دروس في التضحية والفداء

1

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } الأحزاب23
أبوبكر الصديق – رضي الله عنه :
تقول أسماء بنت أبي بكر: لما خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، وخرج أبوبكر معه ، احتمل أبوبكر ماله كله ، ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف ، فانطلق بها معه . قالت : فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره ، فقال : والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه ، قالت : فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيه ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده ، فقلت : يا أبت ضع يدك على هذا المال . قالت : فوضع يده عليه ، فقال : لا بأس إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفي هذا بلاغ لكم ، لا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك ) السيرة النبوية لابن هشام .
لقد ضرب أبوبكر الصديق – رضي الله عنه – النموذج في التضحية بالنفس والمال , ولقد رأينا في الهجرة كيف يمشي الصديق بين يديه – صلى الله عليه وسلم – ومن خلفه – ويسبق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في دخول الغار كي يجعل نفسه فداء له عليه الصلاة والسلام .
من الصديق – رضي الله عنه – نتعلم :
الإخوة الصادقة : تضحية ووفاء .
التضحية في سبيل الله بالنفس والمال والأهل .
ثانيا : على بن أبي طالب – رضي الله عنه :
خُرُوجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِخْلَافُهُ عَلِيًّا عَلَى فِرَاشِهِ :
فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السِّلَامُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا تَبِتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ الَّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ عَتَمَةٌ مِنْ اللَّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ، فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُمْ، قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَتَسَجَّ [4] بِبُرْدِي هَذَا الْحَضْرَمِيِّ الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِكَ إذَا نَامَ. (السيرة النبوية لابن هشام ) .
( وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي )
وبعدما رد على – رضي الله عنه – الأمانات والودائع لأصحابها ، تأهب للخروج ليلحق برسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد ثلاث ليال قضاهن في مكة ، وكان في هجرته يكمن بالنهار ، فإذا جن عليه الليل سار حتى قدم المدينة وقد تفطرت قدماه ، وعلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقدوم على ، وبلغه ما تحمله في طريق هجرته وما لقيه من العنت والشدة فلان قلبه له ، وقال :
( ادعوا لي عليا ) ، قالوا : لا يقدر أن يمشي ، فأتاه النبي – صلى الله عليه وسلم – واعتقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم ، وتفل في يديه وأمرها على قدميه ، فلم يشتكها بعد حتى قتل – رضي الله عنه – وأرضاه .
هكذا كانت هجرة على بن أبي طالب – رضي الله عنه – تضحية وفداء ، وتحملا وصبرا ، وشجاعة وإقداما .
من الدروس :
إن الجندي الصادق المخلص لدعوة الإصلاح ، يفدي قائده بحياته ، ففي سلامة القائد سلامة للدعوة .
ونتعلم ثقة الجندي في معية الله وحفظه , ثم الثقة في قائده .
ثالثا : صهيب الرومي – رضي الله عنه :
قال ابن هشام عن أبي عثمان النهدي ، أنه قال : بلغني أن صهيبًا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش : أتيتنا صعلوكًا حقيرًا ، فكثر مالك عندنا ، وبلغت الذي بلغت ، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ؟ والله لا يكون ذلك ، فقال لهم صهيب : أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ؟ قالوا : نعم . قال : فإني جعلت لكم مالي . قال : فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، فقال : ربح صهيب ، ربح صهيب ) السيرة النبوية لابن هشام .
وفي صهيب – رضي الله عنه نزلت الآية : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }( البقرة : 207)
إن صهيبًا – رضي الله عنه – يمثل نموذج المؤمن الصادق ، الذي يبيع نفسه كلها لله ، ويسلمها كلها له لا يستبقي منها بقية ، ولا يحسب لذاته حسابًا في سعيه وعمله ، لأنه يتوجه بكليته إليه سبحانه ، إن العقيدة عندما تنتصر في النفس ، يضحي الإنسان بنفسه وماله لله تعالى .
رابعا : ضمرة بن جندب – رضي الله عنه :
نزلت فيه الآية : {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }
( البقرة : 100) قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ ضَمْرَةُ بْنُ جُنْدُب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فنزلت الآية .
خامسا : مصعب بن عمير – رضي الله عنه :
الداعية والسفير والفاتح للمدينة المنورة , ويضحي بوطنه ونعيمه الذي كان فيه في مكة في سبيل الله ، وحبًا لله ولرسوله .
