بالأخلاق نرتقي

الحمد لله رب العالمين …جعل الأخلاق قوام المجتمع الراقي وأساسه الفاضل فأمرنا بحسن الخلق فقال تعالي (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) الأعراف .
فنحمده سبحانه علي نعمة الإسلام العظيم وكفي بها نعمة ونشكره أن هدانا للقرآن الكريم ولولاه ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا ونتوب إليه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير .. زكي نبيه محمد صلي الله عليه سلم فقال تعالي (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) القلم . وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم .. حدد الغاية الأولي من بعثته والمنهاج القويم في دعوته فقال صلي الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة) . فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون
فإن الإنسان جسد وروح، ظاهر وباطن، والأخلاق الإسلامية تمثل صورة الإنسان الباطنة، والتي محلُّها القلب، وهذه الصورة الباطنة هي قوام شخصية الإنسان المسلم، فالإنسان لا يقاس بطوله وعرضه، أو لونه وجماله، أو فقره وغناه، وإنما بأخلاقه وأعماله المعبرة عن هذه الأخلاق، يقول تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ(13){ [الحجرات].
وكذلك بقاء الأمم والشعوب متوقف علي أخلاق هذه الأمم وازدهار أخلاقها ،
لأن حاجة الناس إلي الأخلاق أشد من حاجتهم إلي الطعام والشراب لانه بفقد الطعام والشراب يضعف البدن الظاهر ، أما بفقد الأخلاق هلاك الباطن وهو عبارة عن الروح والقلب وشتان بين هلاك الظاهر وهلاك الباطن ، لذلك حديثنا عن ((بالأخلاق نرتقي))وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ….
1ـ مفهوم الأخلاق.
2ـ مكانة الأخلاق في الإسلام.
3ـ علاقة الأخلاق بالإيمان .
4ـ نماذج ممن حسنت أخلاقهم .
5ـ أثرالأخلاق علي الفرد والمجتمع.
6ـ كيفية اكتساب حسن الخلق .
العنصر الأول : مفهوم الأخلاق :ــ
الخلق لغة: هو السَّجيَّة والطَّبع والدِّين، وهو صورة الإنسان الباطنية، أما صورة الإنسان الظاهرة فهي الخُلق؛ لذلك كان من دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «… واهدِني لأحسنِ الأخلاق، لا يهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرِفْ عني سيِّئَها، لا يصرِفُ عني سيِّئها إلا أنت» (رواه مسلم).
ويوصَفُ المرءُ بأنه حسَنُ الظاهر والباطن إذا كان حسَنَ الخَلْق والخُلُق.
الأخلاق: اصطلاحًا:
عبارة عن هيئة في النفس راسخةٍ تصدُرُ عنها الأفعالُ بسهولةٍ ويُسرٍ، من غير حاجة إلى فكرٍ ولا رويَّة، وهذه الهيئة إما أن تصدُرَ عنها أفعالٌ محمودة، وإما أن تصدُرَ عنها أفعالٌ مذمومةٌ، فإن كانت الأولى، كان الخُلُق حسَنًا، وإن كانت الثانية، كان الخُلُق سيِّئًا.
هناك فَرْقٌ بين الخُلُق والتخلُّق؛ إذ التخلُّق هو التكلُّف والتصنُّع، وهو لا يدوم طويلاً، بل يرجع إلى الأصل، والسلوك المتكلَّف لا يسمَّى خُلقًا حتى يصير عادةً وحالةً للنفس راسخةً، يصدُرُ عن صاحبِه في يُسر وسهولة؛ فالذي يصدُقُ مرة لا يوصَفُ بأن خُلقَه الصدقُ، ومن يكذِبُ مرَّةً لا يقال: إن خُلقَه الكذب، بل العبرةُ بالاستمرار في الفعل، حتى يصيرَ طابعًا عامًّا في سلوكه.
