رسالة إلى أهالي الشباب المُثبت عليهم حكم الإعدام

 

                                                                                    اجعلوها لله واطمئنوا لقضائه

أهلنا الكرام:

تحية من عند الله مباركة طيبة فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته يا أهلنا وأحبابنا من آباء وأمهات وإخوان وأخوات  وأقارب وجيران وأصدقاء وزملاء الشباب الحر الأبي المحكوم ظلماً وعدواناً. علم الله تعالي أن أبناءكم أبرياء، وأنهم ظلموا، فثقوا أن الله تعالي علي نصرهم وإنقاذهم لقدير؛ فإذا سبق في قدره سبحانه أن لهم أعماراً أخري فلن يملك الطغاة الظالمون أن ينتقصوا منها شئياً ولو جمعوا لذلك كل أنصارهم وجنودهم، وحشدوا لذلك كل قوتهم واستنفدوا كل أسبابهم، كما أنكم مع حبكم لأبناءكم وحرصكم علي حياتهم واستعدادكم لافتدائهم بأنفسكم وبكل عزيز وغال إلا أنكم لن تستطيعوا أن تمدوا في أعمارهم لحظة واحدة إذا جاء أجلهم وقضي الله تعالي أن يذوقوا الموتة التي كتبها عليهم. ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المنافقون: 11).فهذه الأحكام الجائرة الظالمة وما يقف خلفها من قوة باطشة طاغية لا يمكنها أن تغير من حقائق الأشياء؛ فالموت والحياة بيد الله وحده، وهذه الأحكام ومعها إرادة الطغاة لا تنقص عمراً قدره الله، ولا تأخذ روحاً  أرخي الله لها وأمد في أجلها، فهؤلاء الأقزام لا يملكون تعجيل ما أخره الله تعالي، ولا تأخير ما عجله الله تعالي. وهذه الحقيقة تسكب في قلوبنا وقلوبكم الطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره.

أهلنا الكرام:

لا يشك ذو عقل وخلق أن أبناءكم أبرياء، وأنهم من خيرة شباب الوطن، بل من خيرة شباب الإسلام، ديناً وعلماً وأدباً وخلقاً وتربية وسلوكاً. لقد أحبهم كل من خالطهم؛ فكانت بشاشة وجوههم ومحاسن أخلاقهم تفتح لهم طريقاً في القلوب، وعاشوا للناس أكثر مما عاشوا لأنفسهم، وكل من خالطهم يعلم ذلك من أحوالهم: فهم أهل الذكر والقرآن، وأهل الدين والخلق، وأهل البر والخير، وأهل البذل والعطاء، والتضحية والفداء، والشجاعة والمروءة.  ولا يتمني أي أب أو أم أن يكون لهم أبناء أفضل من هذه النماذج القدوة التي تشرف كل من  يمت لها بصلة أو يتصل بها بسبب. إنهم لم يكونوا أملا لكم وحدكم، ولكنهم كانوا أملاً لأوطانهم كذلك؛ فهم طليعة التغيير في هذا الوطن، فقد كانوا عوناً للفقير وسنداً للمحتاج ونصيراً للمظلوم، ودليلاً للحائر، وكانوا عقولاً متفتحة تنظر إلي الأمام وقلوباً تغمر الجميع بالحب، وتتطلع لمجد الأمة وقوتها واستقلالها ورخائها وسعادة أبناءها، ولكن الأمال منهم لم تنقطع؛ فالكلمة الأولي والأخيرة في أمر الموت والحياة لله تعالي وحده. وكم من سجين عاش بعد سجانه دهراً، وكم من محكوم ظلماً عاش عمراً مديداً بعد أن أصبح القاضي الذي أصدر عليه الحكم في طي الثري. مع فارق واحد مهم هو حسن الذكر والأحدوثة الذي يبقي في أثر أهل الحق فيمد إلي إعمارهم أعماراً ويضيف إلي حياتهم حياة، بينما يطوي النسيان أهل الظلم والطغيان ولا يذكرهم التاريخ إلا ليشيعهم باللعنات ويكيل لهم ما يستحقونه.

