مضار التعويم تفوق ثماره

بقلم: ممدوح الولي

يعدد أنصار الانقلاب في مصر المنافع التي حققها تعويم الجنيه المصرى منذ عام، في زيادة إيرادات الصادرات وخفض الواردات ونقص العجز التجاري، وارتفاع معدلات السياحة الواردة، وكذلك زيادة الاحتياطي من العملات الأجنبية، وزيادة استثمارات الأجانب بأدوات الدين المصري، وزيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والقضاء على السوق السوداء للدولار، واستقرار سعر الصرف خلال الشهور الأخيرة، وتوافر الدولار لعمليات الاستيراد.

 

ويتناسى هؤلاء أن أي قرار اقتصادى له فوائده ومضاره في الوقت نفسه، فانخفاض قيمة الجنيه ترتب عليها زيادة سعر صرف الدولار لحوالي الضعف، ما زاد من تكلفة استيراد مكونات السلع الصناعية، سواء كانت للتصدير أو للاستهلاك المحلي، ما يقلل تنافسيتها بالداخل والخارج.

ومن هنا فلم تستفد كل القطاعات الصناعية من التعويم، حيث استفادت القطاعات التي تعتمد على مواد خام محلية مثل الصناعات الغذائية، بينما تضررت الصناعات التي تعتمد على خامات ومواد وسيطة مستوردة مثل صناعة الأجهزة المنزلية والبلاستيك وغيرها، كما زادت تكلفة الآلات والمعدات ووسائل النقل بالنسبة لجميع القطاعات.

 

وحسبما ذكرت وزيرة التخطيط، فإن نسبة 60% من المكونات الصناعية مستوردة، ولنا أن نتصور مدى الأعباء التي لحقت بالصناعة نتيجة التعويم، ولنا كذلك تصور إسهام ذلك في زيادة قيمة الصادرات.

 

زيادة الصادرات لزيادة تكلفة المكونات

 

عندما تزداد قيمة المكونات المستوردة للضعف، فإن ذلك يترتب عليه ارتفاع قيمة السلع عند التصدير، حيث جاءت الزيادة في قيمة الصادرات بكثير من السلع، من زيادة قيمة المكونات وليس من زيادة عدد الوحدات المنتجة التي تم تصديرها.

 

كما يظل التساؤل حول القيمة الصافية من تلك الصادرات التي تتحقق لمصر، بعد استبعاد قيمة المكونات المستوردة من قيمة الصادرات، وكذلك بعد استبعاد حصة الشركات الأجنبية من تلك الصادرات.

 

ورغم أن التعويم كان سببًا في خفض قيمة الجنيه بنسبة تفوق المئة في المئة، فلم تزد قيمة الصادرات متضمنة زيادة سعر المكونات سوى بنسبة 11%، وتوقعت وزارة التجارة الخارجية زيادتها في السنوات القادمة بنسبة 10% سنويا فقط.

 

والأمر مشابه في السياحة، حيث تضررت كل المنشآت السياحية من زيادة أسعار التشغيل، سواء بالنسبة للمواد الغذائية أو الوقود أو النقل، كما قلل التعويم من قيمة مدفوعات الأجانب الدولارية، نتيجة رخص المنتج السياحي المصري .

 

حيث وصل سعر الرحلة 14 يوما من الصين مئة دولار، أما عن الدخل السياحى فيتم احتسابه من خلال رقم متوسط إنفاق تقديرى مبالغ فيه، تحدده وزارة السياحة للفرد فى الليلة، وليس من خلال إيرادات حقيقية، ولهذا فلا يمكن الوثوق بأرقام الإيرادات المعلنة.

 

ويتكرر ذلك في البنوك حيث زاد التعويم من تكلفة التشغيل، ما سينعكس على ربحية البنوك سلبا.

 

وكان انخفاض قيمة الواردات مرتبطا بالقيود الحكومية عليه، وبالركود بالأسواق وانخفاض القدرة الشرائية، وتسبب تراجع الاستيراد فى نقص كثير من السلع الحيوية مثل الأدوية وقطع الغيار والخامات الصناعية.

 

الضرر يشمل الحكومة والشركات الخاصة

 

أما الحديث عن زيادة الاحتياطى من العملات الأجنبية فهو كلام مغلوط، حيث إن زيادة الدين الخارجى خلال عام التعويم قد فاقت الزيادة فى قيمة الاحتياطي، كذلك الإشادة بإقبال الأجانب على شراء أذون الخزانة المصرية ووصول قيمة المشتريات إلى 18 مليار دولار.

 

فهي أموال ساخنة قصيرة الأجل يمكن أن تخرج سريعا مع أي حدث سياسي مؤثر، ويتوقع تراجعها كلما تحسنت قيمة الجنيه أمام الدولار، ويتشابه الأمر مع زيادة استثمارات الأجانب بالبورصة المصرية، حيث إنها استثمارات غير مباشرة لا تضيف شيئا للناتج المحلي المصري، وتخرج محملة بالأرباح على حساب المستثمرين المحليين.

 

أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تزيد من إنتاج السلع والخدمات ومن فرص العمل فهي ما زالت مؤجلة، في انتظار استقرار سعر الصرف، فالسوق السوداء لم تنته بشكل كامل حتى الآن، وتنتظر كذلك تراجع سعر الفائدة وانخفاض التضخم والاستقرار السياسى وإلغاء حالة الطوارئ.

 

فالاستثمارات الأجنبية المباشرة عادة لا تأتي بكامل قيمة المشروع من الخارج، بل تكون هناك نسبة من الاقتراض المحلي لتوزيع المخاطر، ومع تلك الفائدة المصرفية المرتفعة، التي لم تحدث منذ ربع القرن، فإنها لا تستطيع الدخول، إلى جانب صعوبة المنافسة في ظل هيمنة الجيش على كثير من قطاعات النشاط الاقتصادي.

 

أما عن المضار التي تسبب فيها التعويم، فأبرزها ارتفاع نسبة التضخم لمعدلات لم تحدث منذ ثلاثين عاما، وتراجع الطلب بالأسواق ما أدى لوجود طاقات عاطلة في كثير من المصانع والتأثير على معدلات الاستثمار المحلي.

 

كما تضررت الشركات المقترضة بالدولار، حيث تضاعفت قيمة قروضها بين يوم وليلة، كذلك تضررت غالبية الشركات من ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود وتكاليف النقل للبضائع والأفراد، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وزيادة كثير من رسوم الخدمات الحكومية، وصعوبات التمويل فى ظل تفضيل البنوك الاستثمار في أدوات الدين الحكومى.

 

ولا يقتصر الضرر على القطاع الخاص بل إن الحكومة نفسها تضررت نتيجة زيادة تكلفة استيراد الوقود والسلع التموينية، ما يزيد من أعباء الدعم بالموازنة، كما زادت أسعار التعاقدات مع المقاولين والموردين، وزيادة أعباء الفوائد بالموازنة نتيجة رفع الفائدة على أذون وسندات الخزانة لمعدلات قياسية.

 

حتى وصلت أعباء فوائد الدين 410 مليارات جنيه خلال العام المالي الحالي، ولعل من أبرز الجهات الحكومية المتضررة هيئة السلع التموينية وهيئة البترول.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...