العنصر الثاني : مكانة الأخلاق في الإسلام:ــ للأخلاق أهمية بالغة باعتبارها من أفضل العلوم وأشرفها واعلاها قدراً ، لذلك نجد بعض العلماء عندما يتحدث عن بيان قيمة علم الاخلاق بالنسبة الى العلوم الأخرى يقول بعضهم : إنه إكليل العلوم جميعاً ، ومنهم من يقول : إنه تاج العلوم ، ومنهم من يقول : إنه زبدة العلوم .
ذلك أن العلوم الأخرى تساعد أساساً على الأخلاق في الكشف عن النافع والضار ، والخير والشر وهما موضوع الأخلاق ، فتعتبر تلك العلوم وسائل معينة لتحقيق هذا العلم .
كما أن علم الأخلاق يستخدم العلوم الأخرى في الكشف عن مهمته وتحقيق أهدافه.
كما إن السلوكيات الأخلاقية وآدابها هي التي تميز سلوك الإنسان عن سلوك البهائم في تحقيق حاجاته الطبيعية ، أو في علاقاته مع غيره من الكائنات الأخرى ، فالأداب الأخلاقية في كل المعاملات وقضاء الحاجات الإنسانية زينة الإنسان وحليته الجميلة ، وبقدر ما يتحلى بها الإنسان يضفي على نفسه جمالاً وبهاءً ، وقيمة إنسانية .
فتتمثل مكانة الأخلاق في النقاط التالية ….
1ـ الأخلاق هي الغاية الأولي من بِعثة النبي صلي الله عليه وسلم :ـ
فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم (إنما بُعِثْتُ لأتممَ مكارم الأخلاق).
والقرآن الكريم والسنة المطهرة يكشفان بوضوح عن هذه الحقائق :ـ فقال تعالي عن الصلاة }إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45){ العنكبوت وقال تعالي عن الزكاة }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (103){ التوبة وقال تعالي عن الصيام }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183){ البقرة
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه){ رواه البخاري. وقال تعالي عن الحج }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ (197) { البقرة وقال صلي الله عليه وسلم : من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه )رواه مسلم . لقد بين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب أهمية الخُلق، بالرغم من أنه ليس أهمَّ شيء بُعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أجله؛ فالعقيدة أهم منه، والعبادة أهم منه، ولكن هذا أسلوب نبوي لبيان أهمية الشيء، وإن كان غيرُه أهمَّ منه، فإن قال قائل: ما وجه أهمية الخُلق حتى يقدَّم على العقيدة والعبادة ؟ فالجواب: إن الخُلق هو أبرز ما يراه الناسُ، ويُدركونه من سائر أعمال الإسلام؛ فالناس لا يرون عقيدةَ الشخص؛ لأن محلَّها القلبُ، كما لا يرون كلَّ عباداته، لكنهم يرَوْن أخلاقه، ويتعاملون معه من خلالها؛ لذا فإنهم سيُقيِّمون دِينَه بِناءً على تعامله، فيحكُمون على صحتِه من عدمه عن طريق خُلقه وسلوكه، لا عن طريق دعواه وقوله، وقد حدَّثَنا التاريخ أن الشرق الأقصى ممثَّلاً اليوم في إندونسيا والملايو والفلبين وماليزيا، لم يعتنقْ أهلُها الإسلام بفصاحة الدعاة، ولا بسيف الغزاة، بل بأخلاقِ التجَّار وسلوكِهم، من أهل حضرموت وعمان؛ وذلك لما تعاملوا معهم بالصدق والأمانة والعدل والسماحة. وإن مما يؤسَفُ له اليوم أن الوسيلةَ التي جذبت كثيرًا من الناس إلى الإسلام هي نفسها التي غدَت تصرِفُ الناس عنه؛ وذلك لما فسَدت الأخلاق والسلوك، فرأى الناس تباينًا – بل تناقضًا – بين الادِّعاء والواقع!
2 ـ تعظيم الإسلام لحُسن الخُلق:ــ لم يعُدِ الإسلام الخلق سلوكًا مجرَّدًا، بل عده عبادةً يؤجر عليها الإنسان، ومجالاً للتنافس بين العباد؛ فقد جعله النبيُّ – صلى الله عليه وسلم أساسَ الخيريَّة والتفاضل يوم القيامة، فقال:(إن أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون) رواه أحمد.
