وإن جندنا لهم الغالبون

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
من السنن الإلهية … الغلبة في هذا التدافع للحق وأهله :ــ
سنّة الله في نصر المؤمنين لا تتخلف :
إن سنّة الله تعالى في نصر المؤمنين لا تتخلف أبداً لأنها إخبار من الله تعالى والله أصدق القائلين .
وأذكر فيما يلي بعض النصوص من القرآن الكريم الدّلة على ذلك .
أ ـ قال تعالى : (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً {22} سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)الفتح .
قال القرطبي في قوله تعالى : (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ) يعني طريقة الله وعادته السالفة نصر أوليائه على أعدائه . وقال ابن كثير في تفسيرها : أي هذه سنّة الله تعالى وعادته في خلقه : ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل إلا نصر الله الإيمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل كما فعل الله تعالى يوم بدر.
ب ـ قال تعالى : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)) الأنعام.
وجاء في تفسيرها : (وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ) أي التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين كما قال تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) .
ج ـ قال تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) . وجاء في تفسير الزمخشري في هذه الآيات : الكلمة : قوله تعالى : (إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) والمراد الوعد بعلوهم على عدوهم في مقام الحجاج وملاحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم في الآخرة .
د ـ قال تعالى:(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21))المجادلة. وجاء في تفسيرها : أي قد حكم الله وكتب في كتابه الأول وقدره الذي لا يخالف ولا يُمانع ولا يُبدل بأن النصر له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة.
هـ ـ وقال تعالي{إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَـقُومُ الأَشْهَادُ (51)}[ غافر] .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :(وهذه سنّة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقرّ أعينهم ممن آذاهم .
وقال السدّي لم يبعث الله عز وجل رسولاً قط إلى قوم فيقتلونه ، أو قوماً من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلونهم فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا .
قال السدي : فكانت الأنبياء والمؤمنين يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها ) .
ومعنى ذلك أن المؤمنين وهم أهل الحق هم المنصورون وإن قتلهم أهل الباطل وانتصروا عليهم في الظاهر إلا أن العاقبة
والغلبة للمؤمنين ولو بعد حين ، حيث يأتي من يعاقب المبطلين ويقتلهم جزاء ما فعلوه بأهل الحق ، وهذا علامة على اندحار
أهل الباطل وغلبة أهل الحق عليهم .
و ـ ولقد وعد الله بالتمكين والنصر لعباده المؤمنين فقال تعالي{وَكَانَ حَقاً عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ(47)}[سورة الروم.
وجاء في تفسيرها : فيها مزيد تشريف وتكرمة للمؤمنين حيث جعلوا مستحقين على الله تعالى أن ينصرهم ، وإشعار بأن الانتقام لأجلهم .
وظاهر الآية أن هذا النصر في الدنيا وأنه عام لجميع المؤمنين فيشمل من بعد الرسل من الأمة .
ولقد حكي الله تعالي ما حدث في بدر رغم عدم التكافؤ بين الفريقين ومع ذلك كان النصر حليف الفئة المؤمنة ذات العدة والعدد القليل ، فقال سبحانه وتعالي : {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)} (آل عمران).
يقول الإمام الحافظ ابن كثير: إن في ذلك لَمُعْتَبَرًا لمن له بصيرة وفَهْم، يهتدي به إلى حكم الله وأفعاله، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد.
وفي قصة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون خير مثال على انتصار الحق في النهاية, رغم مظاهر انتصار الباطل في البداية, قال تعالى: { فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ (122)} الأعراف.
وقال تعالي{…وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَـلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً(141)}[ النساء] .
وقد وعد الله تعالي بأن لا يخلي الأرض من عباده المجاهدين المتمسكين بالحق, إن ذهب جيل قيض الله جيلا آخريدافع عن الحق كما قال النبي صلي الله عليه وسلم (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ذَلِكَ) رواه مسلم . وأخبر بأنها منصورة بأمره ، كما قال صلى الله عليه وسلم : [ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ] (رواه الترمذي,وابن ماجه, وأحمد) .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...