لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة

1111

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الاقتداء برسول الله فى خلقه
فى ذكرى مولد الرسول ينبغى أن نقتدى به فى خلقه ، وفى إيمانه وعبادته وفى حبه له وللمؤمنين امتثالاً لقول ربنا :  لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة 
ينبغى أن نقتدى برسول الله فى سياسة الدين وسياسة الدنيا
كيف واجه الصعاب ، وتغلب عليها ، كيف صابر وثابر حتى بلَّغ رسالته ، فتحول قومه من فرقة وتعصب وتفاخر بالأموال والأولاد إلى أمة واحدة تنتسب إلى الإسلام ، وتؤمن به ، وتقيم أوامره ، وتجتنب ما نهى الله عنه ، فأقام دولة وأحيا أمة فى زمن قصير ـ ثلاثة وعشرين عاماً ـ لم ييأس ولم ييتئس بما وجهت به دعوته من نفور قومه وإيذائهم وحربهم إياه ، إنما فكر وقدر لكل أمر عدته وعتاده وكان حكيماً فى دعوته ، حليماً فى إرشاده وهدايته ، يعتمد على الإقناع فى الردع عن المعاصى ، وكان الزجر عنها الوسيلة الأخيرة عند الإصرار عليها ، جاءه أحد شباب المسلمين يستأذنه فى الزنا فبماذا أجابه ؟ هل سبه وشتمه ؟ ، أو صفعه وقذفه ؟ : لا ، لم يكن هذا خُلقه ولا طريقه وإنما كانت صفاته تلك التى وضعها الله فى قوله :  ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى احسن 
لقد دعا الشاب إلى الجلوس بجواره ليحميه من ثورة من حوله ، ممن استمعوا إلى قوله ، ثم حاوره : أترضى الزنا لأمك ؟ فقال الشاب : لا ، فقال الرسول : وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ، أترضاه لأختك ؟ ، فقال : لا ، فقال الرسول : وكذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم ، وما زال الرسول يعرض عليه قرابته من النساء ويقول له : أترضى لهن الزنا ؟ ، وهو يقول : لا ، حتى أقنعه بأن ما طلبه إثم كبير فى حق المجتمع وكما لا يرضاه لنساء أسرته فإن أحداً من الناس لا يرضاه كذلك لنسائه ، وانصرف الشاب تائباً عما نوى راغباً فى العفة مؤمناً بأن عرض الناس عرضه .
2ـ الاقتداء به فى تعامله مع الأزمات :
فى ذكرى مولد الرسول نذكر كيف عالج وواجه عسر المال ، وضيق الحال وارتفاع الأسعار ، هل كانت المواجهة بمزيد من السرف والإسراف والإنفاق والإتلاف والاستدانة ؟ : لا ، إنه صلى الله عليه وسلم واجه العسر بتدبير موارده ، وبالوقوف عند المقدور عليه ، دون المزيد مما فى أيدى الناس ، فقال : (( حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه )) ، متبعاً ما أوصى به القرآن :  ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا   ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا 
3ـ الاقتداء به فى تربية أصحابه :
نذكر فى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم كيف كان حريصاً على العلم والتعليم ، حيث جعله تبعة ومسئولية ، ولم يجعل العلم من الكماليات ، فأوجب على العالم أن ينشر علمه وان ييسره لغيره فقال صلى الله عليه وسلم : (( ويل للعالم من الجاهل حيث لم يعلمه )) فلولا أن السعى بالعلم إلى مستحقيه من الواجبات ما كان الويل للعالم إن ترك التعليم ، فالمؤاخذة إنما تكون على ترك الواجب لا على إهمال التطوع .
ومن هنا كانت تبعة تربية الأولاد فى كل جوانب الحياة تقع أولاً على الآباء ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( وحق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية وألا يرزقه إلا طيباً )) ، وقوله : (( ألزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم )) .
فبذل الجهد للتربية قصداً إلى إشباع الجوانب النفسية لدى الأولاد ونمائها حتى يشبوا على المودة وحسن المعاشرة ، والقدوة الحسنة فى التعامل أمر محمود بل مفروض ، وأولى من الانصراف عن هذه المهمة إلى جمع المال والممتلكات وتكديسها تركة زائلة إذا لم يحسن الأولاد استثمارها والانتفاع بها ، ذلك توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله : (( ما نحل )) أعطى (( والد ولدا أفضل من أدب حسن )) .
وهذا هو الرسول يعلم ابن زوجته أم سلمه ، وقد كان فى حجره وربيباً له حين جلس يؤاكله : (( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك )) ، هكذا كان معلماً للسلوك والآداب فى كل شئ .
