نفحات الإسراء والمعراج

z

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
“سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا“
[الإسراء : 1]،
بدأ نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وعمره أربعين سنة,
وبدأت الدعوة السرية بمكة المكرمة بشكل سري,
وتتراوح مدة هذه المرحلة بين ثلاث وأربع سنوات,
ولما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)[ الشعراء : 214 ] بدأت الدعوة العلنية بإنذار عشيرته الأقربين, وكانت القضية المحورية التي ركز عليها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته – هي التوحيد المطلق والخالص لله سبحانه وتعالى، وإفراده بالعبادة والحاكمية, فالإسلام منهج حياة, ولابد من تحكيم القرآن والسنة في كل شأن من شئون الحياة, فانزعج المشركون (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) (القصص: 57) (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) (فصلت:5) وزعموا أن دعوة الإسلام ستسلب ملكهم, وتقضي على زعامتهم, وكيف تنزل الرسالة على هذا اليتيم الفقير, ولا تنزل على عظيم من الكبار والزعماء,
فدارت معركة الصد عن سبيل الله بكل الصور
– لجأت قريش إلى ترويج الاتهامات الباطلة لصد الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا) (الفرقان: 8).
– وبدأت حملة من السخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي – عليه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين – وما أشبه الليلة بالبارحة – (وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (الأنعام: 53)، ثم لجأ المشركون إلى المطالبة بالمعجزات (وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا) (الإسراء 90 – 93).
– وحاولت قريش من خلال أسلوب المساومات أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق حتى يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما هو عليه, قال تعالى (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم: 9)
– وتحالف المشركون مع اليهود ليطرحوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أسئلة تعجيزية, فقالوا لهم سلوه عن أهل الكهف, وعن ذي القرنين, وعن الروح.
– ولما لم تجدي هذه الوسائل بدأوا في أسلوب الترغيب, وعرضوا عليه السيادة، وعندما لم تثمر كل الأساليب السابقة لجأت قريش إلى أسلوب الاعتداء والتصفية الجسدية, وبدأت حملات التعذيب للصحابة رضي الله عنهم ونالت عملية التعذيب النساء، ولجأت قريش إلى المقاطعة للمسلمين وسجنهم في شعب أبي طالب, واستمرت المقاطعة ثلاث سنوات, واشتد عليهم البلاء والجهد والجوع, ولكن المسلمين صمدوا وثبتوا وصبروا, حتى سخر الله تعالى رجالاً من قريش لنقض هذه الصحيفة الظالمة, وجاء الفرج من الله تعالى بعد هذه الشدة والمعاناة
– وقبل الهجرة بثلاث سنوات توفي عمه أبو طالب, وكان أبو طالب يحوط النبي صلى الله عليه وسلم ويغضب له – وفي نفس العام توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها التي كان يسكن إليها الرسول صلى الله عليه وسلم عند الشدائد.
– ولما اشتدت مقاومة قريش للدعوة, وبلغ الأذى مداه,. خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يتلمس أرضًا خصبة تقبل دعوة الإسلام – ويلتمس النصرة والمنعة من ثقيف – لكنه لم يجد إلا الإيذاء والسخرية والاستهزاء.
– وفي ظل هذه الأزمات يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم سلاح الدعاء والاستعانة والاستغاثة بالله تعالى, والأمل والثقة في الله, فنراه صلى الله عليه وسلم يتوجه لربه بالدعاء (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي, وقلة حيلتي وهواني على الناس, يا أرحم الراحمين, أنت رب المستضعفين, وأنت ربي, إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك, أو يحل علي سخطك, لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولا قوة إلا بك) ابن هشام – السيرة وإسناده حسن مرسل, ورواه ابن سعد في الطبقات مختصرا, والبيهقي في الدلائل, وأحمد في المسند, والسيوطي في الجامع الصغير, وعزاه للطبراني وحسنه .
وجاء الفرج من الله تعالى بعد كل هذه الشدائد:
1- في طريق عودته من الطائف, وعند حائط ابني ربيعة, التقى بعداس النصراني فأسلم.
2- وفي طريق عودته من الطائف, أقام الرسول صلى الله عليه وسلم أيامًا في وادي نخلة القريب من مكة – وخلال فترة إقامته هذه بعث الله إليه نفرًا من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم, وأسلموا وعادوا إلى قومهم منذرين ومبشرين, كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ) (الأحقاف: 29).
الإسراء والمعراج وقعت حادثة الإسراء والمعراج بعد هذه الغمرة من المآسي والأحزان والشدائد المتلاحقة, فكان ذلك تسرية عن نفس النبي صلى الله عليه وسلم ومواساة له وتكريمًا وتثبيتًا
وقد وقع ذلك في السنة العاشرة من المبعث, بعد وفاة أبي طالب, وقبل هجرته إلى المدينة بأكثر قليلاً من السنة
وفي هذه المعجزة الإلهية, كانت هذه البركات لهذه الأمة:
– إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنبياء في المسجد الأقصى, وانتقال الريادة لفلسطين والمسجد الأقصى, بل وقيادة البشرية كلها من بعده لأمته.
