الولاية الثانية للسيسي.. مستقبل غامض وتوجهات أكثر قمعية

إذا سارت الانتخابات «المجازية» وفق الخُطة، فستكون الفترة الرئاسية الثانية للجنرال عبدالفتاح السيسي -على الأرجح- عاصفة. لكن، هناك تساؤلات أوسع نطاقاً، تستحق التدقيق فيها بصورة عاجلة: ماذا ستكون التكلفة النهائية لمحاولاته الحفاظ على حكمه الشخصي؟ وما هي تداعيات ذلك على الاستقرار في مصر والمنطقة؟”.
نظام 30 يونيو، جعل معركته هي نسبة المشاركة؛ لذلك كان حريصا كل الحرص على حشد المواطنين بشتى الطرق والوسائل، والأدق أنه كان يحرص على كثافة التواجد أمام اللجان من أجل اللقطة أو الصورة، ولا يكترث كثيرا بالتصويت؛ فالمهم «صورتك لا صوتك»؛ لأن الهيئة القضائية المشرفة على الانتخابات يمكن أن تضيف ملايين الأصوات الوهمية كما جرى تماما في مسرحية 2014م؛ لكن صورة الطوابير يحتاج إليها الجنرال من أجل التسويق الإعلامي؛ ليبعث رسالة للغرب أنه لا يزال يتمتع بشعبية جارفة في ظل غياب التنافس الحقيقي في الانتخابات، كما أنها تمثل رسالة لقوى أخرى محلية داخل مؤسسات الدولة يخشاها الجنرال أكثر مما يخشى المعارضة الإسلامية والعلمانية على حد سواء.
وهذا يفسر أسباب حالة الطوارئ داخل الأجهزة الأمنية والحكومية والإعلامية طوال الأيام الثلاثة من أجل حشد الموطنين، رغم أن كل ذلك يخالف الدستور والقانون؛ حيث «كثفت أجهزة ومؤسسات الدولة، ونواب ورجال أعمال، وأحزاب، جهودهم لحشد الناخبين فى آخر أيام التصويت فى الانتخابات الرئاسية، وتبارت بعض المصالح والهيئات فى نقل منتسبيها إلى اللجان، ومنحت هيئات أخرى موظفيها إجازة بأجر كامل، ولوحت الهيئة الوطنية للانتخابات بتوقيع غرامة عدم التصويت، وتم رصد توزيع أموال وهدايا عينية أمام بعض اللجان، فضلا عن تنظيم أنصار السيسى، مسيرات تصاحبها فرق موسيقية أمام اللجان، لحث الناخبين على التصويت، وانتشرت سيارات غير معروفة التبعية تحمل مكبرات صوت، للهدف ذاته».
كان يمكن لأركان النظام الاكتفاء بالسيسي وعدم الدفع بمرشح “صوري” ينافسه، وكان يمكن أن تمضي هكذا ـ وفق ما يتيحه دستور 2014 ـ ويتم إنجاز المهمة بشكل رمزي من خلال نزول 5% من الناخبين للتصويت للجنرال وينتهي الأمر في هدوء بدلا من هذه الطوارئ وهذا الشحن والتسخير المهين لكل مؤسسات الدولة.
«لكن البعض داخل أروقة نظام 30 يونيو، رأى أن خروج المشهد على هذا النحو لا يليق ، ولا بد أن يكون الحدث كبيرا وتتحدث عنه وسائل الإعلام العالمية ، كما أن هناك من أقنع بعضهم بأن الشرعية السياسية لن تولد إذا كان التصويت ضعيفا أو رمزيا ، وبالتالي وجدنا هذا الاحتشاد المثير الذي تم توظيف كافة أدوات الدولة وأجهزتها من أجله، رغم أنه لا يوجد ـ واقعيا ودستوريا ـ أي خطر يهدد فرصة حصول الجنرال على فترة رئاسية أخرى».
العملية الانتخابية المجازية شهدت انتهاكات بالجملة، وتسخير كل مؤسسات الدولة لخدمة سياسات وتوجهات الجنرال عبدالفتاح السيسي، كما تم توظيف المؤسسات الدينية الإسلامية والكنسية على أوسع نطاق لحشد الجماهير، كما شهدت رشاوى انتخابية رسمية برعاية وزراء ومحافظين ورجال أعمال وأعضاء الحزب الوطني السابق.
