إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا..
أما بعد..
أيها المواطن الفاضل إنني أحدثكم اليوم بكل شفافية وهدوء …..
أخاطب فيك عقلك الذكي، ونفسك الجذابة، وهمتك الوثابة، لأسأل نفسي قبل أن أسألك: لِمَ اعتدنا دائما أن نكون في حالات ترقب وانتظار لأي شيء سيحصل للدولة، ونَجَعْنا عن العمل لمصر، وصناعة أحداثها، وصياغة قراراتها؟
اعذروني؛ فهذه حقيقة لابد من الإقرار بها، ولا بأس أن تطرح لتعالج، وقد قال علي رضي الله عنه: [المؤمنون نصحة والمنافقون غششة]؟
لماذا إذا سمعنا عن قيادة ستقود البلاد إلى بر الأمان تساءلنا: متى تأتي؛ فلطالما انتظرناها، وهفت قلوبنا للقياها؟ وهي من؟ وما أوصافها؟ وما هي مؤهلاتها؟ وأين تسكن؟ .. إلى غيرها من الأسئلة والاستفسارات التي ترطن بها ألسنتنا، وتبوح بها أفئدتنا، ونبقى نكررها إلى أن يوافينا الأجل .
ألم تفكر – أيها الداعية الكريم – أن تكون أنت هذه القيادة المنتظرة، والرجل المظفر؟!!
نعم ! لِمَ لا يكون هو أنت؟!! فيغير الله على يديك ميزان التاريخ لصالح مصرنا المحروسة، ويصلح بك الرحمن هذا الدولة، بعد همة ومثابرة وعزم وتصميم وعلم وعمل؟
فإذا عزمت فبادر, وإذا هممت فثابر, واعلم أنه لن يدرك المفاخر من كان في الصف الأخر.
لقد حان هذا الوقت لتضرب بيدك على صدرك، قائلاً بأعلى صوتك: أنا لها .. وتردد منشداً:
ما دام عرقي نابضاً … لن تعرف النفس ارتياح
إنها صناعة الحياة، وصياغة النجاح التي تجعلك كبيرًا عند ربك، وكبيرًا في تفكيرك، وكبيرًا عند مجتمعك، بل كبيرًا في كل شيء . تخرج للناس لتعلمهم درسًا لن ينسوه بأنه (رب همة أحيا الله بها أمة)، تخرج لهم وتردد قول ابن المبارك:
بُغْضُ الحَيَاةِ وَخَوفُ الله أخرَجَنِي ** وَبَيعُ نَفسِي بِمَا لَيسَتْ لَهُ ثَمَنَا
إنِّي وَزَنتُ الذِي يَبقَى لِيَعدِلَهُ ** مَا لَيسَ يَبقَى فَلا والله مَا اتَّزَنَا
أيها الحبيب: ألا أدلك على دائنا لنعالجه بما يتناسب من دواء, إن الداء فيما برز في زمننا من (عدم التفكير) أو (مشكلة التفكير الخاطئ)؛ وذلك بأن يضع الإنسان لنفسه خطة يسير عليها في حياته، ومن ثم يطبقها على أرض الواقع، وهي من ألفها إلى يائها غلط في غلط.
وأمر آخر هو أننا نحتاج جميعًا في حال تفكيرنا أن ندرك أنَّ مزيدًا من الخوفِ لدى الأمَّة ومفكريها يعني حتمًا مزيدًا من الخمول والكسل وتبعيَّةِ دولتنا لغيرِها من الدول، وكما قال الأستاذُ عبَّاسُ العقاد: (لا معنى للدينِ ولا للخُلُقِ إذا جاز للناس أن يخشوا ضررًا يصيبُ أجسامهم ولا يخشوا ضررًا يصيب أرواحَهم وضمائرهم وينزلُ بحياتهم الباقيةِ إلى ما دونَ الحياةِ التي ليس فيها بقاءٌ وليس فيها شرفٌ ولا مُرُوءة).