وليست تبعة تربية الأولاد مقصورة على الآباء ، فقد أوضح الرسول هذه التبعة ، بل التبعات بوجه عام فى قوله صلى الله عليه وسلم : (( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل فى أهله راع ومسئول عن رعيته ، والمرأة راعية فى بيتها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع فى مال سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته ))
لابد أن نعى هذه التبعات وأن نحملها عملياً ، وألا فالنذر التى أطلت علينا خطيرة تهدد مجتمعنا بالتحلل والانحلال وموات الروابط الأسرية التى عنى الإسلام بتوثيقها وحث على الاستمساك بها لابد أن يحمل كلٌ التبعة فى موقعه ، الآباء والأمهات والمدرسة والأطباء ورجال الدعوة والمهندسون … كل الناس .
إن تقويم الفرد المسلم وتأكيد انتمائه للإسلام انتماءً وعملاً وترسخ القدوة برسول الله أمر حتمى حتى تستقيم للأمة الحياة ويتأتى هذا بالاهتمام بالتربية الدينية وتقويم السلوك والممارسة واعتبار ذلك واجباً فى الأسرة وفى المدرسة وفى الشارع ولا ننسى الحرص على إعداد المعلم على السلوك والقدوة الحسنة مؤمنا بواجباته حريصا على أدائها .
4ـ الاهتداء به فى بناء مجتمع نظيف :
فى ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم نذكر أن من آداب الإسلام الحرص على ألا تشيع الفاحشة كل الفواحش فاحشة القول ، فاحشة الفعل ، فاحشة النقل كلما كان به التأثر وفيه التأثير على المجتمع كلما كان مؤذيا للشعور أو مدرسة للجريمة ، أليس هذا هو مقتضى قول الله جل جلاله :  إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب اليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون  أليس هذا وعيداً لألئك الذين يشيعون وينشرون ما يقع من جرائم خلقية وغيرها بإذاعة تفاصيلها ونشرها على الملأ وما دروا أنهم يفتتحون بذلك مدارس للجريمة وطرق ارتكابها ، وما انتشر اليوم من مقاهى للإنترنت والدش المركزى يحتاج منَّا إلى وقفة جادة ومتابعة دقيقة لأولادنا خوفاً من هذا الخطر القادم وكيف يُستثمر فى الخير بدلاً من الشر . .
فى ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم أنصح وسائل الإعلام وعلى الأخص الصحف والمجلات التى بتداولها ويتناولها كل الناس ينساق وراء ما يقرأ أن يكفوا عن نشر الحوادث والجرائم الخلقية والجنائية بتفصيلاتها وإجراءات ارتكابها ووسائلها وان يستبدلوا بها موضوعات إرشادية للأفراد والمجتمع تنقذ الجميع من التردى فى المهالك والأضرار لأنفسهم ومجتمعاتهم فوق عصيانهم لربهم وجحودهم نعمه التى لا تعد ولا تحصى ، إنها نصيحة بفرضها قول صاحب الذكرى صلى الله عليه وسلم : (( الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ ، قال : لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم ))
نعم إن من يقرأ الصحف والمجلات فى هذه الأيام الأخيرة وتتبعها لتفصيلات بعض الحوادث ومتابعتها لها قد يستقر فى نفسه أن المجتمع المصرى قد انفكت أواصره وانعدم فيه الوفاء والإخلاص وماتت فى أفراده وأسره تعاليم الإسلام وانفلت من كل الآداب والقيم وذلك أمر يشيع اليأس فى نفوس المصلحين والمربين ويشجع على التسيب والانفلات من القيم ، أكرر النصح لوسائل الإعلام أن تعنى بنشر وإذاعة أخبار المصلحين والمجدين والناجحين فى أعمالهم من طلاب وتجار وعلماء فى كل فروع العلم والعمل لتكون القدوة فيهم حسنة ونافعة للناس جميعاً فى الدين والدنيا وحافزاً لغيرهم على الالتزام بالفضائل ، إن حصائد الأقلام كحصائد الألسنة مؤاخذ عليها من الله ومن الناس ولابد من وقفة مع النفس نصحح بها مسار حياتنا بكل شجاعة وأقدام وألا نسئ إلى الحرية بالفهم الخاطئ أو نظن إنها الأثرة وإنكار الإحسان وطمس القدوة الحسنة فى المجتمع ، إن صاحب الذكرى صلى الله عليه وسلم قال : (( … وإياكم والفحش فان الله لا يحب الفاحش والمتفحش ))
ثم لا نسمع قول الله  لا يحب الله الجهر بالسوء من القول  ذلك لان إظهار الفاحش من القول أو الفعل فاحشة أخرى ومن أجل هذا قال صاحب الذكرى صلى الله عليه وسلم : (( كل أمتى معافى إلا المجاهرون وان من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه )) ويبين الرسول صلى الله عليه وسلم ضرر إظهار الخطيئة والإعلان عنها فى

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...