مؤشرات المشاركة
وحول مؤشرات المشاركة، في الانتخابات المجازية، فقد رصد المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام” تكامل مصر” مشاركة (1680000) مليون وستمائة وثمانين ألف ناخب خلال الأيام الثلاثة (26 و27و28) في “14073” لجنة اقتراع. بنسبة قدرها 2.8 ٪ من حجم من يحق لهم الانتخاب، وذلك بزيادة 0.02 ٪ عن تقديرات المركز قبل إجراء الإنتخابات.
لكن المتوقع من اللجنة العليا المشرفة على «الانتخابات المجازية»، والتي عينها الجنرال بنفسه، أن تعلن عن أرقام تفوق ذلك أضعافا مضاعفة، يتوقع أن تكون بين “25” إلى “30” مليونا، وسوف يحافظ المرشح الصوري موسى مصطفى موسى على الترتيب الثالث بعد الأصوات الباطلة كما حدث تماما مع “الكومبارس السابق” الناشط الناصري حمدين صباحي في مسرحية 2014م.
وأمام نسب المشاركة المتدنية التي رصدها المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام” تكامل مصر” والتي تصل إلى “2,8%” والنسب المتوقع أن تعلن عنها اللجنة العليا (40 إلى 45%)، تأتي تقارير الإعلام الغربي والصحافة الأجنبية في مصر ليعزز موقف مركز “تكامل مصر”.
من جانبها، وصفت وكالة «رويترز» حجم الإقبال في يومها الثاني بالفاتر والبطيء. التقرير المذكور جاء بعنوان “في ظل تصويت بطيء، السيسي يبحر نحو النصر”. وقالت إن السلطات المصرية ضغطت من أجل تحقيق نسبة مشاركة مرتفعة الثلاثاء في اليوم الثاني من انتخابات رئاسية صُممت خصيصا لمنح السيسي نصرا كاسحا في ظل غياب أي منافسة حقيقية في سباق يصفه المنتقدون بالزائف”. وللتدليل على تواضع المشاركة الشعبية يستدل تقرير رويترز بضغوط النظام على المواطنين ومنها ما ذكرته وكالة أنباء الشرق الأوسط حول غرامة المقاطعين للتصويت والتي تقدر بـ500 جنيها مصريا».
مستقبل مجهول
ومن خلال قراءة المشهد السياسي، فإن الولاية الثانية للجنرال السيسي سوف تكون انعكاسا لمستوى إدارة الانتخابات المجازية، ستكون أكثر قمعا واستبدادا على المستوى السياسي، وأكثر فشلا على المستوى الاقتصادي في ظل تراكم الديون وتراجع الإنتاج والاعتماد على ما يسميها بالمشروعات القومية التي لا ينعكس أثرها على تحقيق الرفاه والرخاء للمواطنين، وتواصل انهيار مستوى الخدمات التعليمية والصحية، وسط توقعات بتعاظم الشكوك والارتياب في العلاقة بين الجنرال والمؤسسة العسكرية.
«ما يحدث في الانتخابات الرئاسية أصبح علامة على سياسات النظام الحاكم في مصر ، في مختلف شؤون الحياة ، وهي سياسات “الصورة” والشكل و”اللقطة” ، فالمهم دائما أن تخرج “الصورة” حلوة ، ومهم جدا أن تكون “اللقطة” ساحرة ، وليس مهما بعد ذلك تطابق الصورة مع الواقع أو أن تكون اللقطة معبرة عن حقيقة الأمور أو جوهر الوضع ، تبدو السياسة الحاكمة الآن في مصر تعطي أولوية كبرى للتسويق الإعلاني والتليفزيوني والسينمائي، أكثر من اهتمامها بالإنجاز العملي وبجوهر العمل ودقته وسلامته وأولوياته للوطن؛ ولذلك يندر أن تجد أحدا في مصر يقتنع بأننا شهدنا إنجازات ذات قيمة خلال السنوات الماضية، رغم الصخب الكبير والإلحاح الذي يؤكد عليه منظومة إعلامية صاخبة وضخمة تمثل أهم أدوات النظام، ومع ذلك تجد الناس تجيبك ببراءة: أين هي الإنجازات ، أحوالنا تزداد بؤسا؟!».