وكذلك جعَل أجر حُسن الخُلق ثقيلاً في الميزان، بل لا شيء أثقلُ منه، فقال:(ما من شيءِ أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة مِن حُسن الخُلق)) رواه أبو داود، وقال الألباني: “صحيح”. وجعَل كذلك أجرَ حُسن الخُلق كأجرِ العبادات الأساسية، مِن صيام وقيام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم {رواه أبو داود، وأحمد وصححه الألباني
بل بلَغ من تعظيم الشارع لحُسن الخُلق أنْ جعَله وسيلة من وسائل دخول الحنة.
فعن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال تقوى الله وحسن الخلق) رواه الترمذي.
وفي حديث آخرَ ضمِن لصاحب الخُلق دخولَ الجنة، بل أعلى درجاتها، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.) رواه أبو داود وحسنه الألباني
وقد حرم الله تعالي صاحب حسن الخلق على النار عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ” مَنْ كَانَ هَيِّنًا لَيِّنًا سَهْلا قَرِيبًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ” . رواه الترمذي .
3ـ أنها أساس بقاء الأمم:ــ فالأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، كما قال شوقي:
وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم فأقِمْ عليهم مأتَمًا وعويلا
ويدلُّ على هذه القضية قولُه – تعالى }وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16){[الإسراء]. ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالي : إن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة
4 ـ أنها من أسبابِ المودة، وإنهاء العداوة:ــ يقول الله تعالى ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾ [فصلت]. والواقع يشهد بذلك، فكم من عداوةٍ انتهت لحُسن الخُلق؛ كعداوة عمرَ وعكرمة، بل عداوة قريش له صلى الله عليه وسلم. ومن هنا قال: ” إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه ، وحسن الخلق ، حسنه الألبانى فى صحيح الترغيب “.
يقول أبو حاتم رحمه الله “الواجب على العاقل أن يتحبَّب إلى الناس بلزوم حُسن الخُلق، وتَرْكِ سوء الخُلق؛ لأن الخُلق الحسَن يُذيب الخطايا كما تذيب الشمسُ الجليد، وإن الخُلق السيِّئ لَيُفسد العمل، كما يفسد الخلُّ العسلَ”. 5 ـ إن الخُلق أفضلُ الجمالينِ:ــ الجمال جمالان؛ جمال حسي، يتمثل في الشَّكل والهيئة والزينة والمركَب والجاه والمنصب، وجمال معنوي، يتمثل في النفس والسلوك والذكاء والفطنة والعلم والأدب، كما قال القائل: ليس الجمالُ بأثواب تُزيِّنُنا إن الجمالَ جمالُ العلم والأدبِ وقال الشاعر:
ليس الجمالُ بمئزرٍ فاعلم وإن رُدِّيت بردا
إن الجمالَ مناقب ومعادن أورثن حمدا
وقد ذكر اللهُ أن للإنسان عورتينِ؛ عورة الجسم، وعورة النفس، ولكل منهما ستر؛ فستر الأولى بالملابس، وستر الثانية بالخُلق، وقد أمر الله بالسترين، ونبَّه أن الستر المعنوي أهمُّ من الستر الحسي فقال: } يابنى آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(26){[الأعراف].
فطهارةُ الباطن أعظمُ من طهارة الظاهر.
العنصر الثالث :ــ علاقة الأخلاق بالإيمان :ــ هناك علاقة طردية بين الإيمان والأخلاق:ـ فكلما كان الإيمان صحيحاً قوياً أثمر أخلاقاً حميدة ،والإيمان القوي يلد الخلق القوي حتما ،وأن انهيار الأخلاق مرده إلي ضعف الإيمان ، أو فقدانه بحسب تفاقم الشر أو تفاهته . لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ” أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً” (رواه أبوداود والترمذي وصححه الألباني). وفي آيات وفيرة وأحاديث كثيرة ربط الإسلام بين الإيمان وحسن الخلق ،ومن أمثلة ذلك:
ـ 1- اقتضاء الإيمان للعدل: قال تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(89{ (المائدة) . 2- اقتضاء الإيمان للصدق : قال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119){﴾ (التوبة) . 3- اقتضاء الإيمان للحياء : قال عليه الصلاة والسلام:” الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياءُ شعبة من الإيمان” (رواه مسلم وعند البخاري: بضع وستون)
4- اقتضـاء الإيمان للكرم والبذل: قال صلى الله عليه وآله وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيكرم ضيفه. .. الحديث ” (متفق عليه) . 5- اقتضـاء الإيمان للحب في الله : قال عليه الصلاة والسلام:” لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” رواه مسلم .
