الإسراء والمعراج … آلام وآمال

z

 

بدأ نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وعمره أربعون سنة, وبدأت الدعوة السرية بمكة المكرمة بشكل سري, وتتراوح مدة هذه المرحلة بين ثلاث وأربع سنوات, ولما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) بدأت الدعوة العلنية بإنذار عشيرته الأقربين, وكانت القضية المحورية التي ركز عليها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته – هي التوحيد المطلق والخالص لله سبحانه وتعالى، وإفراده بالعبادة والحاكمية, فالإسلام منهج حياة, ولابد من تحكيم القرآن والسنة في كل شأن من شئون الحياة, فانزعج المشركون (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا)(القصص: 57) وزعموا أن دعوة الإسلام ستسلب ملكهم, وتقضي على زعامتهم, وكيف تنزل الرسالة على هذا اليتيم الفقير, ولا تنزل على عظيم من الكبار والزعماء, فدارت معركة الصد عن سبيل الله بكل الصور.
– لجأت قريش إلى ترويج الاتهامات الباطلة لصد الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا) (الفرقان: 8).
– وبدأت حملة من السخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي – عليه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين – وما أشبه الليلة بالبارحة – (وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (الأنعام: 53).
– وحاولت قريش من خلال أسلوب المساومات أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق حتى يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما هو عليه, قال تعالى (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم: 9)
– ولما لم تجدي هذه الوسائل بدأوا في أسلوب الترغيب, وعرضوا عليه السيادة، وعندما لم تثمر كل الأساليب السابقة لجأت قريش إلى أسلوب الاعتداء والتصفية الجسدية, وبدأت حملات التعذيب للصحابة رضي الله عنهم ونالت عملية التعذيب النساء، ولجأت قريش إلى المقاطعة للمسلمين وسجنهم في شعب أبي طالب, واستمرت المقاطعة ثلاث سنوات, واشتد عليهم البلاء والجهد والجوع, ولكن المسلمين صمدوا وثبتوا وصبروا, حتى سخر الله تعالى رجالاً من قريش لنقض هذه الصحيفة الظالمة, وجاء الفرج من الله تعالى بعد هذه الشدة والمعاناة
– وقبل الهجرة بثلاث سنوات توفي عمه أبو طالب, وفي نفس العام توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها التي كان يسكن إليها الرسول صلى الله عليه وسلم عند الشدائد.
– ولما اشتدت مقاومة قريش للدعوة, وبلغ الأذى مداه,. خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يتلمس أرضًا خصبة تقبل دعوة الإسلام – ويلتمس النصرة والمنعة من ثقيف – لكنه لم يجد إلا الإيذاء والسخرية والاستهزاء.
– وفي ظل هذه الأزمات يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم سلاح الدعاء والاستعانة والاستغاثة بالله تعالى, والأمل والثقة في الله, فنراه صلى الله عليه وسلم يتوجه لربه بالدعاء (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي, وقلة حيلتي وهواني على الناس, يا أرحم الراحمين, أنت رب المستضعفين, وأنت ربي, إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك, أو يحل علي سخطك, لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولا قوة إلا بك) ابن هشام – السيرة وإسناده حسن مرسل, ورواه ابن سعد في الطبقات مختصرا, والبيهقي في الدلائل, وأحمد في المسند, والسيوطي في الجامع الصغير, وعزاه للطبراني وحسنه .
وجاء الفرج من الله تعالى بعد كل هذه الشدائد:
1- في طريق عودته من الطائف, وعند حائط ابني ربيعة, التقى بعداس النصراني فأسلم.
2- وفي طريق عودته من الطائف, أقام الرسول صلى الله عليه وسلم أيامًا في وادي نخلة القريب من مكة – وخلال فترة إقامته هذه بعث الله إليه نفرًا من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم, وأسلموا وعادوا إلى قومهم منذرين ومبشرين, كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ) (الأحقاف: 29).
3- وقعت حادثة الإسراء والمعراج بعد هذه الغمرة من المآسي والأحزان والشدائد المتلاحقة, فكان ذلك تسرية عن نفس النبي صلى الله عليه وسلم ومواساة له وتكريمًا وتثبيتًا
وفي هذه المعجزة الإلهية, كانت هذه البركات لهذه الأمة:
– إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنبياء في المسجد الأقصى, وانتقال الريادة لفلسطين والمسجد الأقصى, بل وقيادة البشرية كلها من بعده لأمته.
– وفي المعراج فرض الله تعالى الصلاة خمسين صلاة في اليوم والليلة – فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم (التخفيف) فجعلها الله تعالى أرحم الراحمين خمس صلوات، فهي في العدد خمس صلوات وفي الأجر خمسين صلاة
– و رأى الرسول صلى الله عليه وسلم من آياته ربه الكبرى, لينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين, ورأى بعضًا من مشاهد نعيم أهل الجنة, وعذاب أهل النار, كما جاء ذلك في أكثر من رواية, حتى نجتهد جميعا فنعمل من الآن بعمل أهل الجنة, وننتهي عن عمل أهل النار.
من هنا تظهر لنا هذه الحقيقة حتى نكون على يقين بها: أن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) (الشرح 5, 6)،

ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على هذه المشاعر الثلاثة:

الإيمان بعظمة الرسالة, والاعتزاز باعتناقها, والأمل في تأييد الله لها. ويقول علماء الاجتماع: إن حقائق اليوم هي أحلام الأمس, وأحلام اليوم حقائق الغد، وإن من أعظم الدروس في الإسراء والمعراج, قوة اليقين في الله القوي القادر: قال تعالى (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) (الكهف: 98)، لقد سعى رجال إلى الصديق رضي الله عنه يخبرونه, بخبر الإسراء والمعراج, فقال كلمة الإيمان: لئن كان قد قال لقد صدق, فقالوا له: أتصدقه على ذلك؟ قال: إني لأصدقه على أبعد من هذا, أصدقه على خبر السماء) يريد رضي الله عنه مجيء جبريل عليه السلام بالوحي من السماء في زمن وجيز من ليل أو نهار. والمؤمن لا يحزن على ما فاته ولا يفرح بما آتاه: قال تعالى (لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (الحديد: 23) ، والحياة لا تخلو من الشدائد, وعلى المؤمن الثبات والرضا, وتلك هي السعادة الحقيقية.
أيها المسلمون: اعلموا أن فلسطين أرض الأنبياء، ومهبط الرسالات، وأرض الجهاد والرباط إلى يوم الدين،
وفي المسجد الأقصى كانت إمامة الرسول عليه وسلم  للأنبياء، فكانت إعلاناً لتسليم القيادة لهذه الأمة، مما يحتم علينا الجهاد لتحرير تلك الأرض المباركة، وإن الإخوة الإسلامية توجب علينا القيام بالواجب الشرعي الذي أمرنا به رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ»( أخرجه مسلم) تجاه إخواننا في سوريا الذين يعانون من هذه المجازر البشعة ليل نهار على مرأى ومسمع العالم، دون أن يتحرك أحد لنجدتهم.
فرضية الصلاة في ليلة الإسراء: وحتى يمدنا الله بنصره، ويكشف عنا الغمة، ويمكن لنا في أرضه، لابد من توثيق الصلة بالله، والسير على طريقه المستقيم بحسن العبادة، وكمال الاستعانة به والتوكل عليه، والانقطاع عن غيره ولا يحقق ذلك للمسلم إلا الصلاة، التي فرضت في ليلة الإسراء، فهي تجمعنا على قبلة واحدة وفي صف متراص، وهذا ما يحبه الله لنا في مواجهتنا لعدونا: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (الصف: 4)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...