آثار تقرير دولي بشأن آفاق الاقتصاد العالمي، قلق مجتمع المال والأعمال في المملكة العربية السعودية، ومخاوف المواطن السعودي والوافدين على حد سواء.
وتوقع صندوق النقد الدولي، في أحدث تقرير له، تراجع معدلات النمو في السعودية إلى نحو الصفر، وخفض من توقعاته للنمو في السعودية خلال العام المالي الحالي إلى 0,1% فقط في مقابل معدلات نمو بلغت4,1% و1,7% في 2015 و2016.
وأكد صندوق النقد أن استمرار تراجع أسعار النفط سيؤثر بشكل كبير على آفاق الدول المصدرة للنفط في المنطقة، والتي تتصدرها المملكة، مضيفا: “بعد أداء أفضل من المتوقع في العام 2016 مع معدل نمو بلغ 5%، لن يزيد هذا المعدل عن 2,6% هذا العام في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإضافة إلى أفغانستان وباكستان”.
وخسرت الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط مئات مليارات الدولارات منذ انهيار أسعار النفط في أواسط 2014 فتحول الفائض الضخم في موازناتها إلى عجز، ما دفع هذه الدول إلى اعتماد اجراءات تقشف وإصلاح سياساتها النقدية والاقتصادية خصوصا من خلال زيادة أسعار المحروقات والكهرباء وفرض ضرائب جديدة.
وتعاني السعودية حاليا من تراجع حاد في إيراداتها، دفعها في أبريل/ نيسان الماضي لإصدار صكوك دولية مقومة بالدولار لأول مرة في تاريخها لسد عجز الموازنة البالغ قيمته 198 مليار ريال (52.8 مليار دولار وفقا لموازنة 2017.
وارتفع الدين العام السعودي بنهاية 2016، إلى 316.5 مليار ريال (84.4 مليار دولار)، بما يشكل 12.3 بالمائة من الناتج المحلي بالأسعار الثابتة، مقارنة بـ142.2 مليار ريال (قرابة 38 مليار دولار)، شكلت 5.9 بالمائة من الناتج في 2015.
ومع استمرار نزيف الإيرادات العامة في السعودية، شرعت المملكة في تنفيذ خصخصة أصول للدولة، بتعيين غولدمان ساكس لإدارة بيع حصة في مطار الملك خالد بالرياض، ثاني أكبر المطارات السعودية، وذلك في أول عملية خصخصة كبيرة لمطار في المملكة، وفقا لرويترز.
ويأتي بيع حصة من مطار الرياض، بعد ما قررت السعودية طرح أقل من خمسة بالمئة من شركة أرامكو النفطية العملاقة للاكتتاب العام في اطار ما يسمى بـ” رؤية 2030″.
وتعليقا على توقعات صندوق النقد الدولي بتراجع النمو في السعودية، قال المحلل الاقتصادي، أحمد مصبح، إن النمو الاقتصادي هو أحد أهم المؤشرات الاقتصادية التي تعكس مقدار التغيرات الإيجابية في البنية الأساسية للقطاعات الاقتصادية، ويتمثل في مقدار زيادة دخل الدولة بالاعتماد على الموارد الاقتصادية المتاحة.
وأضاف “تكمن أهمية النمو الاقتصادي فيما يلعبه من دور أساسي في زيادة دخل الفرد ، وتحسين مستوى المعيشة، خلق فرص عمل جديد، وتحقيق الاستقرار الذي يلعب دورا أساسيا في جذب الاستثمارات الأجنبية”.
وأكد مصبح أن أحد أسباب انخفاض معدلات نمو الاقتصاد السعودي من 4.1 عام 2015 إلى 1.1 عام 2018، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، هو انخفاض أسعار النفط وما ترتب عليها من انخفاض حجم الإنتاج، لاسيما أن الاقتصاد السعودي يعتمد بصورة أساسية علي الإيرادات النفطية.
وأشار إلى أن الخطط التي أعلنت عنها السعودية، بشأن التوجه إلي التقليل من الاعتماد علي النفط، لم يقابلها إصلاحات جوهرية في بنية الاقتصاد السعودي، ولا توفير بيئة استثمارية قادرة على تحقيق الإيرادات المستهدفة بعيدا عن قطاع النفط، وهو ما يجعل هذه الخطط مجرد كلام فقط للاستهلاك المحلي.
وأوضح مصبح أن الاجراءات الحكومية المتمثلة في فرض المزيد من القيود على العمالة الأجنبية والتي تمثل السواد الأعظم من القطاع الخاص، وعدم وجود أو توفير البديل المحلي الكفء، يؤثر بشكل كبير على القوة الشرائية والاستهلاكية بالمملكة، ما يترتب عليه مزيد من تراجع المؤشرات الاقتصادية.
وتابع: “أحد أسباب تراجع النمو في السعودية، أيضا هو توجه الحكومة إلي خفض المصاريف من خلال إيقاف أو تقليل الانفاق الحكومي (خصوصا مشاريع البنية التحتية) والتي أثرت بدورها سلبا على نشاط القطاع الخاص الذي يعتمد بصورة أساسية على الإنفاق الحكومي، وكذلك تبني الحكومة السعودية سياسة السحب من الاحتياطات الأجنبية في سد عجز الموازنة، المتولد من انخفاض سعر النفط والإنفاق العسكري”.
وأكد مصبح أنه في ظل التخبط والضبابية الاقتصادية والسياسية بالمملكة، ستكون الحكومة السعودية مجبرة على التوسع في خصخصة ممتلكاتها وبيع أصول مثل شركة أرامكو ومطار الملك خالد وغيرها.
وأردف: “إن لم تجر المملكة إصلاحات اقتصادية حقيقية، وهذا مستبعد في ظل المعطيات الحالية، فإنه لن يكون أمامها في ظل تراجع أسعار النفط، سوى الخصخصة أو الاقتراض من المؤسسات الدولية بما فيها صندوق النقد الدولي، وذلك لسد العجز وتوفير السيولة بالأسواق”.
ولفت المحلل الاقتصادي، إلى أن القيود التي تفرضها المملكة على العمالة الوافدة من المتوقع أن توفر لها 20 مليار ريال، لكنها في الوقت نفسه ستؤدي إلى هروب العمالة، وهو ما يصعب معه تحقيق المستهدف، قائلا: “سلبيات القيود المتزايدة على العمالة الوافدة ستكون أكبر بكثير من إيجابياتها بالنسبة للحكومة، وفي كل الأحوال هذه الوسائل لها تكلفتها سيعاني منها الجميع الحكومة والمواطنين والعمالة الوافدة على حد سواء”.