أمسك عليك لسانك

2

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الإنسان يدخل الإسلام بكلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وكلمة الكفر والإصرار عليها تخرجه من ملة الإسلام، والإنسان يعبر عما في نفسه بالكلام، ومن أظهر بالكلام خلاف ما يخفي فهو المنافق، ومن تحدث بغير الحقيقة فهو الكاذب، والإنسان محاسب على ما يتكلم به، قال تعالى: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]. وقذف المحصنات ما حقيقته إلا كلمة، إذا لم يأت على إثبات مقالته بالشهود اللازمة أقيم عليه الحد، ولا تقبل شهادته، وعد من الفاسقين إلا من تاب، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور:4- 5] لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سوء الكلام وجعل حقيقة الإسلام في قلب صاحبه حين يسلم المسلمون من لسانه ويده وقدم اللسان لخطورته، وسهولته على المتجرأ به، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه ) ِ
وورد هذا المعني في أحاديث عن عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل من نفسه ضامنا الجنة لمن أقام أمور منها إمساك اللسان، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ». واللسان بين اللحيين
وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه بيان لخطورة الكلمة حين قَالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم
«أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ». فَقُلْتُ لَهُ بَلَى يَا نبي اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ: ( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ – أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ
بل إن الناس قد تستهين بالكلام فتتكلم بكلمة بسببها يهوي في النار فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
«إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».
.وعند الترمذي ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْساً يَهْوِى بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً فِي النَّارِ )
المؤمن يظن خيراً فيما يسمعه عن أخيه المؤمن :
قال تعالى: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) [النور: 12 ] في قوله تعالى: (ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً) أي قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم، فإن كان لا يليق بهم فيجب عليهم أن يكونوا كذلك، سواء أم المؤمنين التي نزلت بشأنها الآيات أو عموم المسلمين، ويروى أن حديثا دار بين أبي أيوب الأنصاري وامرأته حين دخل عليها، فقالت: يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب، فقالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة خير منك
إرشاد المؤمنين إلى ما يجب عليهم من سماع السوء .
لقد بينت الآيات ما يجب على المؤمنين عمله عند سماع السوء
أ- ما بيناه فيما سبق بحسن الظن فيما يسمعه عن إخوانه المؤمنين الدعاة، وهذه هي الخطوة الأولى في المنهج الذي يفرضه القرآن لمواجهة الأمور.. خطوة الدليل الباطني الوجداني
ب- أن لا يكتفي بالظن الحسن في القلب بالنسبة لما يسمعه، بل يسارع إلى الإنكار اللساني ( وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ )
جـ – الخطوة التالية طلب الدليل الخارجي والبرهان الواقعي، قال تعالى: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ الله هُمُ الكَاذِبُونَ) [النور: 13 ] د- من الأدب الأخلاقي أن المرء لا يقول بلسانه إلا الذي يعلمه ويتحققه، وإلا فهو أحد رجلين: أفن الرأي، يقول الشيء قبل أن يتبين له الأمر فيوشك أن يقول الكذب، فيحسبه الناس كذاباً، وفي الحديث: حسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما يسمع، وإما رجل مموه مراء يقول ما يعتقد خلافه قال تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ) وقال: (كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ) )
هـ – ولا يكفي الظن الحسن والتصريح بنفي وإنكار مقالة السوء، بل على الداعي أن لا يسمح بتسرب شيء إلى نفسه مما يخالف الظن الحسن، وإذا حصل شيء من ذلك في نفسه فلا يجوز أن يتكلم بهذا، بل يردد بلسانه حتى يسمع نفسه وغيره قوله تعالى:(وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) [النور: 16 ]] و- أن يبعد الداعي عن نفسه أي ميل أو محبة أو رغبة في إشاعة الفاحشة، ونهش الأعراض، واتهام الغافلين المؤمنين، ويعرف من نفسه حصول شيء مما ذكرنا فيها، إذا شعر بلذة في سماع أقوال السوء، أو رغبة في ترديدها، أو في قوله سمعت كذا وكذا من مقالة السوء وليتذكر قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النور: 19

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...