نصرة المظلوم تُحي أمة

خليل الجبالي :
التناصر في حياة الأمم له أهمية عظيمة، ودونه يصبح المجتمع الإسلاميّ مكشوفًا أمام أعدائه مُعَرَّضًا للهزيمة.
وإنّ التزام أبناء المجتمع بنصر الله من ناحية، ونصرة بعضهم بعضاً من ناحية أخرى، يؤدّي حتماً إلى فوز المسلمين بكل خير، وظهورهم على عدوِّهم تحقيقًا لوعد الله عزّ وجلّ: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) .
ونصرة المسلم تتحقق عند تقديم العون له متى احتاج إليه، ودفع الظلم عنه إن كان مظلوماً، وردعه عن الظلم إن كان ظالماً، وذلك تحقيقًا لقول رسول الله صل الله عليه وسلم : (انصر أخاك ظالمًاً أو مظلومًا)
فقال رجل: يا رسول الله أنصره إن كان مظلوماً، أرأيت إن كان ظالمًا كيف أنصره؟
قال: ( تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإنّ ذلك نصره).
ولهذا  أُعتبر نصرة المظلوم من واجبات كلّ مسلم تجاه كلّ مظلوم.
كما أن السكوت عن نصرة مظلوم واحد خشية الفتنة يفضي لعموم العقاب وشدة الاضطراب، جاء في الحديث: (إذا رأت أمتي الظالم ولم تأخذ على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب).
إن الإسلام يغرس في نفس المسلم رفض الظلم والتمرد على الظالمين حتى إنه ليقول في دعاء القنوت (نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك).
و لم يشرع الله سبحانه وتعالي حداً تنتهي إليه الأمة في باب التصدي للظلم إلا برفعه، والأخذ على يد الظالم، ومنعه عن ظلمه، ونصرة المظلوم، ولا عذر دون ذلك.
إن نصرة المظلوم واجب شرع لأمر الله عز وجل : ﴿وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر﴾.
فالأمة المجاهدة لابد أن تنصر المظلوم، وتنبذ الحمية الجاهلية والتفاخر بالآباء أو الأنساب أو الأعراق، وتوقظ أبناءها  حتي يصح إيمانهم فتدعو إلي الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهي عن المنكر، وتأخذ علي يد كل ظالم مستكبر.
إن الحكم بين الناس بالعدل مبدأ يكفل راحة وطمأنينة الرعية والمرؤسين،فالظالم يُؤخذُ علي يديه لتستقر الحياة ويأمن الناس.
إن نصر المظلوم واجب لا يحتاج إلي مقابل،فهو أمرٌ رباني، وهذا ماظهر واضحاً لدى ذي القرنين في قوله : ( قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) سورة الكهف.
إن الصمت الذي يمارسه كثير من رجال الدين والعلم والفكر والإعلام تجاه ما تتعرض له الشعوب المسلمة من استلاب لحريتها، وانتهاك لكرامتها، لن يحافظ  على مصالحهم الشخصية ووجاهتهم الزائفة، فإن الصمت إقرار منهم لهذه الإنتهاكات وخيانة الأمة.
لقد حرم الإسلام التعرض بالأذي أو الظلم للمسلمين في أعراضهم أودماءهم أوأموالهم كما قَالَ رسول الله صل الله عليه وسلم : (( فَإنَّ دِمَاءكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عليكم حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا ، وَسَتَلْقُونَ رَبَّكُمْ فَيَسْألُكُمْ عَنْ أعْمَالِكُمْ ، ألا فَلا تَرْجعوا بعدي كُفّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ  بَعْض ، ألا لَيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أنْ يَكُونَ أوْعَى لَهُ مِنْ بَعْض مَنْ سَمِعَهُ )) ، ثُمَّ قَالَ : (( ألاَّ هَلْ بَلَّغْتُ ، ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ )) قُلْنَا : نَعَمْ .
قَالَ : (( اللَّهُمَّ اشْهَدْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
ولذا لابد أن يوقن المظلومون أنهم أصحاب إبتلاء ، وأشد الناس إبتلاءاً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، ويبتلي المرء علي قدر دينه، فمن ثخن دينه اشتد بلاءه ومن ضعف دينه ضعف بلائه.
فيعلم الذين يتألمون من ظلم الظالمين أن ألم ساعة في سبيل الله يهون ويضعف ولن ينالوا بعده إلا الجنة التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر عندما مر عليه وقت تعذيب الكفار وهويقول لهم: (صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة.
فيا من ظـُلمتم في سبيل دعوتكم ، وحُبستم بغير ذنب لا تهنوا ولا تتألموا، فإنكم ترجون من الله الخير بإبتلاءكم سبيله، إنكم ترجون تكفير الذنوب ومحي الخطايا، ورضوان الله والجنة …الجنة .
(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:104).
(واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) سورة يوسف.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...