تَقتل أو تُقتل.. كيف صنع الانقلاب جنودًا بلا ضمير؟!

“كيف يمكننا استيعاب هذا الدرك البوليسي المجنون لحالة التعفّن العام والفوضى العارمة، التي تجعل بعض الضباط يفقدون رشدهم تدريجيًا، في تدهورٍ أخلاقي ومهني، من جرّاء اللجوء الآلي والتعذيب والقتل، وينحطون إلى هذا المستوى اللامعقول من القسوة؟”

مقولة من مذكرات العقيد برودانسيو غارسيا الذي خُصص لدراسة سلوك قوات الجيش الأرجنتيني، في ظل ديكتاتورية الجنرال خورخي رافائيل فيديلا، يعتبرها مراقبون المدخل الوافي الذي يسلط الضوء على فهم ظاهرة التعذيب والقمع في مصر.

ولو قدر للعقيد غارسيا الغوص في هوّة الحالة الوحشية وخسة الانقلاب في مصر، ربما اكتشف تدهور قدرات عبيد المأمور العسكرية، وتدني إمكانياتهم في المواجهة الفعلية مع عدوٍ واحد ربما جيش الاحتلال الصهيوني، وعلى أرض معركة حقيقية وأمام جنود منظمين محكمي القيادة ويطلقون نيرانا حقيقية، إذا ما قورنت بقدرات مقاومة نذرت نفسها للقتال ضد عدو في غزة، والدفاع عن الأرض والأعراض.

لكن السؤال هنا: ما هو الأسلوب الذي يعتمد عليه سفيه قائد انقلاب مثل عبد الفتاح السيسي، وعصابته في تفكيك جيش وطني وإحلاله بميلشيات لا تتورع عن الخطف والتشويه والاغتصاب والقتل، وما إلى ذلك من الأساليب الرهيبة؟

ورط الجميع

اعتمد السفيه السيسي في انقلاب 30 يونيو 2013، على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، على توريط الجنود إلى أقصى مدى ممكن من التجاوزات والخروقات إلى درجة يصبحون معها غير قادرين على التراجع أو الخروج من دوامة العنف، أو إفسادهم إلى درجة يصبح فيها الدفاع عن الانقلاب يساوي الدفاع عن مصالحهم الخاصة.

ونجح الجنرالات في صنع حلقة مفرغة، تحكم على كل المتورطين بالتضامن مع رؤسائهم المجرمين، أما المرحلة الثانية تعتمد على العامل النفسي وتتم بالتصفية والتنقية، أي أن كل من لم يستجيب للأوامر ستتم تصفيته، وبهذه الطريقة ستترسخ في أذهان جنودهم فكرة وهي إما أن تقتل أو تُقتل، وسمع الجنود والضباط أن البعض من زملائهم قد تمت تصفيتهم؛ لأنهم لم يستجيبوا للأوامر، مما يخلف في نفوسهم الرعب، وبهذه القاعدة ستفضل الأغلبية الساحقة القتل والمشاركة في الجرائم، وهذا قرار طبيعي لكل إنسان لأنهم في صراع من أجل البقاء.

وبهذا الأسلوب الذي انتهجه السفيه السيسي، لا يكون الجنود جنودًا بل آلات قتل بحيث ينتزع منهم إنسانيتهم وتُدمر نفسيتهم، سيصبح الإنسان الذي كان يخشى من قتل فأر، يرتكب أشد الجرائم غرابة وهولاً، حتى تلك التي ما كانت لتخطر بباله في يوم من الأيام، مثل مجزرة الفض في رابعة والنهضة والحرس الجمهوري وما بعدهما، والمجازر المستمرة في سيناء وقتل المخطوفين قسريًا في باقي محافظات الجمهورية، ويرويها لأصحابه الذين لم يشهدوها، ولا تلاحظ أية علامة من علامات الندم، ولا أي أثر من آثار الأسف للجريمة المرتكبة.

شهوات العسكر

ولا عجب في انتشار الرذيلة والانغماس في الشهوات بين عصابة الانقلاب، ظهر ذلك في فضائح اللواء عباس كامل الجنسية التي رفض الإعلامي أسامة جاويش نشرها، واعترف كامل أنه يتعاطي عقار الترامادول المخدر في أحد التسريبات، ومن بعده تفجرت فضائح جنسية للناطق السابق باسم الجيش أحمد سمير، وتوالت الفضائح بعد ذلك سواء للعسكريين أو المدنيين في حكومة الانقلاب وبرلمان الدم.

وتفاقمت وحشيتهم لدرجة أنهم يتناوبون اغتصاب الحرائر في السجون والمعتقلات ومدرعات الجيش والشرطة، ويقتلون الأطفال رميًا بالرصاص في سيناء، إن هذه النوعية وصلت لمرحلة قابلية للقيام بأي شيء، فلو يقنعهم جنرالاتهم بحرق وتشويه طفل انطلاقًا من بعض الحجج والأعذار، لأطاعوا الأمر ونفّذوا ذلك دون تردد.

واعتمد السفيه السيسي على الامتيازات والترقية في الرتب، من يرتكب أكبر الأعمال فظاعة لا يُرقى فقط بل سيكون من المقربين، حدث ذلك مع رئيس الحرس الجمهوري الفريق أول محمد أحمد زكي، الذي قام باعتقال الرئيس مرسي في القصر يوم الانقلاب؛ حيث ترقّى بعد ذلك وهو الآن وزير للدفاع، ومن هنا تبدأ المنافسة والطاعة العمياء التي تجعلهم يتصرفون ضد ما يمليه عليه حسّهم السليم وقناعتهم الخاصة، والسؤال الآن ماذا عن المرءوسين أنفسهم كيف ينعدم الضمير فيهم ليصلوا إلى هذه الدرجة؟

لا شكّ أن نشوة الحكم أو السلطة الدموية التي تعني بسلب الأرواح، تجعل أفراد عصابة السفيه السيسي على استعداد لفعل أي شيء للحفاظ على سلطتهم والدفاع عنها، وهناك عشرات الأمثلة الدموية التي ترتكب في مصر كل يوم، تفضح طبيعة هؤلاء الوحوش التي حيرت أفعالهم الكثير من المراقبين وخبراء سلوك الوحوش من البشر.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...