الإخـــاء بقلم: عبد الله أمين

14583204731_image

الإخاء هو أوثق في الروابط، وأجمع للشمل، وأقوى لوحدة المجتمع، وبه يكون المجتمع قويا صلبا متماسكا، قال صلى عليه وسلم: «الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضاً».

وبالإخاء يكون التعاون والتعاضد بين الأفراد، وتقوى نوازع الإيمان في القلب، ولعله من أجل هذا –وغيره كثير –كانت وصية عمر رضى الله عنه في قوله: «إذا رأي أحدُكم ودّاً من أخيه فليتمسَّك به، فقلما يصيب ذلك». وقد زكى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرابط الأخوي الحميم فقال: «الْمُؤْمِنُ مَرْآةُ أَخِيهِ» وقال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ».

وكم في الإخاء من منافع للمتآخين في الدنيا والآخرة سواء في تبادل المنافع: مالاً، وصحبه، ونصيحة، وغير ذلك، من مثل التعاون على الطاعات وأخصها التعاون على نشر دعوة الإسلام.

ويلزم أن نختار مَنْ نُؤَاخِي، ونتحرَّى عن إسلامه وتمسكه بدينه والعمل بمقتضاه، وعن تمسكه بأخلاق الإسلام وصولاً إلى قمة المكارم: قال صلى الله عليه وسلم: ‎ «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ‎»

ويلزم أن ندرك في من نختاره لصحبتنا نظافة طوَّيته وطهارة قوله وفعله، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» متفق عليه.

ويلزم أن نعرف فيه: العفة … ليس حريصا على الدنيا، متحليا بالرجولة ليكون أسرع في النجدة؛ قال الشاعر:

مَا أَكْثَرَ الْإِخْوَانَ حِينَ تَعُدُّهُمْ               وَلَكِنَّهُمْ فِي النَّائِبَاتِ قَلِيلُ

من أجل كل هذا يحضنا صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد في اختيار الأصدقاء وأن نجهد لذلك أكبر الجهد، قال صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».

وحين تقوم رابطة الأخوة في مجتمع ما … تتأكد سعادته، فهو مجتمع متعاون متساند متكامل، تقوم علاقات أفراده على الحب والإيثار، وقد قيل في ذلك “لا تجد نظرية توحه المجتمع البشرى كله مثل نظرية الإسلام، لأنه يقيمها على أساس من الحب والإخاء بين المجتمع”.

وقد سجل الله تعالى أعلى المقامات في ذلك فقال:﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(9) ﴾سورة الحشر.

استقبل الأنصار في المدينة المهاجرين من مكة وهم يحبون كل خير يأتيهم، يؤثرون على أنفسهم، وتأكد دخولهم الجنة بسبب ذلك، واقرأ هذه الآيات من سورة الحجر تجد ما يؤكد ذلك. قال تعالى:﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) ﴾ توضح الآيات أن سبب دخولهم الجنة بعد التقوى، هو انتزاع كل صفة سيئة من قلوبهم، وغرس كل صفة حميدة في أعماقهم من الحب في الله والتآزر على طاعته والرغبة في رضوانه. ألا فلنحرص على هذه الرابطة … فلعلها تضع مفتاح الجنة بين يديك.

الإخاء والإيمان

قال تعالى:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾المؤمنون مبتدأ، وإخوة خبر للمبتدأ، والخبر من شأنه أن يصف المبتدأ أو يحدد معالمه وكأن المعنى: لا قيام للإيمان إلا إذا وجدت الأخوة، والإيمان هو تقوى الله ومراقبته في كل لحظة، والأخوة تجعل البشرية قادرة على أداء دورها العظيم على امتداد التاريخ الإنساني، ومعروف أن المجتمع البشرى يفتقر بعضه إلى بعض كما قال الشاعر:

الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ                  بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ

ولما كان الإخاء من أخص معالم الايمان كان سببا أصيلا في دخول الجنة كما هو مذكور في آيات من الحجر :﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) ﴾والآية :﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(9) ﴾من سورة الحشر، واقرأ حديث رسول الله صلى عليه وسلم الذي أوله: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» ومنهم: «ورَجُلانِ تَحَابَّا في الله: اجْتَمَعَا عليه وتَفَرَّقَا عليه»؛ وفى حديث آخر قال صلى عليه وسلم: «مَا تَحَابَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ إِلا كَانَ أَفْضَلُهُمَا أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ».

واقرأ هذه القصة … وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم في خلالها: “قوموا لأخيكم” وما قدم هذا الأخ إلا إيمانا للحظته، أقبل رجل من البادية على نَفَرٍ من المسلمين، وسأل: هل فيكم محمد؟ وكان صلى الله عليه وسلم بينهم فأجابه: نعم، قد أَصَبْتَهُ فقال له الرجل: علمني الإسلام، فعلمه؛ فقال الرجل: قد أقررت. قال الراوي: ثم إن دابته انحرفت –يعنى استدارت-فوقعت يدُها في شراك جُرْذَانٍ -شبكة لصيد الفئران – فَانْكَفَأَتْ … فوقع الرجل على هامته، فقال صلى الله عليه وسلم: “قوموا لأخيكم” فقام عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان رضى الله عنهما، ولما أجلساه وَجَدَاهُ قد مات. فَدُهِشَا … وقالا: يا رسول الله: لقد مات الرجل. فقال: “والله إني أعلم ذلك، لأني رأيت ملكين من ملائكة السماء يَدُسَّانِ في فيه من ثمار الجنة فعلمت أنه مات جائعا. ثم تَلَاَ قول الله تعالى:﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) ﴾الأنعام؛ “قوموا لأخيكم” وما قدم أخوهم غير أنه أقبل يريد الإسلام، وكان إقباله بقلبه المؤمن العامر بعمق الإيمان.

إن الأخوة الحقة سبب أصيل في تحقيق الايمان، وسبب أصيل في دخول الجنة﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...