من الشهداء؟ وما فضلهم؟

من الشهداء؟
الشهداء هم الذين قتلوا في سبيل الله تعالى، فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» البخاري، وفي رواية الإمام مسلم: عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» (يقاتل بشجاعة) أي ليذكره الناس ويصفوه بالشجاعة. (حمية) الحمية الأنفة والغبرة لعشيرته أي يقاتل مراعاة لعشيرته والقيام لأجلهم. (كلمة الله) أي دينه. والمراد أن من قاتل لإعزاز دينه فقتاله في سبيل الله لا ما ذكره السائل.
الشهادة هي الحياة الحقيقية: الموت في سبيل الله هو عين البقاء، والحياة في باطل هي عين الفناء، قال عز من قائل: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ . الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (آل عمران/169-172) . يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الشُّهَدَاءِ بِأَنَّهُمْ وَإِنْ قُتِلُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَإِنَّ أرواحَهم حَيَّةٌ مَرْزُوقَةٌ فِي دَارِ الْقَرَارِ، والشُّهَدَاءُ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَهُمْ فَرحون مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْغِبْطَةِ، وَمُسْتَبْشِرُونَ بِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ بَعْدَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنَّهُمْ يقدَمون عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ مِمَّا أَمَامَهُمْ وَلَا يَحْزَنُونَ عَلَى مَا تَرَكُوهُ وَرَاءَهُمْ.
إن الشهادة في سبيل الله هي الحياة حقًا، بها يغلب الإنسان غريزة حب البقاء وطول الأمل وإرادة الخلود التي أغرى بها الشيطان آدم عليه السلام؛ ليستنـزله من الدرجة الرفيعة والدار العالية البهية التي بوَّأه الله إياها، حين قال له يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى(طه/120) فقد أوهم إبليس آدم وزوجه، فأطمعهما أن يصيرا من الملائكة إذا أكلا من الشّجرة، ويبقيا خالديْن بلا موت.
لأجل هذا يتسابق العقلاء المخلصون في طلب الشهادة، وهم يعلمون معناها ويدركون أين يطلبونها؟ فيسعون إلى الجهاد غير هيابين ولا مترددين، فقد صح عن ابن حبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الجهاد أفضل؟ قال: «أَنْ يُعْقَرَ جَوَادُكَ، وَيُهْرَاقَ دَمُكَ».
وصح عن ابن حبان أيضًا عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فقال حين انتهى إلى الصف: اللهم آتني أفضلَ ما تُؤْتي عبادَك الصالحين. فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: «مَن المُتَكَلِّمُ آنِفاً؟» قال الرجل: أنا يا رسول الله. قال: «إِذاً يُعْقَرُ جَوَادُك، وَتُسْتَشْهَدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى».
النبي – يتمنى الشهادة: بلغ من رفعة الشهادة أن أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم كان يتمناها، وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّى وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ؛ مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللَّهِ. وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلَ».
كرامات الشهداء:
قال الله تبارك وتعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ(البقرة/154)، وعَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ  سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ ” سنن الترمذي/ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
ويمكن تفصيل الكرامات كالآتي:
1– تخفيف ألم القتل على الشهيد: فقد أخرج الضياء المقدسي في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله  أنه قال: «عَضَّةُ نَمْلَةٍ أَشَدُّ عَلَى الشَّهِيدِ مِنْ مَسِّ السِّلَاحِ، بَلْ هُوَ(أي القتل بالسلاح) أَشْهَى عِنْدَهُ مِنْ شَرَابٍ بَارِدٍ لَذِيذٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ». وأخرج أحمد والنسائي وصححه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مَسَّ الْقَتْلِ إِلاَّ كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسَّ الْقَرْصَةِ» .فسبحان من يرحم أولياءه ويعطف على أهل كرامته!.
