رصدت دراسة أعدها أحد الأذرع الإعلامية لرئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وهو الصحفي في صحيفة “الأهرام” جمال غيطاس، 14 شهرا من حصاد حرب السيسي على جماعة الإخوان المسلمين، الذي تمثل في قرابة 32 ألف إجراء (انتهاك)، منها تقديم 13 ألفا إلى المحاكم، ومئات حالات الضبط والحبس والإحالة إلى النيابة والتحفظ والسجن، علاوة على 1494 واقعة اعتداء على المتظاهرين السلميين (سمتها الدراسة أحداث عنف وبلطجة وشغب) علاوة على صدور 11 ألف قرار ضبط وإحضار، وإهدار أكثر من 635 مليون جنيه، من المال العام، في إجراءات مواجهة الإخوان.
وفي البداية قالت الدراسة – غير المنشورة سوى بجريدة “المقال” الورقية اللملوكة للصحفي الانقلابي أيضا إبراهيم عيسى، الصادرة مس الخميس، – إن الوقائع على الأرض تقول إن عام 2015، والشهرين الأول والثاني من عام 2016، أي الفترة من “1 يناير 2015 حتى 29 فبراير 2016″، لم تكن سوى فصل من فصول المعركة، موصول بما سبقه، ويمهد لما يأتي بعده.
وأشارت إلى أنه من واقع البيانات التي جرى تحليلها لعينة من الحوادث والوقائع التي شهدتها البلاد خلال هذه الفترة، زعمت الدولة (نظام السيسي) أن الإخوان تورطوا في 1494 حادثة (مظاهرة سلمية)، بينها 200 حادثة عنف و132 حادثة إثارة شغب، وفي المقابل صدر بحقهم 11 ألفا و263 قرار ضبط، ووصل عدد الذين مثلوا أمام المحاكم في القضايا المختلفة وجلساتها المتتالية 13 ألفا و272 مواطنا، ومن جهة ثالثة تكبدت الدولة ما يزيد على 8 ملايين ساعة عمل، و600 مليون جنيه، لتنفيذ إجراءات وقرارات الضبط والتحقيقات والمحاكمات والحبس والسجن.
كيف تم إجراء الدراسة؟
وقال غيطاس إنه من أجل التعرف على حصاد المعركة مع الإخوان خلال الـ14 شهرا الأخيرة، تم سحب وتجميع عينة مكونة من 29 ألفا و471 مادة صحفية من أقسام الحوادث والقضايا بالمواقع الإلكترونية، خلال الفترة من 1 يناير 2015 إلى 29 فبراير 2016، وتضمنت هذه المواد بيانات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية وأجهزتها المختلفة، والنيابة العامة والمحاكم ووزارة العدل، فضلا عن تصريحات لمسؤولين بهذه الجهات وغيرها، وتناولت الحوادث والجرائم التي شهدتها البلاد على اختلاف أنواعها، ثم جرى تصنيفها وفهرستها وإخضاعها لأحد برمجيات تحليل المضمون، ثم استخلاص كل ما له علاقة بالإخوان في هذه المواد، ثم تهيئتها في صورة قابلة للتحليل، ثم بناء نموذج رياضي خاص لحساب التكلفة المالية وتكلفة الوقت للإجراءات المتخذة ضد الإخوان والمتورطين في الوقائع والحوادث المختلفة.
وفي ضوء ذلك أكد الباحث (المعروف بموقفه العنصري ضد الإخوان) أن جميع الأرقام التي استند إليها التحليل، والنتائج التي توصل إليها ليست بيانات رسمية نهائية مقطوعا بصحتها ودقتها، بل هي مجرد استكشاف أولي استرشادي غير نهائي، يحاول التعرف بدرجة أو بأخرى، على بعض جوانب هذه القضية التي يكتنفها التعتيم والتجهيل والغموض الناشئ عن شح وغياب المعلومات الموثقة الصادرة عن مصادرها الرسمية، وفق قوله.
وغطت البيانات المجمعة في هذا التحليل 29 ألفا و471 حادثة، في مجالات الآداب والأراضي والنفس والمخدرات والأموال العامة والسرقة والنشر والفكر والثقافة وجهاز الشرطة والداخلية والأغذية الفاسدة والبيئة والزراعة والأسرة والإشغالات والأمن القومي والانتخابات والمواد البترولية والكهرباء والحرائق والتموين والإعلام ووسائل النقل والإنترنت والعقارات والعنف والبلطجة والإرهاب والنشاط السياسي الجماهيري، والأجانب وغيرها، وبالتحليل وجد أن هذه المجالات تتفرع إلى 158 مجالا فرعيا.
