عقبات في طريق الدعوة….المثبطون

تأخر الشيخ عن وقت خطبة الجمعة في أحد المساجد , وكثر الحديث بين الحاضرين والقيل والقال وكثرة السؤال وبدت ملامح الاضطراب , فبادر أحد تلامذة الشيخ وطلاب العلم فصعد المنبر و خطب بالناس وصلى بهم فريضة الجمعة , وبدلا من تشجيعه والثناء عليه ورفع معنوياته على خطبته الجيدة وأدائه الطيب وجرأته ومبادرته ….تناولته ألسنة النقد ولم ينج من أصوات المثبطين والمخذلين .

نجح في جمع عدد من أرحامه وذويه وأفراد عائلته بمجلس علم ينصحهم فيه ويذكرهم بالله ويحذرهم عاقبة عصيانه ومخالفة أمره ويجيب على أسئلتهم بقدر علمه ويسأل أهل الذكر بما يجهله وليس له به يعلم…..فلم يسلم من الغمز واللمز وكلمات التثبيط وعبارات التهوين من أقرب الناس إليه وممن ينبغي أن يكونوا أكثر الناس تشجيعا له .

ليست هذه الصور إلا عينة من ممارسات المثبِّطين وتصرفات المحبِّطين الذين لا يبادرون ولا يعملون ولا يسلم من يعمل من ألسنتهم وقدحهم ونقدهم اللاذع الذي لا يمت إلى الإصلاح وتصحيح الخطأ بصلة .

قد لا يكون لمثل تلك الأصوات المثبطة أثر على الداعية المتمرس أوالخبير بسلوكيات هذه الفئة من الناس إلا أنها قد تفعل فعلها في دعاة آخرين مبتدئين أو طلاب علم ليس لهم بعدُ باع في تمييز النقد والنصح الصادق الهادئ الإيجابي من غيره الذي تفوح منه رائحة التثبيط وتبدو عليه أمارات وعلامات التفشيل والتخذيل .

لا يمكن الاستهانة بالأثر السلبي الذي يحدثه التثبيط في نفوس الداعين إلى الخير كما لا ينبغي التهوين بخطر ذلك المعوق الذي قد يدفع البعض إلى التوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحيانا و ربما يحمل آخرين على منع غيرهم وصدهم عن أحسن القول والعمل بنص القرآن الكريم : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فصلت/33

أن تتردد أصوات التثبيط على مسامع الدعاة والمصلحين من المنافقين وأعداء الدين لصدهم عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أمر قديم قدم بزوغ نور الإسلام و بعثة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم , وقد سجل القرآن الكريم بعض عبارات التثبيط وكلمات التوهين التي رددها المنافقون في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم على مسامع أصحابه قبيل خروجهم للجهاد ونشر كلمة الله في العالمين { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } التوبة/81 {  الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } آل عمران/168 . { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } آل عمران/173……

أما أن تصدر مثل تلك الأصوات من بعض الأقران وربما المقربين نسبا وعقيدة فهو ما لم يكن ينتظره الدعاة أو يتوقعه مريدو الإصلاح وآملو التغيير .

اليأس من الإصلاح والقنوط من إحداث التغيير المنشود والاتكاء على دعوى فساد الزمان و عدم جدوى محاولة تزكية النفوس وإصلاح القلوب …هي إحدى أبرز مداخل المثبطين وأهم سلوكياتهم الخاطئة في طريق الدعوة وأشدها خطرا على الدعاة والمصلحين .

أول ما غفلت عنه هذه الفئة المثبطة هو أن الدعوة إلى الله تعالى واجب وفريضة إسلامية بغض النظر عن النتائج والثمار , قال تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ….} آل عمران/110 , وقال تعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران/104

وفي الحديث الصحيح عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) صحيح البخاري برقم/3461 وفي حديث آخر عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَتَأمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ , وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ , أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ , ثُمَّ تَدْعُونَهُ فلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ ) سنن الترمذي وقال : هذا حديث حسن .

أمر آخر فات المثبطين والميئسين مفاده أن الخير في أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين , وأن اليأس والقنوط من إصلاح القلوب وتزكية النفوس منهي عنه في كتاب الله وسنة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأن من يقول : هلك المسلمون فهو أهلكهم بنص حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ : هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) صحيح مسلم برقم/139

السيرة النبوية وترجمة حياة السلف الصالح من هذه الأمة تضج بالقدوات ونماذج التأسي في وجوب عدم التفات الدعاة إلى أصوات المثبطين في طريق أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر , وضرورة المضي قدما في مسيرة الدعوة إلى الله مهما كثرت العقبات وازدادت الصعوبات .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...