2 – تجب له الجنة بمجرد الشهادة: كما قال تعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة/111)، وأخرج البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ  يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ» فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. بل هو في الدرجات العلا من الجنة، فقد أخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ، وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ. قَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى». على أن بعض الروايات تذكر أن حارثة لم يكن قتل يوم بدر في قتال ، بل انطلق ينظر ما صنع القوم ، فأصابه ذلك السهم الغرب ، فقد أخرج أحمد وصححه ابن حبان عن أنس قال: انْطَلَقَ حَارِثَةُ ابْنُ عَمَّتِي يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  غُلَامًا نَظَّارًا، مَا انْطَلَقَ لِلْقِتَالِ، قَالَ: فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، قَالَ: فَجَاءَتْ أُمُّهُ عَمَّتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنِي حَارِثَةُ إِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ، وَإِلَّا فَسَيَرَى اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. قَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى». فإن كان حارثة في الفردوس الأعلى مع ذلك، فما ظنك بمن خرج مقاتلاً، ولقي العدو مقبلاً غير مدبر‍؟ ‍
3 – يُغْفَر للشهيد مع أول قطرةٍ من دمه ذنوبُه كلُّا إلا الدَّيْن:
فقد صحح الحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْن». كما صح عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُهْرَاقُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ».
وأخرج النسائي وصححه ابن حبان عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّى خَطَايَايَ؟َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ». فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ لَهُ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ قُلْتَ؟». فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ إِلاَّ الدَّيْنَ، كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ».
4 – يُزوَّج من الحور العين قبل أن تجف دماؤه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ذُكِرَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ النَّبِىِّ فَقَالَ: «لاَ تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ كَأَنَّهُمَا ظِئْرَانِ (يعني مرضعتين) أَضَلَّتَا فَصِيلَيْهِمَا فِى بَرَاحٍ مِنَ الأَرْضِ، وَفِى يَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
5 – تظلله الملائكة بأجنحتها: فقد أخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : لَمَّا قُتِلَ أَبِي (يعني في غزوة أُحُد) جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ، مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ».
6 – يُحفظ من فتنة القبر: فقد صحح الحاكم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَقِيَ فَصَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَغْلِبَ لَمْ يُفْتَنْ فِي قَبْرِهِ». وأخرج النسائي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ؟ قَالَ: «كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً».
7 – يكلمه ربه كفاحاً أي مواجهة بلا واسطة: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لَقِيَنِى رَسُولُ اللَّهِ  فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ: «أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟». قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِى فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يُرْجَعُونَ». قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا الآيَةَ.
8 – تطير روحه في الجنة وتَعْلُق بأغصانها حيث شاءت:
أخرج أبو داود وصححه الحاكم على شرط مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِى جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِى إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِى ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِى الْجَنَّةِ نُرْزَقُ؛ لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِى الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ؟ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا». إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
وأخرج أبو داود وصححه ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : «الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا».
وأخرج مسلم عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ (يعني ابن مسعود رضي الله عنه) عَنْ هَذِهِ الآيَةِ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ(يعني سألوا رسول الله  فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِى جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِى إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلاَعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَىْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِى أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِى سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا».
9 – يُبْعَث الشهيدُ يوم القيامة وريحُ دمه ريحُ المسك: فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ». وصحح ابن حبان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جُرِحَ جُرْحاً فِي سَبِيلِ اللهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ، وَمَنْ جُرِحَ فِي سَبِيلِ اللهِ طُبِعَ بِطَابَعِ الشُّهَدَاءِ». وفي رواية عند ابن حبان أيضًا: «مَنْ جُرِحَ جُرْحاً فِي سَبِيلِ اللهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِيحُهُ كِرِيحِ المِسْكِ، لَوْنُهُ لَوْنُ الزَّعْفَرَانِ، عَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ، وَمَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ مُخْلِصاً أَعْطَاهُ اللهُ أَجْرَ شَهِيدٍ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ». ولذلك أُمر بأن يُزَمَّل الشهيد في دمه، ولا يُمْسَح عنه الدم، حتى يخرج به آية يوم القيامة، فقد أخرج الترمذي وحسَّنه، وصححه ابن حبان عن عبد الله بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  لِقَتْلَى أُحُدٍ: «زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِى اللَّهِ إِلاَّ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ».
10– هو أول من يدخل الجنة مع الأولين: حيث أخرج الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلاَثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: شَهِيدٌ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ، وَعَبْدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَنَصَحَ لِمَوَالِيهِ». وصح عن ابن حبان عن سَمُرَة بن جُنْدب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة (يعني الفجر) أقبل علينا بوجهه، فقال: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟» فَسَأَلَنا يَوْماً، ثم قال: «أُرِيتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ فَأَدْخَلَانِي دَاراً لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فَقَالَ: أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ».

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...