إنها سياسة البحث عن “اللقطة” وتسويق الصورة ، وهي سياسة خطرة، لأنها لا تواجه مشكلات الوطن وتحدياته بصراحة وشجاعة وجدية، بل تتهرب منها عمليا، مما يراكم الأزمات ويضاعفها ويعقدها مع مرور الوقت، المهم أن تبقى “اللقطة” حلوة!.
تكهنات مستقبلية
إزاء هذه المعطيات، من المتوقع في مجال الحريات استمرار سياسة التمييز والعنصرية بحق الإسلاميين والثوار، وأن يزداد القمع ومصادرة الفضاء السياسي والإعلامي، وتواصل حملات الاعتقال والاغتيال خارج إطار القانون، وربما تزداد الحملة على الإخوان لتكون أكثر شراسة في ظل مؤشرات دولية وإقليمية تعزز من هذا التوجه كما يفعل محمد بن سلمان في المملكة ومحمد بن زايد في الإمارات.
وفي مجال السياسة سوف يغري المقربون من الجنرال قيادات النظام لتشكيل حزب سياسي جديد ليكون ظهيرا شعبيا وسياسيا للجنرال على غرار الحزب الوطني أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك. وائتلاف دعم مصر على استعداد للقيام بذلك وسط أطماع من عدة أحزاب لتكون الظهير السياسي للجنرال.
كما يتوقع أن تنشط خلال العامين الآخيرين من الولاية الثانية حملات تعديل الدستور لتزيح عقبة الالتزام بمدتين فقط لتسمح له بحكم البلاد إلى مدد مفتوحة على غرار ما فعل السادات، لكن مبارك هو الذي استفاد من التعديل.
على المستوى الاقتصادي سوف تستمر سياسات التوسع في الاقتراض، وسيتواصل العجز المزمن في الموازنة العامة، والاعتماد على المشروعات الكبرى التي يتباهى بها السيسي دون أن ينعكس أثرها على الشعب في ظل تراجع معدلات الإنتاج وانخفاض مصادر الدخل القومي الأساسية.
سوف يواصل الجنرال إصراره على تلبية كل شروط صندوق النقد الدولي، ورفع الدعم عن الوقود كليا بحلول منتصف عام 2019، ورفع جزئي لدعم سلع التموين؛ الأمر الذي ينذر بارتفاع نسب التضخم والتسبب في موجات جديدة من الغلاء الفاحش في أسعار السلع الأساسية والخدمات الحكومية مثل الكهرباء والمياه ووسائل النقل.
أما على مستوى العلاقات الخارجية، فسوف يزداد تقارب النظام مع الحليف الأمريكي بعد توقيع اتفاقية اتفاقية (CIS MOA) التي تجعل من الجيش المصري جزءا من وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” وتمثل تنازلا عن سيادة مصر على أرضها وسمائها ويجعل من مصر قاعدة عسكرية أمريكية أوقات الحروب. وسوف يحرص نظام 30 يونيو على أن يكون عرَّاب “صفقة القرن” استرضاء للإدارة الأمريكية وكسبا لشرعية مفقودة. كما سيحرص النظام على تعزيز التصور عنه باعتباره رأس الحرب ضد “الإرهاب”، كذلك تعزيز العلاقات مع الكيان الصهيوني وعدم الاعتراض الجاد على قرارات الإدارة الأمريكية الرامية لتكريس الوجود الصهيوني على حساب الحقوق العربية، لكنه سيكون احتجاجا شكليا كرسالة للداخل في ظل العمل سرا على دعم التوجهات الأمريكية. ويتوقع أن يؤدي التقارب مع أمريكا إلى تباعد المسافات مع روسيا في ظل ضغوط الأمريكان والغرب على الرئيس بوتين حاليا وسحب عشرات الدبلوماسيين من موسكو، وربما يؤدي ذلك إلى تأجيل ملف الضعبة النووي بناء على أوامر وتوصيات أمريكية كذلك ستمتنع روسيا عن عودة السياحة ما يفاقم من أزمات صناعة السياحة.