أهلنا الكرام:

الشهادة منزلة لا ترتقي عليها إلا النبوة ؛ فمن سبق في علم الله وقدره أن يختاره شهيداً؛ فهذه مكرمة ودرجة رفيعة له، وهي ذكر له ولقومه، فمقام الشهادة اصطفاء يختار الله تعالي له من عباده من أحبهم ورفع درجتهم: وتأملوا قول الله تعالي: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ (آل عمران: من الآية 140). والشهداء ينتقلون من دار إلي دار ليعيشوا في كنف الله وظل عرشة الحياة التي يستحقونها:﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾(البقرة: 154). ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 169 – 171).  وهذه الحياة التي يلقاه الشهيد عند ربه تجعله يتمني أن يعود إلي الدنيا ليتكرر معه مشهد الشهادة والقتل في سبيل الله. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ يَتَمَنَّى أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأنَّ لَهُ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدَ؛ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إلى الدنيا فيقتل عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ» (رواه البخاري ومسلم). وقد اختص الله تعالي الشهيد بكرامات لم يعطها لغيره؛ عَنْ قَيْسٍ الْجُذَامِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُعْطَى الشَّهِيدُ سِتَّ خِصَالٍ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ: يُكَفَّرُ عَنْهُ كُلُّ خَطِيئَةٍ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُؤَمَّنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ»(رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط). وقد سمي الشهيد شهيداً لأن روحه تشهد دار السلام عند ربه بمجرد خروجها من الجسد أما روح غيره فلا تشهدها إلا يوم القيامة، والشهيد لا يعاني سكرات الموت كما يعاني غيره وإن أشفق عليه من رأي ما يصيب جسده من جراح. عَنْ أَبِي قَتَادَةَ  رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ, إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ» (رواه الترمذي وصححه الألباني). فهو لا يتألم وإن رأي الناس جسده ممزقاً ودمه مراقاً متدفقاً، ولا تتوفق كرامة الشهيد عليه وحده بل إن أهله ينالهم نصيب منها فهو يشفع في أهله يوم القيامة في أشد الأوقات حرجاً. عَنْ نِمْرَانَ بْنِ عُتْبَةَ الذِّمَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ وَنَحْنُ أَيْتَامٌ صِغَارٌ، فَمَسَحَتْ رُءُوسَنَا، وَقَالَتْ: أَبْشِرُوا يَا بَنِيَّ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا فِي شَفَاعَةِ أَبِيكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الشَّهِيدُ يَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» (رواه أبو داوود وصححه الألباني).

أهلنا الكرام:

إن القضية التي يحملها أبناؤكم قضية عادلة تستحق التضحية؛ فهم أصحاب رسالة وأصحاب مبادئ وأصحاب مشروع حضاري تحرري يستهدف مجد الأمة ورفعتها، ولهذا ينقم عليهم أذناب المشروع الغربي الاستعماري الذي ينهب خيرات بلادنا ويريد استبقائها تابعة ذليلة، وسيذكر لهم التاريخ لأبنائكم مواقفهم المشرفة ويخط سيرتهم  بحروف من نور بينما يذهب الجلادون إلي مزابل التاريخ، وتذكروا أن الظلم مرتعه وخيم ونهايته وبيلة وأن الله تعالي لن يترك الظالمين يرتعون بلا حساب ويعيثون في الارض فساداً بلا معقب فالله من ورائهم محيط وهو يمهل ولا يهمل: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ (إبراهيم: 42 – 43). عن أبي موسى رضيَ اللهُ تعالى عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لَيُمْلِي للظالِمِ؛ حتَّى إذا أخَذَهُ لمْ يُفْلِتْهُ»، قالَ: ثمَّ قرأَ:  ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾(رواه البخاري).

أهلنا الكرام:

إن الروح التي لم تخرج من جسدها لا ينقطع الأمل من الله تعالي أن يمدها وينظرها ويؤخر ساعتها ويستعملها في طاعته، وهذا شهر رمضان فأكثروا فيه من الدعاء والإلحاح علي الله تعالي أن يحفظ أبناءكم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم واستعيذوا بالله أن يغتالوا من تحتهم، وألحوا علي الله تعالي أن يهلك الظالمين وأن ينجي أبناءكم وكل المظلومين من بين أيديهم إنه ولي ذلك والقادر عليه، وثقوا أن اختيار الله تعالي للعبد أفضل من اختياره لنفسه واختيار أحبابه له؛ فإذا اختار الله تعالي لأحدهم أن يستبقيه في الدنيا ليستعمله في طاعته فهذا هو الخير له ولا ريب، وإذا اختار الله تعالي لأحدهم أن يصطفيه إلي جواره ويرفعه إلي مرتبة الشهادة فهو الخير له ولا شك. فاجعلوها لله واطمئنوا إلي قضائه وقدره ونقول لكم ما قال موسي عليه السلام لقومه: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾(الأعراف: من الآية 128). ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾  (الشعراء : من الآية227) ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).

بشير عبد الرحمن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...