حديث القرآن عن المنافقين

2

النفاق من أخطر الصفات التي يتصف بها البشر، ولذا فقد بين القرآن الكريم أحوال المنافقين وفصلها ليتجنبها المسلمون؛ لأن المنافق أخطر من الكافر الصريح على أمة الإسلام ولذا فعقابه أشد (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ) النساء.
والنفاق قسمان :
نفاق عمل: وعلاماته ( إذا حدث كذب .. الحديث ) وقد يتلبس المؤمن بصفة أو أكثر من هذا النوع فيكون منافقا بقدرها حتى يدعها وهو كبيرة من الكبائر ويخشى على صاحبه.
النوع الآخر وهو نفاق الاعتقاد: وهذا النوع صاحبه في الدرك الأسفل من النار، وعني القرآن بتفصيله كثيرا وهو ما نحن بصدده، ونلاحظ أن القرآن الكريم لم يذكر اسم منافق واحد وإنما ذكر مناهج المنافقين المتعددة والممتدة عبر التاريخ الإسلامي، وستظل إلى قيام الساعة والذي يتغير هو الاسم فقط فكثيرا ما يعبر القرآن بلفظ ( ومنهم .. ومنهم ..) فهم على أشكال عدة ومناهج متقاربة تشترك في وصف عام اسمه النفاق ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم (محمد: 30).
صفات أهل النفاق:
1– مخالفة الباطن للظاهر: ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) (المنافقون:1). فهم يتظاهرون بالإسلام وهو أبغض شيء إلى قلوبهم.
– موالاة الكافرين على حساب المؤمنين: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (الحشر : 11 )، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (المجادلة : 14 )فهم يضعون أيديهم في أيدي الأعداء الملطخة بدماء إخوانهم المسلمين.
– التجسس على المسلمين لصالح الكافرين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (آل عمران : 118 ) وظهر ذلك في الدور الذي قام به ابن سلول حيث كاتب اليهود سرا يخبرهم بمسير المسلمين إليهم في خيبر وغيرها ، كما كاتب أبو عامر الراهب ملك بني الأصفر.
– الشماتة بالمسلمين : إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (آل عمران : 120).
وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً (النساء : 72 ).
(الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (آل عمران : 168 ).
– التخلي والفرار عند الشدائد: وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً (الأحزاب : 13) ، فالمنافق ليس له موقف محدد وإنما يصفق لصاحب الكفة الراجحة ، الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (النساء: 141).
– لمز المجاهدين والتهوين من شأن أهل الصدق والبلاء: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (التوبة : 79).
– إشاعة الفاحشة في المجتمع وإلصاق التهم بالبرآء: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النور:11)، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النور : 19 ) فهم يشرفون على مخطط انحراف الشباب عن الصراط المستقيم ويديرون أوكار الفساد في بلاد المسلمين!!
وهذا ابن سلول الذي يدعي الشرف ويرمي عائشة بالبهتان يدير وكرا للدعارة لتخريب المجتمع رجاءة المال ونزل فيه قوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (النور : 33 )
– إذاعة الأخبار الكاذبة لتخذيل المسلمين عن الجهاد: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (النساء : 83 ) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (آل عمران : 173 ) ، فهم يعملون لحساب العدو في بلاد المسلمين ويقومون بخنق كل صوت حر بإخصاء الرجولة من المجتمع وتعويد الناس على الجبن والخور ويمهدون الطريق لدخول الأعداء بلاد المسلمين.
– تصفية الجهاد وأهله تقربا لأهل الباطل: كما حصل من أبي عامر الفاسق ( وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل ) حيث اختبأ في مسجد الضرار لقتل الرسول وكذلك موقف المنافقين الذين حاولوا قتل رسول الله عند رجوعه من تبوك وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ (التوبة : 74).
– إحياء النعرات العرقية والقوميات الأرضية لتكون بديلا عن الفكرة الإسلامية ، كما فعل ابن سلول في غزوة بني المصطلق محاولا استثمار خلاف بسيط بين غلامين (مهاجري وأنصاري) ليردهما إلى قومية بديلة عن الأخوة الإسلامية فأدركهم رسول الله قائلا: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟! دعوها فإنها منتنة، ونزل قوله تعالى: يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (المنافقون : 8 ).
وهكذا المنافقون كلما انجذب الناس لدينهم ألهوهم بقوميات بديلة وإحياء أمجاد ما قبل الإسلام كالطورانية في تركيا والبايلية والآشورية في العراق والفرعونية في مصر والبربرية في المغرب والفينيقية في الشام والعربية في الجزيرة .. وهكذا .وقام بهذا الدور صنائع عبر التاريخ أشهرهم حديثا أتاتورك حيث ألغى الخلافة وأحيا القومية الطورانية والصنائع كثر.
– الاستهزاء بتعاليم الإسلام وبالعاملين لهذا الدين: وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (البقرة : 14 ) فهم يستهزئون من الحجاب واللحية وسنة رسول الله ، كما لا يكتمون سخريتهم من أهل الإسلام العاملين له ووصفهم بالرجعية والتخلف والأصولية وغيرها.
– رفض الامتثال لشرع الله تعالى والتحاكم إلى غيره قديما وحديثا فهم ينشطون لفلسفة لينين أو ماركس أو نابليون أو فرويد أما إلى شريعة الإسلام فلا وألف لا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً (النساء : 61 ) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (النساء : 65 ) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (النور : 48 ) ولا يمتثلون للشرع إلا إذا كان في صالحهم وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (النور : 49
وبالجملة: فإن للمنافقين دورا في التمهيد للمحتلين في بلاد المسلمين وهم يسدون خدمات جليلة للعدو يعجز هو عنها في معاركه الصريحة مع المسلمين، فهم ملكيون أكثر من الملك، وأسماؤهم أسماء مسلمين كمحمد وأحمد وحسين وعلى وعبد الله وهكذا..
وواجبنا:
أولا: الإعراض عنهم؛ لتتميز الصفوف.
ثانيا: إقامة الحجة عليهم.
ثالثا: التضييق عليهم وتحريم تصرفاتهم، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً(النساء : 63 ).

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...