كما أنَّه من المهم جدًا أن نعقب التفكير بدحرجة نتيجته في واقع الحياة ودنيا الناس، ولقد كان يقول المفكر الجزائري مالكُ بن نبي ـ رحمه الله ـ:(من المهم جدًا أن ننتجَ الأفكار، ولكنَّ الأهمَّ من ذلك أن نقوم بتوجيهها وتطبيقها في الواقع) وحقًَّا إنَّها كلمةٌ عميقةٌ تحتاج إلى تأمُّلٍ في فحواها ومحتواها! فكما أنَّ من المهم أن نفكر، فإنَّ الأهمَّ منه بل هو غاية مرادنا من خلال التفكير؛ القيام بتطبيق ما فكَّرنا فيه وتحريكه في دوائر العمل، وإلاَّ فستكون أفكارنا عديمة الفائدة في حياتنا، ولا نستفيد منها في واقعنا العملي شيئًا سوى الترف الفكري.
ومن هنا يقول أحد المفكرين: (لدينا أفكار كثيرة لا تجد سبيلها إلى التطبيق، وأعمال كثيرة لم تسبق بأي تفكير).
ومن ثم فأنت أيها الحبيب تستطيع أن تعمل وتحرك، وتكون رائدا وقائدا ينفع الله بك، وكل ما تحتاجه نفث في همة من هممك، ومحاولة غرس وإصلاح، فتحيي الهمم، وتستنهض العزائم .
إن غالبيتنا لا يفكر لأنَّه لا يريد أن يفكر! كما قال الشاعر المسلم محمد إقبال:
أرى التفكير أدركه خمول *** ولم تعد العزائم في اشتعال
وقال آخر
تبلد في الناس حب الكفاحِ … ومالوا لكسبٍ وعيش رتيب
يكـاد يزعزع من همتي … سدور الأمين وعـزم المريب
أخي الحبيب مضى عصر الكسل والخمول، وأقبل عصر العمل والأمل؛ خاطب نفسك بقولك:
يا نفس قومي فقد نام الورى…إن تصنع الخير فذو العرش يرى
ولكن بقي أن أبين لك السبيل وأنت فرد كيف تستطيع أن تهدي غيرك، وتصلح سواك، أو تقود أبناء وطنك للخير بعزة واقتدار؟ كيف يكون ذلك؟!
فأجيبك بالجواب الشافي، والحل الوافي؛ حيث سأذكر موقفًا قصه الله في كتابه العظيم تكمن فيه الإيجابية الفعالة في المبادرة الذاتية للإصلاح والتغيير.
وأذكر هذه الموقف حتى تعلم أن من يريد العمل والإنقاذ فإنه لا بد أن تظهر تلك السمة القيادية على أفعاله ولو كانت حشرة.
ولا تستغرب إيراد هذه القصة؛فإنها من الأمثلة التي أشاد الله بإرادتها الإصلاحية، فلا بأس أن تقتفي أثرها في همة الإصلاح، وإياك واحتقار نفسك بقولك: (ومن أنا حتى أسود وأقود، وأجدد وأصلح؟) فإن هذا (ورع بارد) كفاك الله شره .
تأمل وأنعم النظر في الموقف الإصلاحي ذاك الأنموذج للتفوق الحضاري ألا وهي النملة هذه الحشرة الصغيرة قد أودع الله تعالى فيها من مقومات التفوق ما لا نحصيه فالنمل يعيش في أمة منظّمة تنظيمًا دقيقًا وعندهم تخزين وعندهم تكييف في أجسادهم وعندهم جيوش وإشارات تخاطب,وعنده تكنولوجيا لا نعلمها والعلماء يكتشفون يومًا بعد يومٍ أشياء لا يمكن للعقل تصورها عن هذه الحشرة الصغيرة الحجم. فعلينا أن نتعلم من هذه الحشرة التفوق الحضاري فهي التي قالت مخاطبة النمل في هذه الآيات الكريمة من سورة النمل؛ بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ] (النمل: 17-19).
نستنبط من هذه الآيات الكريمة عدة فوائد منها:
1 – أن هذه النملة مفردة، وقد ذكرها الله في كتابه بصيغة التنكير؛ فهي نكرة في قومها كما هو ظاهر الآية، فليست رئيسة أو وزيرة بل هي نملة من عوام النمل .
2 – هذه النملة أتت إلى قومها صارخة فيهم منذرة، قائلة: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) وأخبرتهم بقرب وقوع خطر سيحيق بهم ويقضي عليهم وهم لا يعلمون، ثم تنهى النمل عن التواجد في مثل هذا المكان حتى لا يُحطم .