إنه نموذج للشباب وللدعاة ، في التضحية والفداء لهذا الدين العظيم
قال تعالى : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }( الأحزاب : 23)
عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا قوماً يصيبنا صلف العيش بمكة مغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك، وصبرنا له، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة، وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جهد في الإسلام جهداً شديدا حتى لقد رأيت جلده يتحشف تحشف جلد الحية عنها حتى أن كنا لنعرضه على قسينا فنحمله مما به من الجهد، وما يقصر عن شيء بلغناه، ثم أكرمه الله عز وجل بالشهادة يوم أحد ( سيرة ابن اسحاق ) .
وَمَرّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِ، وَدَعَا، وَقَرَأَ:
{رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }(الأحزاب : 23 ) ، أَشْهَدُ أَنّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ! وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يسلّم عليهم أحدا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا رَدّوا عَلَيْه.
عن خباب رضي الله عنه، قال: هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهدبها، قتل يوم أحد، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، «فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ، وأن نجعل على رجليه من الإذخر» أخرجه البخاري .
سادسا : أسماء بنت الصديق – رضي الله عنها :
لقد ضحت بجهدها ونفسها ، وهي المرأة الحامل في أشهرها الأخيرة , وتتعرض للأذى من أبي جهل بن هشام الذي لطمها على خدها ، إنها تقدم النموذج للمرأة المسلمة ، وتبين أن للمرأة المسلمة دور ومسئولية في الدعوة والجهاد في سبيل الله , وكذلك تلفت النظر لأهمية التربية والإعداد والتكوين للبيت المسلم , والعناية بالشباب والفتيات . حيث لما مضت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فى الغار ثلاثة أيام، أتاهما عبد الله بن أريقط براحلتيهما، وأتتهما أسماء بسفرتهما، وشقت نطاقها، وربطت به السفرة وعلقتها، فركبا الراحلتين، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة؛ فلذلك سميت أسماء ذات النطاقين. ( جوامع السيرة ) .
سابعًا : أسرة أبي سلمة :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ابْن أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ:
لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟ قَالَتْ: فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ. قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا وَاَللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا.
قَالَتْ: فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلِمَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ. قَالَتْ: فَفَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي. قَالَتْ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ، فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا! قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكَ إنْ شِئْتِ. قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. قَالَتْ: فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ: وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيَّ زَوْجِي، حَتَّى إذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لِي: إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَ:
أَوَمَا مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ، إلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا. قَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَكَ مِنْ مَتْرَكٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يهوى بى، فو الله مَا صَحِبْتُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطُّ، أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، حَتَّى إذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ فِي الشَّجَرَةِ، ثُمَّ تَنَحَّى (عَنِّي) إلَى شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ، قَامَ إلَى بَعِيرِي فَقَدَّمَهُ فَرَحَلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، وَقَالَ: ارْكَبِي. فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَهُ، حَتَّى يَنْزِلَ بِي. فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ، قَالَ: زَوْجُكَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ- وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا- فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكَّةَ.
قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْتُ صَاحِبًا قَطُّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ ( سيرة ابن هشام )
لقد ضرب أبوسلمة المثل في الوفاء لعقيدته ودينه .
وأما أم سلمة – هند بنت أبي أمية – فقد كانت من الصابرات المجاهدات المهاجرين ساهمت بنفسها وجهدها في سبيل الله ، إنها ضحت هي وزوجها بكل شيء من أجل دينها وعقيدتها ، وانظر كيف كانت صابرة على مرارة الفراق لزوجها وابنها ، وشاركت زوجها الآلام صابرة محتسبة مضحية بكل ما تملك في سبيل الله .
سابعا : الأنصار :
عن أنس رضي الله عنه، قال: قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك دلني على السوق، فربح شيئا من أقط وسمن، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أيام وعليه وضر من صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «مهيم يا عبد الرحمن؟» قال: يا رسول الله، تزوجت امرأة من الأنصار قال: «فما سقت فيها؟» فقال: وزن نواة من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أولم ولو بشاة» أخرجه البخاري .
ولقد شهد الله عزوجل للأنصار ، بالتضحية والإيثار ، وحب المهاجرين الأبرار فيما أنزله فيهم من قرآن يتلى ويتعبد به إلى يوم القيامة ثناء عليهم وتنويها بفضلهم ، قال تعالى : {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }( الحشر : 9)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيدِ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ أَنْ يُقطع لَهُمُ الْبَحْرَيْنِ، قَالُوا: لَا إِلَّا أَنْ تُقطع لِإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا. قَالَ: “إِمَّا لَا فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ [بَعْدِي] أَثَرَةٌ”. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَتِ الْأَنْصَارُ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ. قَالَ: لَا. فَقَالُوا: تَكْفُونَا المؤنَةَ ونَشرككُم فِي الثَّمَرَةِ؟ قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...