1494 حادثة (ملفقة) للإخوان
ووفق الدراسة أعلنت الدولة (نظام السيسي) تورط الإخوان في 1494 حادثة (ملفقة)، تمثل 5% تقريبا من إجمالي الحوادث التي وقعت بمصر، وخضعت للتحليل، وبمراجعة وتصنيف الحوادث التي أعلن عن تورط الإخوان فيها (بشكل ملفق)، وجد أنها تتضمن 66 نوعا، على رأسها حوادث الاحتجاج التي تستحوذ على 22%، والعنف والبلطجة التي تشكل 15%، تليها حوادث إثارة الشغب التي تمثل 10%، ثم التسبب في 105 حرائق، وتمثل 7%، وحوادث اقتحام مؤسسات تابعة للدولة 4%، و44 حادثة قتل تمثل 3%، كما أعلن عن تورطهم في 49 حادثة إرهابية، تمثل 3,3%، و36 حادثة تفجير، تمثل 2,4%، وفق الدراسة.
ووصلت الحوادث التي لفق فيها للإخوان تهم استخدام السلاح فيها إلى 2%، والعبوات الناسفة 1%، و15 حادث أموال تمثل 1%، و10 جرائم إنترنت تمثل 0,7%.
وأشارت الدرسة أيضا إلى 45 حادثة أخرى، تمثل مجتمعة 9% من إجمالي ما أعلن عن تورطهم فيه، ومن بين هذه الحوادث سبع حوادث اعتداء على مستشفيات وست حوادث كهرباء وخمس حوادث أنشطة دون ترخيص، وثلاث حوادث لها علاقة بالنشر، وثلاث حوادث آثار، بالإضافة إلى حادثة في كل من الانتخابات والسياحة والمخدرات والسرقة، وحادثة في مجال الأطفال والأقباط والتهريب والرشوة والهيروين والصحة والنصب والتهرب الضريبي.
ورصدت الدراسة اعتقال 11 ألفا، ومحاكمة 13 ألفا، وحبس 3363 مواطنا في مقابل الحوادث التي أعلن عن أن الإخوان ارتكبوها، إذ كانت هناك إجراءات أمنية وقضائية اتخذت ضدهم، وبتتبع هذه الإجراءات وجد أنها تصل إلى 31 ألفا و817 إجراء، موزعة على 20 نوعا، تتضمن المحاكمات، والضبط، والحبس، والإحالة إلى المحاكمة، والإحالة إلى النيابة، والتحفظ، والسجن، والبراءة، وإخلاء السبيل (حالات محدودة لا تتجاوز العشرات)، والتغريم، وأحكام المؤبد، والخضوع لتحقيقات بالنيابة، وتوجيه التهم، والوفاة، والإحالة إلى المفتي، وأحكام الإعدام والتصفية، وإلغاء تراخيص السلاح.
يضاف إلى ذلك – بحسب الدراسة – تعرض الإخوان لبعض الإجراءات والأفعال غير الرسمية من قبل مواطنين مباشرة كإشعال النيران، والاعتداء الجسدي.
المحاكمات والضبط والحبس أولا
واستحوذت المحاكمات على الجانب الأعظم من الإجراءات المتخذة ضد الإخوان خلال فترة الدراسة، ففي هذه الفترة كانت هناك محاكمات جارية، وصل إجمالي من مثل في جلساتها المتعددة، أي أن المتهم الواحد يمكن أن يكون قد مثل أمام المحكمة أكثر من مرة، 13 ألفا و272 إخوانيا، وهو رقم يمثل 42% من جملة الإجراءات المتخذة ضد الإخوان، ويعود ارتفاع الرقم إلى أن عددا كبيرا ممن جرى مثولهم أمام المحاكم، كان قد تم القبض عليهم والتحقيق معهم بمعرفة النيابة ثم إحالتهم للمحاكمة قبل عام 2015، وفق الدراسة.
وفي المركز الثاني جاء الإجراء المتمثل في عمليات الضبط والقبض، التي تعرض لها 11 ألفا و263 إخوانيا، وبالتالي استحوذ هذا الإجراء على 35% من جملة الإجراءات المتخذة ضدهم، وفي المركز الثالث جاء الحبس، وهو إجراء تعرض له 2262 إخوانيا، ويمثل 7% من إجمالي الإجراءات ككل، وفي المركز الرابع جاء إجراء “الإحالة إلى المحاكمة”، الذي تعرض له 1454 إخوانيا، ويمثل 5% من جملة الإجراءات، ثم إجراء الإحالة إلى النيابة، وتعرض له 1363 إخوانيا، ويمثل 4%، ثم الإجراء الخاص بالتحفظ على الأموال وتعرض له 936 إخوانيا، ويمثل 3% من جملة الإجراءات، والسجن ويتعلق بأحكام بالسجن صدرت ضد 248 إخوانيا، ويمثل 1%، وإجراء البراءة، وصدر بحق 206 إخوانيين، ويمثل 1% تقريبا.