6- اقتضـاء الإيمان للصبر والشكر :قال عليه الصلاة والسلام:”عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خيرٌ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.” رواه مسلم. منافاة الأخلاق السيئة للإيمان الكامل ومن ذلك :ـ 1- منافاة السخرية والاستهزاء للإيمان: قال تعالى:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(11){ (الحجرات)
2- منافاة سوء الظن والتجسس والغيبة للإيمان: قال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ(12){ (الحجرات) 3- منافاة الكذب والإخلاف والخيانة للإيمان: قال عليه الصلاة والسلام: }ية المنافق ثلاثٌ ؛ إذا حدّث كذب ، وإذا وعَدَ أخلف ، وإذ ائتمن خان{ متفق عليه .
4- منافاة إيذاء الجار للإيمان: قال صلى الله عليه وآله وسلم:} من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره{ رواه البخاري .
ويقول عليه الصلاة والسلام}والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ،والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟ قال الذي لا يأمن جارُه بوائقه{ رواه البخاري.
فإذا نمت الرذائل في النفس وفشا ضررها وتفاقم خطرها انسلخ المرء من دينه كما ينسلخ العريان من ثيابه وأصبح ادعاؤه للإيمان زورا فما قيمة دين بلا خلق ، وما معني الإفساد مع الانتساب لله تعالي ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين . أيها المؤمنون من هنا ندرك الغاية من وراء الأمر بالتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل ألا وهي : نزكية نفوسنا وتطهيرها لكي نفوز برضا الرحمن،وننجو بإذن ربنا من النيران، وقد أقسم سبحانه أحد عشر قسما متوالياً على أنه لا يستحق الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا من زكت نفسه وصفت، فقال سبحانه: }وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا(6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10){ الشمس.
ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدين وركناً أساساً من أركان العبادة. وقد ورد في الحديث ” الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ” فالإيمان شعب، ويزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وإذا كان الحياء شعبة من الإيمان فسلب الحياء شعبة من شعب الكفر، وقس على ذلك الكذب والغدر، والسرقة،وغيرها. العنصر االرابع : نماذج ممن حسنت أخلاقهم:ــ
لقد أعطي سلفنا الصالح نماذج رائعة في حسن الخلق مما أثر في غيرهم فقدموا للعالم قدوات رائعة ، فكان الواحد منهم إسلاما يمشي علي الأرض ، وقديما قالوا ( عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل)
من هذه القدوات ما يلي …
1ـ التابعي الجليل إبراهيم ابن أدهم :ـ
هاهو يهودي معه كلب واليهود لطالما استفزوا المسلمين يريدون أن يوقعوهم في شَرَكِهم يمر على إبراهيم بن أدهم عليه رحمة الله ذلكم المؤمن، فيقول له: ألحيتك يا إبراهيم أطهر من ذنب هذا الكلب، أم ذنب الكلب أطهر من لحيتك؟
فما كان منه إلا أن قال بهدوء المؤمن الواثق بموعود الله عز وجل إن كانت في الجنة فهي أطهر من ذنب كلبك، وإن كانت في النار لذنب كلبك أطهر منها.
فما ملك هذا اليهودي إلا إن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، والله ما هذه إلا أخلاق الأنبياء: { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} [فصلت].
2ـ عمر ابن عبدالعزيز وفتح مدينة سمرقند:ـ
في خلافة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ،كان قتيبة بن مسلم الباهلي رحمه الله يفتح المدن والقرى ينشر دين الله في الأرض , وفتح الله على يديه مدينة سمرقند .
