لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
توقيره عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه:
توقيره من آكد حقوقه صلى الله عليه وسلم على أمته قال تعالى :
[ إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً ] ( الفتح8 ) .
فيجب توقيره عليه الصلاة والسلام وإجلاله وتعظيمه كما ينبغي له ذلك على ألا يُرفع إلى مقام العبودية فإن ذلك محرم لا يجوز ولا ينبغي إلا لله عز وجل.
ومن توقيره عليه الصلاة والسلام تعظيم شأنه احتراماً وإكباراً لكل ما يتعلق به من اسمه وحديثه وسنته وشريعته وآل بيته وصحابته رضوان الله عليهم وكل ما اتصل به عليه الصلاة والسلام من قريب أو بعيد .
فيُرفع من قدره صلى الله عليه وسلم حتى لا يساويه ولا يدانيه أحد من الناس .
فمن توقيره عليه الصلاة والسلام عدم التقدم بين يديه مصداقاً لقوله تعالى: [ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ] ( الحجرات1 ) أي لا تقولوا قبل قوله وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا، فلا يحل لأحد أن يسبقه بالقول ولا برأي ولا بقضاء بل يتعين عليهم أن يكونوا تابعين له عليه الصلاة والسلام .
وقال جل شأنه : [ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ] ( الحجرات2 ) .
فهذا نهي من الله عز وجل بعدم رفع الصوت عند مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجهر المخاطب له بالقول بل يخفض الصوت ويخاطبه بالأدب ولين الجانب ويخاطبه بالتعظيم والتكريم والإجلال والإعظام .
فلا يكون الرسول كأحدهم بل يميزونه في خطابهم كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة ووجوب الإيمان به والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به .
فإن في عدم القيام بذلك محذوراً خشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب وقبول الأعمال .
وقال العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما يكره في حياته لأنه محترم حياً وميتاً .
وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال : أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال : من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف ، فقال : لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً .
وإنما كان النهي عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه صلى الله عليه وسلم فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري .
ثم امتدح الله عز وجل من غض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وندب إلى ذلك في قوله تعالى : [ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم ] ( الحجرات 3) ، فأولئك اختبر الله قلوبهم وامتحنها وابتلاها للتقوى فظهرت نتيجة ذلك بأن قلوبهم أذعنت لأمر الله وأخلصت وكانت أهلاً ومحلاً للتقوى فكانت العاقبة لهم بالبشرى من الله العلي القدير بأن بشرهم بالمغفرة لذنوبهم ، وحصول الأجر العظيم الذي لا يعلمه إلا رب الأرباب ومسبب الأسباب ، الذي بيده مفاتيح كل شئ وخزائن السموات والأرض ، فكان ذلك جزاءهم جزاءً وفاقاً .
فمن لازم أمر الله عز وجل واتبع رضاه وسارع إلى ذلك وقدمه على هواه ومحص قلبه للتقوى فصار قلبه صادقاً ، ومن لم يكن كذلك علم أنه لا يصلح للتقوى .
ومن تعظيمه وتوقيره صلى الله عليه وسلم عدم ندائه باسمه مجرداً فلا يقال : (( يا محمد )) ، بل يقال : (( يانبي الله )) ، (( يا رسول الله )) ، قال تعالى : [ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ] ( النور63 ) .
فهذا نهيٌ منه سبحانه بعدم نداء نبيه صلى الله عليه وسلم باسمه مجرداً لأن ذلك من سوء الأدب معه r وهناك مظاهر لتعظيمه صلى الله عليه وسلم من حيث حديثه ، وآثاره .
فمن تعظيمه صلى الله عليه وسلم تعظيم حديثه فيحترم كلامه عليه الصلاة والسلام فقد روي عن جعفر بن محمد الصادق وكان كثير الدعابة والتبسم أنه إذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفر وجهه وما ربي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة .
وكان بن مسعود رضى الله عنه إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علاه كرب وتحدر العرق من جبينه وأرضاه .
ومن تعظيم آثاره صلى الله عليه وسلم أنه كانت لأبي محذورة قصة في مقدم رأسه إذا جلس وأرسلها وصلت إلى الأرض فقيل له : ألا تحلقها ؟ قال : لم أكن بالذي يحلقها وقد مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده .
ولقد كان هذا شيئاً يسيراً مما ذكرت في توقيره عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه وإلا فهو أجل من ذلك وأعظم فصلوات ربي وسلامه عليه ما تلألأت النجوم وتلاحمت الغيوم وعليه الصلاة والسلام ما سمعت أذن بخبر وما اتصلت عين بنظر .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...