وبعد ذلك تأتي مجموعة إجراءات لكل منها نصيبه أقل من 0,5%، وتشمل الغرامات المادية وتعرض لها 152، والمؤبد وتعرض له 144، والتحقيق لدى النيابة 135، وصدور قرارات اتهام أو اتهام من الداخلية في أثناء التحقيقات أو عقب وقوع الحوادث، وتعرض له 111، والإعدام، وصدر بحق 25 إخوانيا، والإحالة إلى المفتي 28، والوفاة 44 شخصا، والتصفية في أثناء علميات القبض تسعة أفراد، وإشعال النيران في ممتلكات خمسة أشخاص، والاعتداء الجسدي من قبل مواطنين على خمسة أشخاص، وإلغاء ترخيص السلاح بحكم قضاء إداري لأعضاء الجماعة.
الخلاصة
وبعد استعراض هذه الأرقام رأى الباحث أنه منذ 3 يوليو 2013 وحتى 29 فبراير 2016، أي 971 يوما، تعادل سنتين وسبعة أشهر وثلاثة أسابيع وخمسة أيام، لا تزال أفعال الإخوان وحلفاؤهم قائمة، وتعكر صفو البلاد بدرجة أو بأخرى، وتضغط على الدولة بطرق مختلفة، بما في ذلك استنزاف جهدها ووقتها وأموالها وتركيزها عبر دفعها للقيام بآلاف من إجراءات التحري والضبط والقبض والتحقيقات والمحاكمة، ناهيك عن الخسائر الأخرى في الممتلكات العامة والخاصة، وحالة الإرباك العام المصاحبة لهذه الأفعال، بحسب ما كتبه الباحث.
وأضاف أن الأرقام تقول أيضا إن هناك مئات الحوادث تقع أسبوعيا، وآلاف الأشخاص يلقى القبض عليهم ويحاكمون شهريا، وكل ذلك على خلفية أفعال إجرامية أو جنائية مبعثها الأساسي الخلاف السياسي الفكري، والصراع على السلطة، وهذا معناه أن الأمور بالبلاد لم تصل بعد إلى الدرجة التي تجعل المجتمع يحقق القدر المعقول من التوافق والرضا العام، ويحسم أمره مع اليأس والإحباط والخوف، ويطمئن للمستقبل، وفق قوله.
“توازن الضعف” يحكم البلاد
وشددت الدراسة على أنه من الدلالات الخطرة في هذه الأرقام أن البلاد تتجه إلى المضي في طريق يقودها إلى حالة من “توازن الضعف”، تلك الحالة التي تنشأ نتيجة العراك المتبادل المزمن بلا حسم بين الأطراف المختلفة، حتى يبلغ الضعف بالجميع مبلغا يجعل كل طرف يقر بأنه بات ضعيفا، سواء كان بمفرده أو مع حلفائه، لدرجة تمنعه من حسم الأمور لصالحه، وإزاحة الآخرين إلى الزوايا الهامشية، وبوصولنا إلى حالة “توازن الضعف” يكون الوطن هو الآخر قد ضعف إلى الدرجة التي تجعلنا جميعا – مواطنين ومؤسسات – نتدحرج على الأرض خائري القوى، في وطن يعيش أوضاعا فائقة الصعوبة.
وأردف غيطاس: “تطالبنا هذه الأرقام بضرورة التوصل إلى صيغة أفضل، يتراجع فيها صراع السلطة، ويتقدم فيها التمسك بالدين والوطن، ويتعايش فيها الجميع بلا تمييز، ولا تعلو فيها طبقة أو شريحة فوق الآخرين باسم الوطنية أو باسم الدين، صيغة تعلو فيها قيم الحق والعدل والإنسانية والإخاء والرحمة والكرامة والعلم والاعتدال”.
واختتم الدراسة بقوله إنه: “لا سبيل إلى ذلك إلا بسيادة القانون، المنصف والحامي للحقوق والحريات، الذي يطبق على الجميع دون استثناء طوال الوقت، بواسطة قضاء مستقل تماما عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأن تخضع السلطات جميعا للمساءلة الشعبية دوريا في انتخابات حرة ونزيهة وشريفة وخالصة من تأثير المال السياسي، وتلاعب الإدارة، مع رؤية تنموية مستقبلية واضحة، تستند إلى أصول الإدارة العامة السليمة، كالكفاءة والشفافية والإفصاح ومشاركة أصحاب المصلحة في اتخاذ القرارات، والمساءلة الدورية والفعالة للمكلفين بالإدارة”.