افتتحها بدون أن يدعوَ أهلها للإسلام أو الجزية, ثم يمهلهم ثلاثاً كعادة المسلمين , ثم يبدأ القتال .
فلما علم أهل سمرقند بأن هذا الأمر مخالف للإسلام كتب كهنتها رسالة إلى سلطان المسلمين في ذلك الوقت وهو عمر بن عبد العزيز عليه رحمة الله , أرسلوا بهذه الرسالة أحد أهل سمرقند يقول هذا الرسول:-
( أخذت أتنقّل من بلد إلى بلد أشهراً حتى وصلت إلى دمشق دار الخلافة فلما وصلت أخذت أتنقل في أحيائها وأُحدِّث نفسي بأن أسأل عن دار السلطان , فأخذت على نفسي إن نطقت باسم السلطان أن أؤخذ أخذاً فلما رأيت أعظم بناءٍ في المدينة , دخلت إليه وإذا أناس يدخلون ويخرجون ويركعون ويسجدون , وإذا بحلقات هذا البناء , فقلت لأحدهم أهذه دار الوالي؟
قال: لا , بل هذا هو المسجد.
قال: صليت؟ قال: قلت: وما صليت؟ , قال: وما دينك؟
قال: على دين أهل سمرقند , فجعل يحدثني عن الإسلام حتى اعتنقته وشهدت بالشهادتين ,ثم قلت له: أنا رجل غريب أريد السلطان دلّني عليه يرحمك الله؟
قال أتعني أمير المؤمنين؟ قلت: نعم .
قال: اسلك ذلك الطريق حتى تصل إلى تلك الدار وأشار إلى دار من طين .
فقلت: أتهزأ بي؟
قال: لا ولكن اسلك هذا الطريق فتلك دار أمير المؤمنين إن كنت تريده , قال: فذهبت واقتربت وإذا برجل يأخذ طيناً ويسدّ به ثُلمة في الدار وامرأة تناوله الطين , قال: فرجعت إلى الذي دلّني وقلت: أسألك عن دار أمير المؤمنين وتدلّني على طيّان! فقال: هو ذاك أمير المؤمنين .
قال: فطرقت الباب وذهبت المرأة وخرج الرجل فسلّم علي ورحّب بي وغسّل يديه, وقال: ما تريد؟ قلت: هذه رسالة من كهنة سمرقند فقرأها ثم قلبها فكتب على ظهرها, ( من عبد الله عمر بن عبد العزيز إلى عامله في سمرقند أن انصب قاضياً ينظر فيما ذكروا ) , ثم ختمها وناولنيها.
فانطلقت أقول: فلولا أني خشيت أن يكذبني أهل سمرقند لألقيتها في الطريق ماذا تفعل هذه الورقة وهذه الكلمات في إخراج هذه الجيوش العرمرم وذلك القائد الذي دوّخ شرق الأرض برمتها .
قال: وعدت بفضل الله مسلماً كلما دخلت بلداً صليت بمسجده وأكرمني أهله , فلما وصلت إلى سمرقند وقرأ الكهنة الرسالة أظلمت عليهم الأرض وضاقت عليهم بما رحبت ، ذهبوا بها إلى عامل عمر على سمرقند فنصّب لهم القاضي جُمَيْع بن حاضر الباجي لينظر في شكواهم ,ثم اجتمعوا في يوم وسألناه دعوانا فقلنا اجتاحنا قتيبة, ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا لننظر في أمرنا فقال القاضي: لخليفة قتيبة وقد مات قتيبة رحمه الله:أنت ما تقول؟
قال: لقد كانت أرضهم خصبة وواسعة فخشي قتيبة إن أذنهم وأمهلهم أن يتحصنوا عليه .
قال القاضي: لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً , ثم قضى القاضي بإخراج المسلمين على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك وفقاً للمبادئ الإسلامية .
ما ظنّ أهل سمرقند أنّ تلك الكلمات ستفعل فعلها ما غربت شمس ذلك اليوم ورجل من الجيش الإسلامي في أرض سمرقند , خرج الجيش كله ودعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال .
