عالج قلبك فى المسجد

2

الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له , واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله أللهم صلى وسلم وبارك عليك يا رسول الله ..وبعد
كثيراً ما يشتكى المسلم قسوة القلب ويبحث عن العلاج ليرقَّقَّ هذا القلب , وإذا نظرت إلى هذه القسوة تجد أن الذنوب كثرت على صاحب هذا القلب حتى أصابه الصدى , وكان النبى صلى الله عليه وسلم دائماً يحثنا على تعاهد هذه النبتة الطيبة بالخير , وإعمارها بالذكر لأنها إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد , ولأن الشيطان دائماً يحاول اختلاس القلب فى لحظة الغفلة , ولأننا كثيراً ما نخلط بين الأمور ولا نضع كل شئ فى موضعه , فهذا ابن القيم يقسم لنا القلوب إلى
أربعة أقسام ..
1:: قلب اجرد فيه سراج يزهر , فذلك قلب المؤمن .
2: قلب أغلف , وهو قلب الكافر أى مختوم عليه ومطبوع .
3: قلب منكوس , وهو قلب المنافق .
4: قلب تمده مادتان , مادة إيمان ومادة نفاق وهو لما غلب عليه منهما ,هذا القلب يكون متردداً فى طاعة الله أفعل أو لا أفعل أذهب إلى المسجد أو لا أذهب , فهو متردد بين طاعة الله , وبين طاعة الشيطان والهوى .
فهذا القلب بينه وبين الشيطان حرب شديدة فليحذر كل منا ألا تكون خاتمته على السوء والمعصية ولصاحب هذا القلب نقول له تعالى معنا وعالج قلبك بالمسجد , ولكن كيف ؟
أيها المسلم الحبيب :
إذا نظرت إلى الإسلام فسوف ترى أنه ما وجد داء إلا وله دواء , وهنا علاج مهم جداً للقلب ولكن لا ندرك قيمة هذا العلاج وهو المساجد .
انظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم حينما ذكر حديث سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم ( رجل قلبه معلق بالمساجد ) إذاً العلاقة قويه بين المسجد وبين القلب , وخص النبى القلب لأنه لا يستظل بظل الرحمن من كان يعمل العمل بجسده دون حضور قلبه , ومن كان قلبه معلق بالمساجد لا يخاف من تهافت الشيطان عليه بين الحين والأخر , لذلك قال تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)))النور 36
فالمساجد طريق لصلاح القلوب: لأن القلب كما قلنا نبتة طيبه تحتاج إلى من يرعاها ويصونها , وهذه بيوت الله التى وضعت فى الأرض بعناية من رب الأرض والسماء , وترفرف عليها الملائكة بأجنحتها , وهى أماكن التنافس فى الخيرات , واجتماع المؤمنين على طاعة الله , سكانها دائماً فى ذكر وخشوع لله عز وجل قلوبهم متصلة بالله فى كل وقت , هذه البيوت تتساوى فيها الأجساد القائمة لله تبارك وتعالى ركوعاً وسجوداً وقياماً , لا فرق بين غنى وفقير هنا تنتزع الألقاب , لا يوجد مكان للشيطان يوسوس لأصحاب القلوب الضعيفة بان يجعلوا فارق بينهم وبين من دونهم فى الحياة .
وإذا تعلق قلب المؤمن بالمسجد فهو كالقنديل المعلق فى المسجد يضئ لمن حوله ولا يفارق المسجد , حقاً إن ملازمة المساجد وكثرة الذهاب إليها وإعمارها بطاعة الله علاج عظيم لقلوبنا , ودواء سهل لمن يبحث عن الدواء .
لذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم يحثنا على الذهاب إلى المساجد لماذا ؟ لأنه كان حريصاً دائماً على إحياء قلوبنا بالطاعة ولأنه جرب هذا الأمر ولم يتركه تقول السيدة عائشة رضى الله عنها , لما مرض رسول الله مرض الموت أمر أن يُخرج به إلى المسجد يُهادى بين رجلين من أهله , تقول السيدة عائشة , كأنى أنظر رجليه تخطان من الوجع , أى لا يقدر على رفعهما من الأرض .
وأول شئ فعله النبى حينما هاجر إلى المدينة هو بناء المسجد ,لماذا؟ ليربط القلوب بذكر الله ولأن من يذهب إلى المسجد يحصل على فوائد عظيمة ومنها ::
1: الشهادة بالإيمان قال تعالى (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)التوبة
2: دعاء الملائكة له بالرحمة والغفران والتوبة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ))صحيح مسلم
3:النور التام يوم القيامة .
عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الترمذى
وغيرها الكثير من الفوائد ولكن ليس هذا موضوعنا .
أيها المسلم : قيام نصف ليلة ليس شيئاً سهلاً ولكن النبى صلى الله عليه وسلم يعطى لك البديل وهى صلاة العشاء فى جماعة فى المسجد ( قال صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ)أخرجه مسلم
وقيام ليله بأكملها ليس شيئاً سهلاً , ولكن تدرك بصلاة الفجر فى جماعة فى المسجد ( قال صلى الله عليه وسلم وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ)أخرجه مسلم
إن أربعين يوماً تدرك فيها تكبيرة الإحرام , تحصل لك براءتان , براءة من النار , وبراءة من النفاق , بشرط إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام , ولابد للمسلم أن يختبر نفسه فى هذا الأمر ليبتعد عن شبهة النفاق والعياذ بالله .
والسابقين وجدوا حلاوة هذا الأمر فى حياتهم فكانوا لا يتركون المساجد, دائماً قلوبهم متعلقة بالمسجد .
فهذا الحارث بن حسان رحمه الله تزوج , فحضر صلاة الفجر فى جماعة فى ليلة عرسه قيل له أتخرج وإنما بنيت فى أهلك الليلة فقال والله إن امرأة تمنعنى من صلاة الفجر فى جمع لامرأة سوء , لا يمكن أن أقبل بها .
انظر إليه يخرج إلى المسجد للصلاة فى ليلة عرسه , وانظر إلى حال أكثرنا يسمع النداء ولا يجيب المنادى , والأعظم من ذلك ان منا من لا يدخل المسجد فى حياته , فهل تنتظر منه خيراً فقد اسود قلبه بالذنوب لدرجة أنه يخاف من الاقتراب من المسجد , ونقول له إذا أردت أن تصلح قلبك فتوجه إلى المسجد لتغسل قلبك بماء الوضوء وتجلس مع الصالحين للذكر والعبادة
فعودة إلى المساجد لإصلاح القلوب , وطهارة الأبدان .
أيها المسلم : لابد أن تتعاهد الأولاد فى المسجد , وتحثهم على هذا الأمر ولا تتركهم هكذا بلا حساب وعقاب , يخرج الطفل بعيداً عن المسجد لا يعلم خيريتة ولا فضله , ومن الغريب أن تجد الأب يرى ابنه يجلس أمام التلفاز يشاهد الأفلام وغيرها والأذان يؤذن ولا يحسه على الذهاب إلى المسجد .
أيها الأحباب: كانت مساجد المسلمين فى القدم عامرة بذكر الله وحلق العلم , كانت المساجد جامعة تخرج الأبطال , والعلماء وغيرهم , فعلم الأعداء مكانة المساجد وقيمتها فى حياة المسلم , فحرصوا على هدمها فى أى مكان ينزلون فيه , فعلينا بإعمار المساجد لنحى قلوبنا مرة ثانيه ونعيد للمسجد وجهته العظيمة التى كان عليها , وأن نربى أبنائنا على حب المساجد والذهاب إليها ….
والله ولى التوفيق

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...