مصر المضطربة اجتماعيًا

الاضطراب الاجتماعى حالة من التراجع الشديد فى بنية الدول وأنظمتها البشرية، دون الفوضى، أى هو مقدمة ومؤشر لانهيار الدولة -إذا لم يُعالج، وهو يضرب قطاعات عدة فى المجتمعات الإنسانية فيصيبها بالزلزلة والخلل..

ويأتى مؤشر الأمان العالمى 2017، والذى يشمل 136 دولة؛ ليدق جرس الإنذار، بإعلانه مصر رقم 130 فى قائمته؛ ما يعنى أننا أشد بلدان العالم بؤسًا وفقرًا وتوترًا، وأن نسيج المجتمع المصرى فى طريقه للتفكك، وصدق القائل -وهو كذوب-: «نحن شبه دولة» أو «احنا فقرا أوى»؛ إذ نحن بالفعل كذلك، وواقعنا يدل على ما نطق به المؤشر الدولى..

منذ أيام قليلة أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن لدينا 13 مليون شاب وفتاة تخطوا سن الثلاثين دون زواج، منهم 11 مليون فتاة؛ وما يستتبع ذلك من خلخلة المعايير الاجتماعية، ووقوع كوارث أخلاقية ونفسية، وزيادة معدلات الاحتقان والجريمة، والمقام لا يتسع لإيراد نماذج وإحصاءات مفزعة لهذا الخلل.

وتم الإعلان أيضًا أن لدينا 471 ألف مطلقة -ويقاس الرقم بالطبع بما يشمله من أفراد العوائل: أزواج وأولاد- ومعلوم أن المجتمع المصرى لا يتكيف مع هذه الحالة الاجتماعية بالذات؛ فكيف وقد صارت معدلاتها على هذه الصورة، فى ظل إحباطات أخرى تلحق بها؟ ولدينا كذلك 3 ملايين أرملة بحاجة إلى عون ورعاية؛ بما يمثل واقعًا يصعب التعاطى معه..

وفى المحروسة ثلاثة ملايين طفل مشرد، أو ما يُعرفون بـ«أطفال الشوارع» وهذه كارثة كفيلة وحدها بتدمير أعتى الدول؛ لما لها من آثار اجتماعية من الصعب علاجها، وما تكرسه من جرائم وجهل ومرض، والظاهرة فى ازدياد بعد وجود مسبباتها الكثيرة؛ إذ هى عرض لأمراض اجتماعية وظواهر أخرى نشبت أظافرها فى خناق مجتمعنا المبتلى.

وقد ضربتنا مؤخرًا موجات الغلاء الفاحش التى جعلت الحليم حيرانًا، والغلاء مما يستعاذ منه؛ لأنه أكبر البلاءات الاجتماعية، وقد سمعنا وشاهدنا آثاره على سلوك المصريين؛ إذ أحدث -ولا يزال- قلقًا لا ينتهى، وفقرًا طال غالبية الناس، وما ذهب الفقر إلى بلد إلا قال له الكفر خذنى معك؛ فالفقير يبيع دينه، ويطيش عقله، ويقطع رحمه.. والواقع دال على الحال؛ فما أصاب المصريين بعد الانقلاب المشئوم من عوز وحاجة لم يروا مثله من قبل ولا من بعد..

وفى المحروسة احتراب، واستقطاب، وكراهية صنعها العسكر، وصارت نمطًا وعادة؛ فالأخ يعادى أخاه، والأب يبلغ عن ابنه السلطات،، والقرابات مقطعة، والجيران على ريبة، والزملاء يخون بعضهم بعضًا، وهكذا دخلنا فى دائرة من الخصوصية المشئومة التى أسست لشرخ اجتماعى كبير يصعب دواؤه، بعد أن كنا مضرب المثل فى الرجولة والشهامة والمروءة، وبعدما مرت علينا أزمات وحروب وكوارث أثبتنا فيها أننا شعب السلام الاجتماعىالداعم للأمن القومى، ويشهد التاريخ أن المصريين امتنعوا طواعية أثناء حرب عام 1973 عن الذهاب لأقسام الشرطة للشكاية؛ تقديرًا للظرف الذى كانت تمر به البلاد؛ وإعلاء للمصلحة العامة على الخاصة.

وفى بلدنا العزيز أمراض فاتكة، لا يمكن -بحال- حصر أعداد من طالتهم من المواطنين؛ إذ لا تجد هذه الأرقام فى بلد من بلاد الدنيا، ناهيك عما يتعرضون له من عجز عن العلاج، وإهمال كبير؛ فيموت الآلاف منهم لهذا السبب، فى دائرة لا تنتهى، ولا مغيث..

وهناك بطالة مفزعة، قد تكون الأكثر على مستوى العالم، وتلك ظاهرة تدمر بنيان الدول، وتحيلها إلى أنقاض؛ إذ هى كارثة معقدة، يلحق بها كوارث أخرى أخفها الإحباط والمرض النفسى باهظ التكلفة، وأخطرها المخدرات والجريمة المنظمة، والاستهانة بالقانون، والسعى -عمدًا- لتدمير المجتمع..

وفى المحروسة تحلل أخلاقى ملحوظ، زلزل القوة القاهرة للتقاليد، وأسبابه كثيرة ومعروفة، على رأسها الأنظمة السياسية العلمانية الفاسدة التى هيأت الأجواء لهذا الخلل بأعراضه ومظاهره العديدة، وتعطيل القانون إزاء هذه الظواهر المخلة ضمن سياسة تحجيم التيارات الإسلامية الراشدة وغلق الباب أمام مشاركتها فى وضع الحلول.

ويُضرب بنا المثل فى عدم الأمن؛ لاهتمام الأنظمة العسكرية المتعاقبة بالأمن السياسى على حساب الأمن الجنائى، ولو أجريت تجربة لاستدعاء النجدة فى حادثين: جنائى وسياسى لقامت الدنيا ولم تقعد للسياسى، وربما لن تجد استجابة مطلقًا للغوث الجنائى.

وعندنا إعلام منحط، ضحل ساقط، يبث الكراهية ويستخف بالعقول، ويتعامل بالسطحية مع مائة مليون مواطن؛ ما خلف تشوهات اجتماعية وشذوذًا فكريًا وعاطفيًا لا تجد مثيلا له على كوكب الأرض.

ورغم كل هذه المصائب لا تجد من يرغب فى حلها؛ فإذا كانت الأنظمة فاسدة إلى هذه الدرجة، فالمفترض أن يكون الحل فى أيدى الدعاة، فماذا إذا كان الدعاة الحقيقيون مسجونين والطليق منهم مطارد مكبل اليدواللسان؟ أما دعاة المنابر فإنهم يدعون إلى المنكر، ويؤيدون الظلم، ويوالون الطغيان؛ فهم ليس دعاة، بل أذناب الأنظمة التى عينتهم..

ويبقى حالنا على ما هو عليه، بل سيزيد بؤسًا وشقاء، ما لم يتغمدنا الله برحمته.. وأملنا فى الله كبير؛ فلن يضيعنا وفينا الصالحون، ولن يخزينا وفينا من لو أقسم على الله لأبره.. هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...