فلما رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في تاريخ البشرية من عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها , قالوا: هذه أمة حُكمُها رحمة ونعمة , فدخل أغلبهم في دين الله وفُرضت الجزية على الباقين.
هكذا كانت أخلاق الإسلام رحمة ونعمة علي الدنيا كلها
العنصر الخامس : أثر الأخلاق علي الفرد والمجتمع :ــ كلما ازداد تمسك المسلم بمكارم الاخلاق وفضائلها زادت قيمته وزاد رضا الله عنه وأحبه الناس وتعلقوا به وأصبح موضع ثقتهم واحترامهم .
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في التحلي بالأخلاق الكريمة والصفات الحسنة ، والتي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع والأمة . من هذه الآثار…
1- نشر الأمن والأمان بين الأفراد والمجتمع :ــ إن أي مجتمع لا يمكن أن يعيش أفراده بأمان وانسجام ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة. فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية لا يستغني عنها أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية؛ لأن بها يتم إصلاح الفرد الذي هو الخطوة الأولى في إصلاح المجتمع كله، وصدق القائل:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
إذ كيف يكون هناك ثقة متبادلة بين أفراد المجتمع لولا فضيلة الصدق التي أساس الإسلام، وعقد الحياة في حياة الإسلام الاجتماعية. وكيف يكون تعايش بين الناس في أمن وسلام لولا فضيلة الأمانة ، وكيف نتصور مجتمعا مثاليا، قادرا على قيادة العالم نحو الأفضل بدون مكارم الأخلاق؟
إذا فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية في كل عصر من العصور حتى تصير أفراد المجتمع أفرادا مسئولا وواعيا.
2- سيادة التعاون والتكافل الاجتماعي بين المجتمع؛ فالمسلمون أمة واحده، يعطف غنيُّهم على فقيرهم :ـ فالفرد المتخلق بمكارم الأخلاق لابد أن يؤدي ما عليه من حقوق اللّه عز وجل، وحقوق الناس، فإن كان موظفا أو مسؤولا فلابد أن يتقي اللّه في رعيته وفي أسرته، وأن يؤدي لكل ذي حق حقه . فكل إنسان مكلف ومأمور بالتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإحياء سنته الشريفة .
3- نبذ الفُرقة والخلاف وما يمزق المجتمعَ، والالتزام بالقِيَم والمبادئ :ـ نري أن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي يجسد أخلاق القرآن العالية ما أثر في أصحابه ومجتمعه إلا بأخلاقه السامية. فقد استطاع بخلقه العالية أن يغير قبائل العرب من أخلاق البداوة والتوحش إلى أخلاق السيادة والقيادة، حتى صاروا أعظم خَلق في العالم. ألا ترى هذه الأقوام المختلفة البدائية في هذه الصحراء الشاسعة المتعصبين لعاداتهم المعاندين في عصبيتهم وخصامهم كيف رفع هذا الشخص جميع أخلاقهم السيئة البدائية وقلعها في زمان قليل دفعة واحدة ؟ وجهزهم بأخلاق حسنة عالية؛ فصيرهم معلمي العالم الإنساني وأساتيذ الأمم المتمدنة؟! وبأخلاقه السامية أيضا غلب على الأفكار، وتحبب إلى الأرواح، وتسلط على الطبائع وقلع من أعماق قلوبهم العادات والأخلاق الوحشية المألوفة الراسخة المستمرة الكثيرة .
4- المساهمة في خدمة المجتمع، ورفع معاناته، وتقديم ما يفيد الأمة والبشرية؛ فالمؤمن مثل الغيثِ أينما حلَّ نفَع:ــ أنه لا نجاة ولا سعادة إلا التمسك بحقائق الإسلام التي تتمثل في التحلي بمكارم الأخلاق واتباع شريعته، يقول أحد العلماء: “… لا سعادة لأمة الإسلام إلا بتحقيق حقائق الإسلام وإلا فلا، ولا يمكن أن تذوق الأمة السعادة في الدنيا أو تعيش حياة اجتماعية فاضلة إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية، إلا فلا عدالة قطعا ولا أمان مطلقا إذ تتغلب عندئذ الأخلاق الفاسدة والصفات الذميمة، ويبقى الأمر معلقا بيد الكذابين والمرائين. كما أن التزام الناس بمكارم الأخلاق يؤدي إلى تقدم المجتمع وسعادته، وأن الغرب ما تفوقوا علينا إلا باتخاذهم ببعض المكارم التي يأمر به ديننا الحنيف.