3 – أن النملة لم تكتف بالإنذار بأن هناك خطرًا سيداهم عشيرتها ثم تصمت كما هو حال بعض المسلمين اليوم يعي أن عدوه سيأتيه فلا يكون حاله إلا أن يصيح قائلاً: (احذروا الكفار؛ فإنهم قادمون)، ثم يرجع إلى فراشه ويغط في نوم عميق، دون أي عمل يدفع به كيد الكفار .
إن هذه النملة لم تعمل على إشاعة الأخبار للترويع, وإتقان فن الكلام فحسب، بل وضعت خطة لقومها، فقالت:(ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ) ورأت أن المصلحة في كيفية درء المفسدة عن قومها بتبيين طريق النجاة لهم، حتى لا يضلوا فيقعوا في شباك الصيد، وتحت وطأة أقدام الجيش القادم, فهذه الحشرة نجحت في الأداء وحسن التنظيم والتفوق، فكيف بالبشر الذين أعطاهم الله تعالى العقل والفهم فهم أحرى أن ينجحوا كما نجحت النملة في مهمتها.
4 – والمعتبر بحال النملة يجد أن عندها نسيج الولاء لقومها، ومحبتهم كما تحب نفسها؛ فليست أنانيَّةً، بل تحب الخير لقومها، ولم تقل: (دعهم يهلكون وهذا جزاؤهم؛ لأنهم لم يهتموا بحراسة أنفسهم) كلاّ؛ بل أنذرَتْهُمْ جميعًا حفاظًا عليهم من خطر قادم وكأن لديها جهاز إنذار، ولم تستثن أحدًا.
5 – ومن الفوائد أن هذه النملة لم تنتظر أن يأتي أحد من قومها أو ممن يحرس وادي النمل ذاك، ويخبر النمل بأنه سيأتي جيش يحطمهم ويبيدهم، بل كانت عندها روح المبادرة الذاتية، في المسارعة إلى إنقاذ قومها وإقصائهم عن مواطن الهلاك, فبدأتْ مخاطِبَةً قومها مخاطبة العقلاء وجاءت بلفظ مساكنكم ولم تقل بيوتكم أو جحوركم لأنهم في حالة حركة والحركة عكسها السكون فاختارت لفظ المساكن من السكون حتى يسكنوا فيها ولم تقل المساكن والجحور وإنما قالت مساكنكم أي أن لكل نملة مسكنها الخاص الذي تعلم مكانه، ولم تقل ادخلن وإنما قالت ادخلوا.
6 – عند قوله تعالى: (وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) وقفة قصيرة مع هذا الاعتذار العجيب من هذه النملة الذكية؛ حيث ذكرت أن جند سليمان – عليه السلام – القادم قد يهلك النمل، وهم لا يشعرون بأن تحت أقدامهم وادياً من أودية النمل؛ فهذا الجيش لا يتعمد قتلنا، ولا يريد تحطيمنا عن قصد . فتأمل هذا التحذير ثم الاعتذار؛ فالنملة تعلم أن سليمان عليه السلام نبي رحيم، لا يحب الشر للخلق أو يضمره لهم؛ وهذه دلالة وإشارة واضحة أنه حتى النمل يعرف أن عباد الله المؤمنين لا يمكن أن يظلموا غيرهم أو يحطمونهم حتى ولو كان مجموعة من النمل.
وقالت سليمان وجنوده ولم تقل جنود سليمان حتى ترفع العذر عن سليمان أيضاً فلو قالت جنود سليمان لكان سليمان غير عالم إذا كان قاصدًا أو غير قاصد وجاءت بلفظ سليمان بدون أي لقب له كالنبي سليمان للدلالة على أنه مشهور بدون أن يوصف، فلنتأسَّ بها في اعتذارنا لمن أخطأ في حقنا وهو لا يقصد سواء بقول أو بفعل، أو لم يشعر بخطئه ذاك .
فانظر – أيها الحبيب – إلى هذا الموقف ودقق النظر فيه لعلنا أن نتأسى به ونعتبر، ونعلم أن على الفرد مسؤولية يجب القيام بها، وأنه يستطيع أن يقود أمة كاملة بحسن تصرف وجميل تعبير .