أوروبا والغرب عموما لا تعنيه حقوق الإنسان في مصر، ولا يعير اهتماما بانتهاكات النظام الحقوقية، ستبقى المصالح هي المعيار الوحيد الضابط للعلاقة بين الطرفين، وسط تعزيز أوروبا علاقاتها الاقتصادية بالجنرال في ظل تراجع الانتقادات المتعلقة بالشرعية وجرائم ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م.
وسيبقى موقف النظام مع العلاقات مع أفريقيا كما هو خلال السنوات الماضية، وسط تكنهات بحلحلة أزمة سد النهضة أو تحقيق انفراجة جزئية تتعلق بسنوات ملء السد، في ظل بدء الوساطة الأمريكية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا من جهة ، والتوترات الداخلية الأثيوبية من جهة أخرى، وأزمات تمويل مشروع السد من جهة ثالثة.
وحول علاقة الجنرال بالمؤسسة العسكرية، فإن ثمة تكهنات باتساع الفجوة وارتفاع منسوب الشك المتبادل بين الطرفين، ويمكن رصد عدة مصادر لهذه التكهنات، منها زيادة معدلات الاستياء داخل المؤسسة العسكرية على مستوى أداء الجنرال خصوصا بعد التنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير”، وثانيا التقارب الشديد مع الكيان الصهيوني والذي لا يفضله كثير من ضباط المؤسسة العسكرية مفضلين العلاقات الباردة على هذا الدفء الجديد في العلاقات. وثالثا حالة الغضب على الطريقة التي تم التعامل بها مع قيادات سابقة كبير مثل الفريق سامي عنان وأحمد شفيق، وما ترتب على ذلك من اعتقال عشرات الضباط ومحاكمتهم. ورابعا فشل النظام في القضاء على خطر المسلحين في سيناء مع يعزز وجود خيانة أو توجهات تستهدف الإبقاء على المعركة ضد الإرهاب لتوظيفيها سياسيا ودوليا من جل مكاسب سياسية للنظام. وخامسا الإجراءات العقابية التي نفذها الجنرال بحق جهاز المخابرات العامة لصالح المخابرات الحربية ما سمح بتعاظم مشاعر الثأر لدى قطاعات داخل الجهاز الذي تربى على يد اللواء عمر سليمان رئيس الجهاز لأكثر من عشرين سنة.
الخلاصة
النظام حريص كل الحرص على استبعاد الإسلاميين من المشهد السياسي تماما، إزاء هذا فإن أمام النظام مسارين افتراضيين:
الأول ـ يشوبه شيء من الأمل بالنسبة للتيار العلماني الذي كان يدعم النظام ثم تراجع، أمل فى إصلاح ما اختل وتصحيح الصورة فى الداخل قبل العالم بتحسين ملف الحريات العامة وحقوق الإنسان والبيئة السياسية والإعلامية ورفع أية مظالم خلف قضبان السجون في ظل الاستبعاد السياسي للإسلاميين، وإعادة النظر فى السياسات والأولويات، التى استدعت عدم مشاركة قطاعات غالبة ممن لهم حق الاقتراع ــ كأنه احتجاج صامت.
وبحسب مقربين من النظام، هناك تسريبات متواترة تزكى ذلك المسار، لكنها غير مؤكدة، كما يصعب المضى فيه بالنظر إلى مراكز قوى تمركزت فى بنية الدولة صادرت السياسة والإعلام وكل ما يتحرك فى البلد. ويعزز من استبعاد هذا المسار الافتراضى أنه يقتضى أن يثور الجنرال على نظامه ويستجيب لمطالب مجتمعه وحقائق عصره.
والمسار الثانى ـ مزعج بقدر ما ينذر، كأن يضيق المجال العام بأكثر مما هو حادث وتتسع سطوة الدولة على مؤسسات المجتمع المدنى وتدخل مصر كلها إلى حالة ترويع يضرب فى الاستقرار وفرصه والأمن وضروراته ويساعد الحركات المسلحة على تعزيز فكرها وصحة مسارها ويدعم تمركزها ويسحب على المفتوح من أى أمل فى المستقبل.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...