5ـ الإيجابية في المجتمع، وتفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مشتملاً على أسسه وقواعده دون تنفير للناس، أو تغييب للشريعة وتعاليمها.
6- بذل الخير للناس بحب وسعادة غامرة، وتفعيل الإنتاج، وثقافة البذل والعطاء بين المجتمع.
7- بث روح التسامح ونشرها بين الناس، تحت شعار: “وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ”، ونحو مجتمع راقٍ تسودُه الألفة والمحبة. وليعلم أن أسلافنا لم ينجحوا في مهمتهم الدعوية إلا بأخلاقهم السامية، وأن المسلمين اليوم لو تشبعوا بأخلاق القرآن لساد الإسلام في العالم ولدخل الناس في دين اللّه أفواجا.
ولو أننا أظهرنا بأفعالنا وسلوكنا مكارم الأخلاق الإسلام وكمال حقائق الإيمان لدخل أتباع الأديان الأخرى في الإسلام جماعات وأفواجا، بل لربما رضخت دول العالم وقاراته للإسلام. وما ذكرنا بعض الأمور والتي تقوي بعضها بعضا كالبنيان المرصوص تؤكد أن الأخلاق لها أثر بالغ علي الفرد والمجتمع ، وهو ضرورة اجتماعية، وأنه لا يمكن لأي مجتمع يريد التوازن في حياته أن يعيش بدونها، وأن التحلي بمكارم الأخلاق يؤدي إلى سعادة المجتمع وتقدمه وانسجامه والاعتزاز بالنفس والتواضع، وأن أي خلل فيها، يؤدي إلى خلل في المجتمع وفساده وأن الأمة الإسلامية لو التزمت بمكارم الأخلاق التي يدعو إليها الإسلام لأصبحوا سادة العالم، ولما بقي أحد على وجه الأرض إلا وتبنى هذا الدين.
وأن هذه الخصال الحميدة تبقى حصنا حصينا للمسلم في هذا الوقت الذي يتسم بالدمار، أخلاقيا وروحيا، وبإثارة هوى النفس الأمارة بالسوء وبإطلاق الهوى من عقالها.
العنصر السادس : كيفية اكتساب حسن الخلق:ــ
الإنسان يمكن أن يكون مجبولاً على خلق حسن و يمكن أيضاً أن يكتسب هذا الخلق الحسن.
وهناك أسباب ووسائل يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حُسن الخُلق، ومن ذلك ما يلي:
1- سلامة العقيدة:
فالسلوك ثمرة لِما يحمله الإنسانُ من فكر ومعتقد، وما يَدين به من دِين، والانحراف في السلوك ناتجٌ عن خَلَل في المعتقد؛ فالعقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم أخلاقا؛ فإذا صحت العقيدة، حسُنَتِ الأخلاقُ تبعًا لذلك؛ فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبَها على مكارم الأخلاق، كما أنها تردَعُه عن مساوئِ الأخلاق.
2ـ المجاهدة:
فالخُلق الحسَن نوع من الهداية، يحصل عليه المرء بالمجاهدة؛ قال عز وجل} وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69){ العنكبوت.
والمجاهدة لا تعني أن يجاهد المرءُ نفسَه مرة، أو مرتين، أو أكثر، بل تعني أن يجاهد نفسَه حتى يموت؛ ذلك أن المجاهدة عبادة، والله تعالي يقول} وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99){[الحجر].
والمجاهدة أن يجاهد نفسه على التخلق بالأخلاق الحسنة مع المداومة على هذه المجاهدة قال صلى الله عليه و سلم ( إنما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم)
ولاشك أن النفس تحتاج إلى مجاهدة فإذا تمت مجاهدتها سلس انقيادها.
