإصرار على مواصلة الطريق، وتركهم إلى أرض أخرى لعلها أن تكون أكثر خصبا وقبولا للدعوة الإسلامية فذهب إلى الطائف فكان قومها أشد بأسا في مواجهة النبي صلي الله عليه وسلم فلم يعاملوه لا كإنسان في الضيافة عند العرب، ولا كرسول له الحق أن يبلغ كلمة الله ولهم الحق في قبولها أم لا؟ رفضوا السماع، ورفضوا عرض الفكرة بأسلوب سلميّ محض، وسلطوا عليه الصغار والكبار من اللئام الذين أخرجوه طريدا، ولا يملك شيئا إلا إيمانه بربه وعزمه على مواصلة دعوته لا يتنازل عن جزئية منها، ولم يستطع أن يدخل مكة بلده الأصلي وموطن أهله وعشيرته ومقام زوجته وأولاده فاضطر إلى الدخول في جوار المطعم بن عدي، ثم رفع رأسه إلى السماء ودعا ربه بخير دعاء فقال مبتهلا متبتلا خاشعا متذللا: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري ؟ إن لم يمكن بك غضب علىّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل عليّ غضبك أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”. فكافأه الله تعالى بما يلي:

1. استجابة عبد يسمى عداس إلى الإسلام بعد رفض الكثير له، وهداية واحد خير من الدنيا وما عليها.

2. ساق الله إليه نفرًا من الجن يستمعون القرآن وأحسنوا الاستماع والإنصات ثم فهموا واجبهم فولوا إلى قومه منذرين.

3. استجابة ستة من أهل يثرب هم طلائع الدعوة في المدينة المنورة والتمكين للإسلام في الأرض، ومنهم أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، هذا بعد أن رفضت كل القبائل الأخرى منهم بنو كلب وبنو حنيفة، وبنو عامر بن صعصعة وفزارة وغسان دمرة وسليم وعيس وبنو نضر وكندة وعذرة والحضارمة.وهؤلاء كانوا نواة الدعوة التي نشرت الإسلام في يثرب وتحولت بهم الجماعة الإسلامية المطاردة في مكة إلى دولة ذات عز وتمكين في المدينة المنورة .

4. عدد من أشراف قبائلهم وقومهم منهم سويد بن الصامت الشاعر وإياس بن معاذ وأبو ذر الغفاري والطفيل بن عمرو الدوسي سيد قبيلة دوس.

5. الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج إلى الملأ الأعلى فدنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى. لم يكن الفرج فقط في رحلة الإسراء والمعراج ، بل كانت بعض الفرج الرباني بعد هذا الصبر الجميل، والدعاء الذليل، مكافأة الله تعالى على هذا الخير الجزيل. وهذا ما يجب أن يوقن به كل مسلم ومسلمة أن مع العسر يسرا، والفرج مع الصبر، والاستجابة مع الدعاء، والظفر مع الثبات على الحق، وأن تعالى وعد ولا مخلف لوعده حيث قال سبحانه” َمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” [البقرة : 143]

الرفق بالمدعوين نهج المرسلين، وأدب الدعاة الربانيين “ نحن في مسيس الحاجة إلى أن نغترف من معين النبوة الصافي في الرفق بالناس، وعدم الرغبة في الانتقام منهم، وقد صار نهجا مستمرا في هدي النبي صلي الله عليه وسلم حيث روى الطبراني في معجمه الأوسط عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:” ما دخل الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه” ، ولعل ما سبق إلا سراء والمعراج من غاية الرفق بالمدعوين، رغم صلفهم وعنادهم وبغيهم يظهره الحديث الذي رواه البخاري بسنده عن عروة بن الزبير أن عائشة حدثته أنها قالت للنبي صلي الله عليه وسلم : هل أتى عليكَ يومٌ كان أشدَّ من يوم أحُدٍ ؟ قال : لقد لَقِيتُ من قومك ما لقيت، وكان أشدَّ ما لقيتُ منهم يومَ العقبةِ إِذ عرَضتُ نفسي على ابنِ عبد يا ليل بن عبد كُلال فلم يُجِبني إلى ما أردتْ، فانطلقتُ وأنا مَهمومٌ، على وَجهِي، فلم أستَفق إلا وأنا بقرنِ الثَّعالب، فَرَفَعتُ رأسي، فإذا أنا بَسحابةٍ قد أظلَّتْني، فنظرتُ فإذا فيها جِبريل، فناداني فقال: إِن الله قد سمعَ قولَ قومكَ لك وما رَدوا عليك، وقد بعث اللهُ إِليكَ مَلَكَ الجبالِ لتأمرَهُ بما شِئتَ فيهم، فناداني ملكُ الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد، فقال: ذلكَ فيما شئتَ، إن شِئتَ أن أطبِقَ عليهم الأخْشَبَينِ. فقال النبيُّ صلي الله عليه وسلم : بل أرجو أن يُخرجَ الله من أصلابهم من يَعبُدُ اللهَ وحدَهُ لا يُشركُ بهِ شيئاً».. هكذا كان الحبيب صلي الله عليه وسلم ،بكلمة واحدة إلى ملك الجبال يستطيع أن يدمر كل شيء في مكة ولا يبقى فيها واحد من المشركين، دون أن يكلفه شيئا إلا كلمة واحدة، لكنه أبى لأنه رحمة للعالمين، لأنه ذا قلب ينبض بالحب لكل الناس أن يهتدوا، أو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله من الأطفال، وهكذا الدعاة يحبون للناس الخير، لا يدفعون السيئة بالسيئة بل يدفعونها بالحسنة وبالتي هي أحسن، يقابلون الشر بالخير، والقطيعة بالوصل، والقتل والاضطهاد بالحب والإرشاد ولذا كافأه الله بأعظم رحلة في الوجود إلى المسجد الأقصى الشريف وإلى السموات العلا، وقربه إليه ربه وهدى الله به خلفا كثيرا وحقق أمله فكان من أولاد المشركين خيرة الدعاة والمصلحين منهم :

(1) خالد بن الوليد ابن الوليد بن المغيرة الذي نزلت فيه آيات سورة المدثر.

(2) عكرمة بن أبي جهل ابن عمرو بن هشام كبير المشركين.

(3) أم حبيبة بنت أبي سفيان زوجة النبي – صلى الله عليه وسلم – وكان أبوها آنئذ كافراً.

(4) عبد الله بن عباس وقد أسلم مع أمه أم الفضل قبل العباس بن عبد المطلب حين كان كافراً.

وهكذا يكون الصبر مع الرفق والرحمة مع الشفقة بالمدعوين سببا في هدايتهم أو هداية أولادهم، ويفوز الدعاة بالقربى إلى الله، ورفع الدرجات والفوز بالجنات إن شاء الله تعالى .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...