قارن الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام، رئيس القسم الاقتصادي بصحيفة العربي الجديد، بين حكم الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، وقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، مؤكدا أن المصريين الآن يدركون أن مرسي لم يكن فاشلا بعد الكوارث التي تحاصرهم حاليا، على خلفية الإخفاقات المستمرة لسلطات الانقلاب في كل المجالات، وأن مصر كانت تمضي نحو الأفضل بحسب الأرقام والإحصائيات الرسمية.
وتساءل عبد السلام- في مقاله المنشور مساء اليوم السبت 5 نوفمبر 2016م بعنوان «التعويم والانقلاب والكوارث الاقتصادية»- «ماذا لو لم يقع انقلاب 3 يوليو 2013 في مصر والذي أسفر عن عزل أول رئيس مدني منتخب؟ هل كنا نتوقع تطبيق الحكومة مثل هذه القرارات الاقتصادية العنيفة والكارثية التي هزت هذه الأيام الأسواق ومعها المواطن الفقير؟ هل كانت الحكومة ستجرؤ على تعويم الجنيه المصري، ومع قرار التعويم تركت المواطن الفقير في الهواء الطلق دون أي حماية أو كبح للأسعار؟ وهل كانت الحكومة ستجرؤ على رفع أسعار الوقود، خاصة المشتقات الأكثر جماهيرية مثل السولار وبنزين 80 والغاز؟ وهل كان المصريون سيجدون من يعايرهم أنهم باتوا عالة على خزانة الدولة، وأنهم يجب أن يتوقفوا عن التعامل مع الحكومة على أنها بابا وماما، أو أن يخرج علينا برلماني يقول في بلاهة واستفزاز: من أين ستأتي الحكومة بمئات المليارات من الجنيهات لإنفاقها على دعم الوقود والسلع التموينية؟».
ويرد الكاتب على نفسه «الإجابة بالطبع لا، فنظام ما بعد 3 يوليو فتح الباب على مصراعيه لإفقار المصريين وإذلالهم وقهرهم وتخويفهم وإهدار أموالهم ومعايرتهم بإطعامهم وتقديم الدعم لهم، على الرغم من أن المصريين هم من يدفعون تكلفة معيشتهم ورواتب الحكومة، بسداد 433.5 مليار جنيه في شكل إيرادات ضريبية، إضافة إلى سداد مليارات أخرى في شكل رسوم وجمارك وغيرها من إيرادات الدولة المعروفة».
الانقلاب سبب الكوارث
ويؤكد الكاتب أن النظام الحالي هو من أضاع موارد البلاد من النقد الأجنبي، وفتح الباب على مصراعيه أمام حدوث ارتفاعات قياسية في الأسعار، وموجات تضخمية غير مسبوقة، واضطرابات هي الأعنف في تاريخ العملة المحلية.
ويرى الكاتب أن نظام الانقلاب أضاع قطاع السياحة الذي كان يدر على البلاد 14 مليار دولار سنويا، حينما صور للعالم أن مصر تعوم على بركة من الإرهاب، وأنها الدولة الأكبر في العالم التي تضم إرهابيين، وأن أكبر جماعة سياسية في البلاد فازت بخمسة استحقاقات رئاسية ونيابية، في إشارة إلى الإخوان، ما هي إلا مجموعة من الإرهابيين وعتاة الإجرام.
وأشار إلى أن النظام أهدر أكثر من 100 مليار جنيه على مشروع تفريعة قناة السويس الذي لا طائل اقتصادي منه سوى الدعاية له، وزعم رفع الروح المعنوية للمصريين. متهما السيسي بالمكابرة والعناد في تمويل مشروعات أسماها قومية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة واستصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان وغيرها، وبعد فوات الأوان قرر تجميد هذه المشروعات، لكن بعد أن سحبت هذه المشروعات السيولة المحدودة لدى الخزانة العامة.
وتابع أن النظام وجّه مليارات الجنيهات لقتل المصريين في الشوارع والميادين، ورفع الإنفاق على الأمن لمعدلات غير مسبوقة لمطاردة التظاهرات السليمة. وأهدر أكثر من 60 مليار دولار تلقاها من دول الخليج الداعمة له في شكل مساعدات ومنح وقروض، إضافة إلى فكّه وديعة حرب الخليج والبالغ قيمتها 9 مليارات دولار عقب انقلابه مباشرة. وأنفق ببذخ على داعميه من أجهزة أمنية وقضائية وإعلامية، ورفع رواتبهم عدة مرات. كما أنفق المليارات على بناء السجون وإقامة المعتقلات حتى تستوعب المزيد من الشباب والمعارضين له بحسب الكاتب.
حكم مرسي الأفضل
ويشدد الكاتب مستدلا بالأرقام على أنه منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 كانت الأمور تسير نحو الأفضل، وكانت الحكومات المتعاقبة تعمل ألف حساب للمواطن، وكانت الأسعار شبه مستقرة، على الرغم من حالة الفزع التي أثارها أعضاء بحكومة كمال الجنزوري والمجلس العسكري في ذلك الوقت، عبر الإدلاء تصريحات من عينة أن مخزون مصر من السلع الاستراتيجية قارب على النفاد، وأن مصر قاربت على الإفلاس، وتبين في وقت لاحق أن هذه مجرد أكاذيب للتخويف ليس إلا.
ويشير إلى الحرية السياسية التي كانت ممنوحة للجميع بقوله: «كان أي مواطن يستطيع أن يصل لقصر الاتحادية، ويطالب بإسقاط نظام الإخوان وعزل الرئيس محمد مرسي، بل ويتهم الإخوان بأفظع الاتهامات».
ويتابع «صحيح أن الأمور كانت تسير ببطء في بعض القطاعات في مرحلة ما بعد الثورة، لكن كان لدى مصر سعر للدولار يقل عن 7 جنيهات، وحققت السياحة إيرادات بقيمة 12 مليار دولار، وهو ما يقارب إيرادات ما قبل الثورة، وراح العالم يتكالب على المنتجات المصرية، ولذا زادت الصادرات الخارجية، وقاربت تحويلات العاملين بالخارج على 20 مليار دولار لأول مرة في تاريخ البلاد».
ويضيف «كانت حصيلة موارد البلاد من النقد الأجنبي تكفي لإحداث استقرار في سوق الصرف وتلبية احتياجات التجار والمستوردين، ولم تكن مصر في حاجة ملحة لاقتراض 4.9 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لولا إصرار بعضهم على الحصول على شهادة ثقة من الصندوق بكفاءة الاقتصاد المصري وقدرته على جذب استثمارات خارجية».
ويمضى مؤكدا «كانت الأمور تتطور نحو الأفضل، والأهم كان لدى البلاد نظامٌ يراعي الفقير، وحكومة تراعي المصلحة العامة للبلاد، وبرلمان منتحب بأغلبية المصريين يحاسب، ونواب قادرون على محاسبة الحكومة وسؤالها إذا فشلت في إدارة الاقتصاد».
وينتهي في مقاله إلى أن مصر كانت تسير نحو الأفضل، لكن بعضهم أراد وأد تجربة ديمقراطية وليدة ليصل بالمصريين إلى ما هم فيه الآن من غلاء وذل وقهر وخوف من المجهول.