والنفس راغبة إذا رغبتها و إذا ترد إلى قليل تقنع
ويقول محمد بن المنكدر: (كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت).
فالمجاهدة تستلزم علو الهمة ، وعلو الهمة يستلزم الجد، ونشدان المعالي، والترفُّع عن الدنايا ومحقرات الأمور، والهمة العالية لا تزال بصاحبها تزجُره عن مواقف الذل، واكتساب الرذائل، وحرمان الفضائل، حتى ترفَعَه من أدنى دركات الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسُّؤدَد.
قال ابن القيم رحمه الله : “فمن علَتْ همتُه، وخشعت نفسه، اتصف بكل خُلق جميل، ومن دنت همتُه، وطغت نفسُه، اتصف بكل خُلق رذيل”.
3ـ المحاسَبة:
وذلك بنقدِ النفس إذا ارتكبت أخلاقًا ذميمة، وحملها على ألا تعود إليها مرة أخرى، مع أخذِها بمبدأ الثواب، فإذا أحسَنَت أراحها، وأرسَلها على سجيتِها بعض الوقت في المباح، وإذا أساءت وقصَّرت، أخَذها بالحزمِ والجد، وحرَمها مِن بعض ما تريد.
4- التفكر في الآثار المترتبة على حُسن الخُلق:
فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حُسن عواقبها، من أكبر الدواعي إلى فعلها، وتمثُّلها، والسعي إليها، والمرء إذا رغِب في مكارم الأخلاق، وأدرك أنها من أولى ما اكتسبته النفوس، وأجلُّ غنيمة غنِمها الموفَّقون، سهُل عليه نيلُها واكتسابها.
5- النظر في عواقب سوء الخُلق:
وذلك بتأمُّل ما يجلبه سوءُ الخُلق من الأسف الدائم، والهم الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرءَ إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، وينبعث إلى محاسنها.
يقول أبو حازم سلمة ابن دينار: ( السيئ الخلق أشقى الناس به نفسه التي بين جنبيه هي منه في بلاء ثم زوجته ثم ولده حتى أنه ليدخل بيته و إنهم لفي سرور فيسمعون صوته فينفرون عنه فرقاً منه حتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة و إن كلبه ليراه فينزو على الجدار حتى إن قطه ليفر منه ).
6- الحذر من اليأس من إصلاح النفس:
فهناك مَن إذا ابتلي بمساوئ الأخلاق، وحاول التخلُّص من عيوبه فلم يُفلح – أيِس من إصلاح نفسه، وترَك المحاولة، وهذا الأمر لا يحسُن بالمسلم، ولا يليق به، بل ينبغي له أن يقوِّيَ إرادته، وأن يسعى لتكميل نفسه، وأن يجدَّ في تلافي عيوبه؛ فكم من الناس مَن تبدَّلت حاله، وسمَتْ نفسُه، وقلت عيوبه بسبب مجاهدته، وسعيه، وجدِّه، ومغالبته لطبعه.
7ـ قراءة سيرة النبي صلي الله عليه وسلم ،ومصاحبة أصحاب الأخلاق الحسنة والابتعاد عن أصحاب الأخلاق السيئة :ـ
قال النبي صلى الله عليه وسلم قال (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). رواه أحمد وغيره
ويقول الشاعر:
عن المرء لا تسل و سل عن قرينة فكل قرين بالمقارن يقتدى
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
8ـ الدعاء:
فيلجأ إلى ربه، ليرزقه حُسن الخُلق، ويصرف عنه سيِّئه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه (اللهم اهدِني لأحسنِ الأخلاق، لا يهدي لأحسنِها إلَّا أنتَ، واصرف عنِّي سيِّئَها، لا يصرفُ عنِّي سيِّئَها إلَّا أنتَ) رواه مسلم.
وكان يقول صلي الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن منكَراتِ الأخلاق والأعمالِ والأهواءِ) رواه الترمذي.
آمين يا رب العالمين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...