– وفي المعراج فرض الله تعالى الصلاة خمسين صلاة في اليوم والليلة – فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم (التخفيف) فجعلها الله تعالى أرحم الراحمين خمس صلوات، فهي في العدد خمس صلوات وفي الأجر خمسين صلاة
– و رأى الرسول صلى الله عليه وسلم من آياته ربه الكبرى, لينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين, ورأى بعضًا من مشاهد نعيم أهل الجنة, وعذاب أهل النار, كما جاء ذلك في أكثر من رواية, حتى نجتهد جميعا فنعمل من الآن بعمل أهل الجنة, وننتهي عن عمل أهل النار.
من هنا تظهر لنا هذه الحقيقة حتى نكون على يقين بها:
أن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) (الشرح 5, 6).
ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على هذه المشاعر الثلاثة:
الإيمان بعظمة الرسالة, والاعتزاز باعتناقها, والأمل في تأييد الله لها.
ويقول علماء الاجتماع: إن حقائق اليوم هي أحلام الأمس, وأحلام اليوم حقائق الغد.
إن من أعظم الدروس في الإسراء والمعراج, قوة اليقين في الله القوي القادر:
قال تعالى (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) (الكهف: 98)، لقد سعى رجال إلى الصديق رضي الله عنه يخبرونه, بخبر الإسراء والمعراج, فقال كلمة الإيمان: لئن كان قد قال لقد صدق, فقالوا له: أتصدقه على ذلك؟ قال: إني لأصدقه على أبعد من هذا, أصدقه على خبر السماء) يريد رضي الله عنه مجيء جبريل عليه السلام بالوحي من السماء في زمن وجيز من ليل أو نهار.
والمؤمن لا يحزن على ما فاته ولا يفرح بما آتاه: قال تعالى (لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (الحديد: 23)
والحياة لا تخلو من الشدائد, وعلى المؤمن الثبات والرضا, وتلك هي السعادة الحقيقية:
وفي الحديث (عجبًا لأمر المؤمن, إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن – إن أصابته سراء شكر, فكان خيرًا له, وإن أصابه ضراء صبر فكان خيرًا له) (رواه مسلم)
ومهما زادت الشدائد فلا نيأس أبدا ً, فالتاريخ يثبت أن قوة الأمة تبرز عند الشدائد:
رأينا ذلك في يوم بدر, ويوم الأحزاب, وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ارتدت قبائل العرب – فيما عدا المدينة ومكة والطائف – فكانت حروب الردة – ورأينا ذلك عندما زحف الصليبيون في تسع حملات شهيرة عرفت باسم الحملات الصليبية, وعانت الأمة كذلك من الغزو التتري الوثني, برغم كل ذلك وغيره, جاء النصر من عند الله على أيدي رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه, بقوة الإيمان, وقوة اليقين في الله, فاذكروا أيها المسلمون فضل الله عليكم (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال: 26)
أيها المسلمون: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل الحسن ويكره التشاؤم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعحِبُهُ الفأل الحسن ويكره الطِّيَرةً).(متفق عليه).
قال ابن عباس رضي الله عنهما الفرق بين الفأل والطيرة أن الفأل من طريق حسن الظن بالله, والطيرة لا تكون إلا في السوء فلذلك كرهت) فتح الباري وقال الحَلِيميُّ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل, لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب مُحقَّقٍ, والتفاؤل حسن ظن به, والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال).
عباد الله: أبشروا, وكونوا مع الله يكن الله معكم إنكم أهل الطاعة, ولن يخزيكم الله أبدًا, فلا تخافوا, ولا تحزنوا, و أبشروا: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) (فصلت:30 – 32)، (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) (يونس 62 – 65)، قال قتادة رحمه الله: قال الله تعالى: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (البقرة : 185 ) فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم (تفسير ابن جرير)، قال الجَشْميُّ رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى في وصف نبينا عليه الصلاة والسلام ( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)(الاعراف:157). دلت الآية على أن شريعته أسهل الشرائع وأنه وضع عن أمته كل ثقل كان في الأمم السابقة) تفسير القاسمي
وإن كانت هناك حرب على الإسلام والمسلمين, فإن النصر آت لا ريب فيه:
روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تقاتلكم اليهود, فتسلطون عليهم, ثم يقول الحجر: يا مسلم, هذا يهودي ورائي, فاقتله) متفق عليه، وفي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة الدرس والعبرة: قال تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30)، وقال تعالى (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (فاطر: 43)
أيها المسلمون: إن دوام الحال من المحال: إن الأحوال تتبدل, والدنيا تتحول, والعالم يتغير (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران: 140)، (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق: 7)
عباد الله : أكثروا من الدعاء , قال تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ) (غافر:60) ومن الأدعية الواردة في كشف الكرب : عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب, أو في الكرب: الله ُ ربي لا أشرك به شيئًا) أبو داود
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر, يقول: يا حي يا قيوم, برحمتك أستغيث) الترمذي

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...